رغم أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، هو الحاكم الفعلي للمملكة، إلا أنه فيما يبدو، ليس كذلك بالنسبة للرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن.

قبل أيام، أعلنت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي أن الرئيس بايدن “سيتواصل من خلال الملك (السعودي) سلمان بن عبدالعزيز، وليس من خلال ولي العهد محمد بن سلمان”.

وحسب ساكي، فإن “هذا القرار يأتي في سياق إعادة ضبط العلاقات الأميركية مع السعودية”، مضيفة أن “أميركا ستساعد السعودية في تلبية احتياجات الدفاع عن النفس وتعبر عن الاختلافات عند الضرورة”، حد قولها.

 

صفعة استباقية

الاستثناء الذي طال ابن سلمان، كان مثيرا للاهتمام، بما يدعو للتساؤل عن الرسالة التي أراد البيت الأبيض إيصالها، خصوصا أن استثناء أشخاص بعينهم في الحديث عن التنسيق والتواصل بين البلدين سلوك غير شائع في الأعراف الدولية والدبلوماسية.

مراقبون فسروا موقف بايدن من ابن سلمان بأنه صفعة استباقية، وإهانة عابرة للحدود وجهتها الإدارة الجديدة لولي العهد، وهو ما ذهب إليه المسؤول السابق في قسم الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأميركية والباحث المعروف في مؤسسة كارينغي للسلام الدولي أرون ميللر.

ميللر قال إن هذه الخطوة “شكلت صفعة لمحمد بن سلمان الذي تعتبره الإدارة الأميركية الحالية متهورا وعديم الرحمة”، بحسب تصريح نقلته وكالة بلومبيرغ الأميركية.

المتحدثة باسم البيت الأبيض، في صدد حديثها، استدركت وقالت إن “واشنطن ستساعد السعودية في تلبية احتياجات الدفاع عن النفس”، ما يشير إلى أن إدارة بايدن ليس لديها مشكلة مع المملكة، وأن إشكالها أخذ بُعدا شخصيا مع ابن سلمان، الذي لا يحظى بسمعة طيبة لدى الأوساط والدوائر الرسمية الأميركية.

 

تضييق الخناق

تصريح ساكي تزامن مع تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، في 18 فبراير/شباط 2021، قالت فيه إن “إدارة بايدن ستنشر خلال الأيام المقبلة، تقريرا استخباراتيا بشأن دور ولي العهد في مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي”، موضحة أن “التقرير عبارة عن مخلص غير سري لنتائج استخباراتية بشأن مقتل خاشقجي”، بحسب مصادر مطلعة للصحيفة.

وذكرت الصحيفة أن إدارة بايدن طلبت من محكمة في نيويورك تمديد مهلة رفع السرية عن وثائق مقتل خاشقجي، وذلك للكشف عن جميع السجلات المتعلقة بالجريمة بالإضافة إلى تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بشأن الحادثة، مشيرة إلى أن نشر التقرير قد يجعل الأجواء مشحونة بشكل أكبر بين إدارة بايدن والرياض.

وفق متابعين، فإن إدارة بايدن تضيق الخناق على ابن سلمان، وتجعله في مواجهة جرائمه أمام العالم، ما يجعله عرضة للملاحقة القانونية المحتملة من قبل أطراف دولية.

في 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، أي عقب الإعلان عن فوز بايدن، كانت محكمة فيدرالية في نيويورك قد طالبت وكالة المخابرات المركزية ومكتب مدير المخابرات الوطنية بتفسير تصرفهما بحجب تسجيل صوتي لخاشقجي.

التسجيل يوثق اللحظات الأخيرة من حياة جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، وكلفت المحكمة في ذات الوقت الحكومة الأميركية بالإقرار بحجب تقرير وكالة المخابرات المركزية بشأن مقتل خاشقجي وشرح سبب الحجب.

القاضي أمهل الحكومة الأميركية أسبوعين لنشر إعلان يحدد السجلات التي حجبت والأساس القانوني الذي سوغ الحجب بموجب قانون حرية المعلومات، وهو الأمر الذي لقي ترحيبا من قبل الأوساط الحقوقية في أميركا.

وعلق المحامي أمريت سينغ، عقب إصدار القرار بأن الحكم يعد انتصارا مهما في مواجهة ما قامت به إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب مما سماه “التستر الشائن” على قتلة جمال خاشقجي، وأن قرار المحكمة خطوة مهمة نحو إنهاء الإفلات من العقاب في هذه الجريمة.

وإزاء تلك المطالب القضائية، تعهدت المديرة الجديدة للاستخبارات الوطنية الأميركية أفريل هينز أمام الكونغرس بأن تلتزم بالقانون تماما وتكشف للمشرعين عن تقييم دوائر الاستخبارات بشأن من كان وراء مقتل خاشقجي.

وحسب صحيفة Kurier النمساوية فإن “سمعة بن سلمان تضررت كثيرا بسبب مقتل خاشقجي، وأن ذلك الأمر دفع إدارة بايدن لاتخاذ نهج جديد في التعامل مع السعودية، والضغط على الرياض لإحراز تقدم في مجال حقوق الإنسان، من بينها إطلاق سراح ناشطات وناشطين معتقلين.

 

تحييد أم تهميش؟

ورغم وجود مؤشرات تفيد بأن إدارة بايدن قد قررت التعامل مع بن سلمان بشكل مختلف عما درج عليه سلفه ترامب، لكن من المبكر جدا، وفق خبراء، القطع بنية بايدن تحييد محمد بن سلمان بشكل قطعي، أو العمل على تنحيته من منصبه كولي للعهد والدفع بآخرين لتولي المنصب.

الخبراء أكدوا أنه لم يتوفر بعد الإطار الزمني الكافي لمعرفة مدى التزام بايدن المنتخب حديثا، بالوعود التي قطعها والقرارات التي اتخذها، وما إذا كان سوف يفي بها، أم سيخضع لمتغيرات وحسابات قادمة في سياق العلاقة بين واشنطن والرياض.

من ناحية أخرى، فإن البيت الأبيض علل قرار تجاهل إدارة بايدن لـ”ابن سلمان” بما يُفهم أنه التزام بالبروتوكول والعودة بالأمر إلى سياقه الطبيعي، وهو ما يفهم من قول ساكي: “الحوار يفترض أن يتم بين النظراء، ونظير الرئيس بايدن هو الملك السعودي وليس محمد بن سلمان، والاتصال مع الملك سيحدث في الوقت المناسب”.

علاوة على ذلك، فإنه من المرجح أن يكون التواصل مع محمد بن سلمان عبر قنوات أخرى، وهو ما أشارت إليه المتحدثة باسم البيت الأبيض بقولها: “واشنطن ستدفع بوزير الدفاع ونائب رئيس الوزراء لويد أوستن للتعامل مع ولي العهد محمد بن سلمان، وذلك من أجل التواصل عبر قنوات أكثر تنظيما وروتينية”.

المؤكد وفق مراقبين، أن إدارة بايدن تنوي وضع بن سلمان في منزلة أقل مما كان عليه خلال حقبة ترامب، حيث كان يتعامل معه كما لو كان صانع القرار الأول في السعودية وهي منزلة ستقلل من حجم بن سلمان.

صحيفة الغارديان قالت إن إدارة بايدن “ترغب بتهميش ولي العهد، وأنها ستحجم من التواصل مع ابن سلمان، في سلوك مغاير لإدارة ترامب التي منحت ولي العهد الشاب الاهتمام وكالت له المدائح”، بحسب الصحيفة.

خبراء قالوا إن علاقة ابن سلمان بصهر ترامب، جاريد كوشنر، قد أدت دورا في تحديد طبيعة علاقة ترامب بولي العهد، وأخذت بعدا شخصيا ألقى بظلاله على الاتهامات التي تم توجيهها للأخير، وأدت دورا في التستر عليها، وهو ما قد يفهم من تصريح “ساكي” عن “العودة بالأمور إلى سياقها الطبيعي”.

 

بديل فعّال

إزاء تلك الضغوط يتساءل كثيرون عن مستقبل محمد بن سلمان والتهديدات التي تطال منصبه كولي للعهد، وما إذا كان قادرا مستقبلا على تبوأ منصب الملك بسلاسة خلفا لوالده الثمانيني الملك سلمان بن عبدالعزيز.

وفي ظل هذا الجو المشحون يظل مركز بن سلمان كولي للعهد على المحك، خصوصا أن خبراء رأوا أن الأمير محمد بن نايف المعتقل في سجون بن سلمان، هو البديل الأنسب لولي العهد الحالي.

في 12 فبراير/شباط 2021، دعا تقرير لمعهد بروكينغز الأميركي، إدارة الرئيس بايدن إلى الضغط على الرياض لإطلاق سراح الأمير محمد بن نايف، عقب الإفراج عن الناشطة السعودية لجين الهذلول.

وقال التقرير: “ابن نايف لم يحتجز لجريمة ارتكبها، وإنما لأنه يمثل مشكلة لولي العهد محمد بن سلمان، ولأنه المرشح الرئيسي لقيادة المملكة العربية السعودية بعيدا عن مسارها الحالي المحفوف بالمخاطر”.

مضيفا أن: “ابن نايف رمز بديل وفعّال لولي العهد محمد بن سلمان المتهور والخطير” بحسب وصف التقرير.

وفق التقرير، فإن ابن نايف شريك مسؤول، وهو الشريك الأقرب لوكالة المخابرات المركزية، وحسب المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية ليون بانيتا فإن ابن نايف “الأذكى والأكثر إنجازا بين جيله. وهو مسؤول تجسس واسع الحيلة”.

بانيتا قال إن ابن نايف أنقذ حياة العشرات إن لم يكن المئات من الأميركيين وهزم تنظيم “القاعدة” في مسقط رأسها، وساهم بشكل كبير في الأمن الأميركي، ومثل المفتاح لهزيمة التهديد الذي شكله التنظيم على آل سعود بين عامي 2003 و2006.

يضيف التقرير “بالإضافة إلى كونه شخصا مسؤولا، فإن ابن نايف شخص يحوز قدرا كبيرا من الثقة والاحترام، ويحظى بسمعة دولية جيدة، كما أنه يعد بطلا في بلده، وذلك لموافقته على مقابلة اليمني عبدالله عسيري، أحد قادة تنظيم القاعدة، وكاد يفقد حياته نتيجة ذلك اللقاء”.