منذ توقيع “اتفاقات أبراهام” بين إسرائيل وأربع دول عربية، وأحاديث الكواليس تؤكد قرب انضمام السعودية لقطار التطبيع، لكن ما يعطل الصفقة هو تحديد المقابل الذي ستدفعه أميركا للسعودية من أجل التطبيع.
موقع “أكسيوس” الأميركي كشف عبر سبق صحفي نشره في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021، جانبا من معالم هذه الصفقة استنادا لعدة مصادر أميركية رسمية.
وأكد أن ثمن قبول السعودية التطبيع مع إسرائيل، “تحسين علاقات أميركا مع نظام ولي العهد محمد بن سلمان، والتوقف عن إثارة ملف حقوق الإنسان، بما فيه قتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية عام 2018، الذي تتهم أوساط أميركية ولي العهد السعودي بالوقوف وراء الجريمة”.
تمهيد للتطبيع
موقع “واللا” العبري نشر بالتزامن نفس تفاصيل هذه الصفقة، مؤكدا أن إدارة الأميركي جو بايدن ناقشت مع السعودية إمكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل والانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام”.
وأكد في نفس توقيت ما نشره موقع “أكسيوس”، أن شروط السعودية هي “تحسين علاقات أميركا مع ابن سلمان”.
تزامن ذلك مع سماح الرياض بسفر سعوديين إلى إسرائيل، واستقبالها الحاخام يعقوب هرتسوغ والحديث عن فتحه مكتبا في الرياض.
ويسمي هرتسوغ نفسه على تويتر “الحاخام الرئيس-المملكة العربية السعودية”، ما يؤكد أن حديث التطبيع “جدي” هذه المرة.
واستضافت المملكة هذا الحاخام لأول مرة، والذي حرص على نشر صوره وهو يتجول في المدن السعودية ويرقص مع أهلها ويحتضنهم، في مؤشر وتمهيد للتطبيع، وفق مراقبين.
وقال الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، إن الحاخام هرتسوغ “لم يذهب للسعودية في زيارة، ولكن سيبقى هناك”، بعدما وافقت الرياض لأول مرة على نشاطات يهودية في المملكة، وتم افتتاح “مكتب للديانة اليهودية في الرياض” برئاسة هذا الحاخام.
فيما نبه المعارض السعودي عمر بن عبد العزيز، مغردا، بأن “الحاخام يعقوب يدعو لهدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم بدلا منه”، ونشر تغريدة من حسابه توضح ذلك.
كواليس الصفقة
بحسب “أكسيوس” بحث مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، قضية التطبيع مع إسرائيل خلال اجتماعه الأخير مع ابن سلمان، حسبما نقل الموقع عن ثلاثة مصادر أميركية وعربية.
وقالت المصادر إن “سوليفان أثار القضية في اجتماع 27 سبتمبر/أيلول 2021 بمدينة نيوم السعودية”، وأن “ابن سلمان لم يرفض الموضوع بشكل قاطع لكنه تحدث عن المقابل، أو الشروط”.
ووفقا لـ”أكسيوس”، قال السعوديون إن “التطبيع مع إسرائيل سيستغرق بعض الوقت وأعطوا سوليفان قائمة بالخطوات التي يجب اتخاذها قبل الشروع به”.
واعتبر أن “السعودية وفي حال قيامها بالتطبيع مع إسرائيل ستكون أكبر لاعب إقليمي يوقع على اتفاقية سلام تل أبيب”.
وأضاف أن “من المرجح أن يؤدي هذا الاختراق الكبير إلى إقناع دول عربية وإسلامية أخرى بأن تحذو حذوها”.
موقع “واللا” العبري نشر نفس التفاصيل تقريبا ولم يضف لها سوى شرط سعودي آخر هو “إصدار إسرائيل مواقف إيجابية فيما يخص القضية الفلسطينية، كي تكون مبررا سعوديا للتطبيع”.
وقال الصحفي الإسرائيلي، صاحب التسريبات، باراك رافيد إن “السعودية أبلغت سوليفان رغبتها أن تكون أي خطوة سعودية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، جزءا من صفقة أكبر، تشمل التطبيع الأميركي مع ابن سلمان، الذي رفض بايدن التعامل معه بشكل مباشر، بجانب خطوات إسرائيلية بشأن القضية الفلسطينية”، دون تحديد ماهياتها.
وعام 2020، توصلت الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، إلى اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، عرفت باسم “اتفاقات أبراهام”.
توسيع القائمة
منذ أكثر من 10 سنوات، تحاول الولايات المتحدة إقناع السعوديين بتطبيع العلاقات مع إسرائيل تدريجيا، وتوسيع “اتفاقات أبراهام”.
وخلال الاجتماع الثلاثي في واشنطن مع وزراء خارجية إسرائيل والإمارات في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن: “ملتزمون بمواصلة توسيع دائرة الدول التي ستطبع العلاقات مع إسرائيل”.
وعقب اللقاء، تحدث مسؤول إسرائيلي عن أن “دولة واحدة على الأقل ستوقع بالتأكيد على الاتفاق العام المقبل 2022″، بحسب موقع “أكسيوس”.
وضمن السباق الأميركي لتوسيع قائمة المطبعين، التقى بلينكن في واشنطن بوزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021، لكنهما لم يذكرا “التطبيع” في تصريحاتهما العلنية.
وقال مسؤولون في إدارة بايدن لعدد من المسؤولين الإسرائيليين خلال مكالمة هاتفية في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2021 إن الولايات المتحدة تتواصل “في هدوء” مع الدول العربية والإسلامية المنفتحة على فكرة التطبيع مع إسرائيل، وفق “أكسيوس”.
ويرجع تاريخ الضغط الأميركي على السعودية للتطبيع مع إسرائيل إلى عام 2009، حين طلب الرئيس الأسبق باراك أوباما من الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز اتخاذ “خطوات تطبيع صغيرة”، كما طلب منه منح الدول العربية الأخرى الضوء الأخضر لفعل ذلك بدعوى تشجيع رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، بنيامين نتنياهو، على “إحراز تقدم في عملية السلام”.
لكن الملك السعودي أصر على أن المملكة أدت دورها بالفعل حين قدمت مبادرة السلام العربية عام 2002.
إدارة ترامب (2016-2021) أيضا بذلت جهودا كبيرة لإقناع السعوديين بتطبيع العلاقات مع إسرائيل منذ عام 2017.
وزعم العديد من مسؤولي إدارة ترامب أنهم كانوا قادرين على إتمام الاتفاق مع السعودية في غضون عام واحد لو فاز ترامب بولاية ثانية، كما أن صهر ترامب، جاريد كوشنر، حث سوليفان على أن يضغط على السعوديين من أجل إتمام الاتفاق.
وأظهر ابن سلمان انفتاحه على هذه الخطوة، لكن والده الملك سلمان بن عبد العزيز أصر على أن يحافظ على سياسة المملكة التقليدية تجاه القضية الفلسطينية.
رغم ذلك، دعمت السعودية قرار الإمارات توقيع “معاهدة سلام” مع إسرائيل، ومنحت البحرين الضوء الأخضر للانضمام إلى “اتفاقيات أبراهام”، لدرجة أنها سهلت توقيع الاتفاقيات بفتح مجالها الجوي أمام الرحلات الجوية بين إسرائيل والبحرين.
إسرائيل بدل أميركا
ولأن الولايات المتحدة اعتادت تقديم “جزرة” لكل طرف عربي يقدم على مثل هذه الخطوة، يرى محللون وخبراء أن “الجزرة” التي يعرضها بايدن على ابن سلمان هي تجاوز ملف حقوق الإنسان وقضية خاشقجي، والتعامل معه باعتباره “حليفا” لا “منبوذا” كما قال عنه بايدن قبل انتخابه للرئاسة.
المحلل الفلسطيني صالح النعامي كتب على تويتر معتبرا أن حرص بايدن على التطبيع بين السعودية وإسرائيل يأتي “استعدادا للانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط، ومن منطلق أن تحالفا إقليميا بقيادة إسرائيل سيعمل على حماية مصالح أميركا في غيابها عن المنطقة”.
المذيع المصري بقناة “الجزيرة” القطرية، أحمد منصور اعتبر بدوره أن أحد أسباب ركض الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل هو ترتيبات أميركا للخروج من المنطقة، والضغط على الحكومات العربية لبناء تحالف تقوده إسرائيل لرعاية مصالحها وتنفيذ مخططاتها، ما يعني أن “العرب سينتقلون من وصاية أميركا لوصاية إسرائيل”.
علاقات متوترة
ما يعيق ضغط إدارة بايدن على السعودية للتطبيع، هو استمرار العلاقات المتوترة بين إدارة بايدن وولي العهد السعودي الذي يدير المملكة فعليا، في ظل غياب والده والذي تتحدث التكهنات عن شيخوخته ومرضه.
في نفس يوم تكشف أنباء صفقة التطبيع مقابل تحسين العلاقات بين أميركا وابن سلمان، أفاد مركز “الدراسات الإستراتيجية والدولية” الأميركي (CSIS) بأن “الحكومة السعودية ليست راضية عن سياسة واشنطن تجاهها رغم ما قدمته”.
وأشار المركز في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021 إلى أن “السعودية تشعر أن فريق بايدن لم يقدم سوى القليل مقابل ما قدموه كشركاء له، لإنهاء الحرب في اليمن، وفتح حوار مع إيران لتقليل التوترات، وإطلاق معتقلات سعوديات”.
وأوضح أن “السعوديين عبروا عن استغرابهم من عدم تقدير أميركا أو اهتمامها بما فعلوه من خطوات غير مسبوقة (لإرضائها) وتحولات في المجتمع السعودي”، في إشارة لسياسية الانفتاح ونشر الترفيه.
وقال نائب رئيس المركز، جون ألترمان، إنه عقب تولي ابن سلمان ولاية العهد كان من الشائع سماع المسؤولين في واشنطن يقولون “علينا ضمان نجاح ابن سلمان”.
لكن بعد قتل خاشقجي، واعتقال المعارضين والحرب المدمرة في اليمن وسلسلة تصرفات متهورة أخرى من قبل ولي العهد، أصبح المطالبون بدعمه في واشنطن “نادرون”، وفق ألترمان.
ومع الشكوى السعودية من التجاهل الأميركي لولي العهد رغم ما قدمه ليرضي إدارة بايدن، خرج الأخير ليقول بوضوح إنه “لا يزال” يرفض لقاء ابن سلمان وربما رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي أيضا.
وخلال لقاء مع ناخبين في مدينة بالتيمور الأميركية نظمته شبكة “سي إن إن” التلفزيونية في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2021، حمل بايدن ضمنا الرياض مسؤولية ارتفاع سعر النفط للسعودية، وتوقع خفضه عام 2022.
وبدأ بايدن كأنه يطالب ابن سلمان -بشكل غير مباشر- بخفض سعر النفط (بزيادة الإنتاج) قائلا: إن ذلك “يتوقف على الإجراءات التي تتخذها السعودية”.
وأضاف: “هناك الكثير من الأشخاص في الشرق الأوسط يرغبون في التحدث معي، لكني لست متأكدا أنني سأتحدث معهم”، في إشارة -حسب مراقبين- لولي العهد السعودي، ورئيس النظام المصري.
على عكس بايدن، هدد ترامب ابن سلمان خلال مكالمة هاتفية جرت في 2 أبريل/نيسان 2020: “خفضوا إنتاج النفط أو نسحب جنودنا من أراضيكم”، وفق وكالة “رويترز”.
وقال ترامب لولي العهد السعودي في المكالمة: “إذا لم تبدأ أوبك خفض إنتاج النفط (بتدخل سعودي)، فلن يتدخل (بايدن) لمنع مجلس الشيوخ من سن تشريع بسحب القوات الأميركية من المملكة”.
لكن يظل ارتفاع أسعار النفط “ورقة ضغط” في يد ابن سلمان تجاه بايدن، قد يستخدمها ضمن صفقة التطبيع مقابل تحسين العلاقات معه، وفق مراقبين.