منذ عام 2014، ما زال اليمن يعيش حالة حرب مستمرة، وتواصل الأطراف المحلية والإقليمية عملياتها العسكرية فيها، في ظل عدم حصول أي تقدم في مسار المفاوضات التي ترعاه الأمم المتحدة.

ورغم قيام العديد من الهدن بين الحوثيين وتحالف دعم الشرعية التي تقوده السعودية بمشاركة الإمارات في اليمن فإن فصول المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني ما زالت متواصلة.

ويبدو أن ضغطاً دولياً جديداً يجري في الآونة الأخيرة ضد المملكة لإنهاء ملف الأزمة اليمنية عبر حظر تصدير السلاح إليها، خصوصاً مع الاتهامات التي توجه إليها بما يتصل بانتهاك حقوق الإنسان باليمن.

ويستهدف التحالف أهدافاً تابعة لمليشيا الحوثي المدعومة من إيران، إلا أن القصف يصيب أهدافاً مدنية، الأمر الذي يسبب سقوط ضحايا وانتهاكات لحقوق الإنسان في البلد الذي خرج في ثورة عام 2011 ضد الاستبداد، إلا أن النزاعات الإقليمية والتدخل الدولي تسبب في دوامة من العنف لم تنتهِ إلى اليوم.

وتعد السعودية من أكثر دول العالم استيراداً للسلاح، حيث تعتمد بشكل رئيسي على الأسلحة الأمريكية بنسب تصل إلى 70%، وعلى الأسلحة البريطانية بنسبة 13%، وفق تصريحات للنائبة في البرلمان الأوروبي، كاثرينا كونشنا، في يونيو 2020.

 

التورط باستهداف المدنيين

خلال السنوات الأخيرة، نشطت منظمات حقوقية وفرق تابعة للأمم المتحدة في اليمن للوقوف على حقيقة استهداف المدنيين من قبل جميع الأطراف، الأمر الذي أثبت تورط التحالف والحوثيين في ذلك.

التقارير المتعددة في هذا الإطار دفعت عدة دول لحظر تصدير السلاح للمملكة التي تقود العمليات بشكل رئيسي في اليمن خلال السنتين الأخيرتين.

منظمة “غرين بيس” اتهمت السعودية مجدداً بانتهاك حقوق القانون الدولي الإنساني في الحرب باليمن، مستندة في اتهاماتها إلى نتائج دراسة أجرتها مؤسسة “هيسن لأبحاث السلام والصراع” التابعة لمعهد لايبنيتس في ألمانيا، ونشرت نتائجها في 19 يوليو 2020.

وأعدت الدراسة قائمة ضمت حالات تصدير سلاح إلى جهات تمثل إشكالية في 30 عاماً ماضية.

ووفقاً للدراسة فإن السعودية كانت في طليعة الدول التي انتهكت القانون الدولي الإنساني في الحرب بالوكالة في اليمن، وكتب معدو الدراسة أن “الأسلحة الحربية ومعدات التسليح الأخرى التي تستخدم في هذه الحرب واردة من ألمانيا أيضاً”.

الانتهاكات سجلت من قبل وزارة الدفاع البريطانية أيضاً، (رغم أنها تصدر السلاح للسعودية)، موثقة أن نحو 535 غارة شنتها السعودية في اليمن تمثل انتهاكاً محتملاً للقانون الدولي حتى 4 يوليو 2020، وفق ما ذكرت صحيفة “الغارديان”.

هذا الرقم جاء على لسان وزير الدفاع جيمس هيبي، بعد سؤال مكتوب من أحد نواب حزب العمال الذي طلب فيه حصر عدد الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني التي نفذها “تحالف دعم الشرعية في اليمن” منذ عام 2015.

وأوضح في الرد المكتوب أنه من بين 535 حالة سجلت 19 حالة “بشكل مكرر”، أي إن بعض الحوادث سجلت في أكثر من مناسبة على الأرجح؛ بسبب الطبيعة غير المتكاملة لنظام الرصد، ليبقى عدد الحالات المعروفة 516 على الأقل.

ورغم ذلك أعادت الحكومة البريطانية منح تراخيص بيع السلاح للسعودية، ما جعلها عرضة لانتقادات واسعة من قبل منظمات ومؤسسات مجتمع مدني.

 

حملات حظر السلاح

المنظمات الحقوقية أدرجت أسماء الدول التي تصدر السلاح للسعودية والإمارات في أغلب بياناتها وتقاريرها، ومارست ضغوطاً مستمرة عليها لوقف تصدير السلاح الذي قد يدفع لإنهاء حرب اليمن.

ولطالما نفى تحالف دعم الشرعية بقيادة الرياض من جانبه تلك الاتهامات، مؤكداً أنه يضرب جماعة الحوثي ولا يستهدف المدنيين، وإن حصل فهي حالات فردية.

وقام العديد من الدول بالفعل بحظر تصدير السلاح للسعودية بشكل جزئي أو كلي أو مؤقت، بحجة انتهاك حقوق الإنسان باليمن، بالإضافة إلى جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول على يد قوات أمنية، في أكتوبر 2018.

وفي يوليو 2020، طالب البرلمان الأوروبي دول الاتحاد بتشديد الرقابة على صادرات الأسلحة للإمارات والسعودية؛ بسبب ما وصفه بالانتهاكات الصارخة التي سجلت في حرب اليمن.

وقال البرلمان: إن “الاتحاد الأوروبي هو مصدر للأسلحة إلى كل من السعودية والإمارات، في حين أنه وفقاً لفريق الخبراء البارزين الإقليميين والدوليين التابع للأمم المتحدة فإن أطراف النزاع المسلح في اليمن قد ارتكبت ولا تزال ترتكب جرائم تنتهك القانون الدولي”.

وحث البرلمان الأوروبي جميع الدول الأعضاء في الاتحاد على الامتناع عن بيع الأسلحة وأي معدات عسكرية إلى السعودية والإمارات، وأي عضو في التحالف الدولي، وكذلك الحكومة اليمنية وأطراف النزاع الأخرى.

كما رحب تقرير البرلمان بقرار حكومة بلجيكا والدنمارك وفنلندا وألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا باعتماد قيود على صادرات أسلحتهم إلى الدول الأعضاء في التحالف الذي تقوده السعودية.

وفي سياق متصل مع التوجه الأوروبي قضت المحكمة الإدارية في بلجيكا، في 7 أغسطس 2020، بوقف ترخيص بيع شركة محلية السلاح إلى السعودية؛ وذلك تحت وطأة ضغوط من منظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان.

وبناءً على القرار القضائي أُلغي الاتفاق المبرم بين الحرسين الوطني والملكي السعوديين مع شركتي السلاح “FN Herstal” و”CMI Defense” البلجيكيتين.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية تجري ضغوط من قبل المشرعين في الكونغرس الأمريكي من قبل الحزبين الديمقراطي والجمهوري لوقف تصدير السلاح إلى السعودية لذات الأسباب، وسط استمرار إدارة الرئيس دونالد ترامب بصفقات بيع السلاح للرياض.

وفي تطور جديد ضمن هذا المسار تقدم مشرعون عن الحزبين الديمقراطي والجمهوري بتشريع يمنع بيع طائرات مسيرة مصنعة في الولايات المتحدة لدول لا تعد حليفاً وثيقاً لواشنطن، بينها السعودية.

وترأس مشروع القرار الجديد، يوم 7 أغسطس 2020، الجمهوريان مايك لي وراند بول، والديمقراطيان كريس ميرفي وكريس كونس، وكذلك العضو المستقل بيرني ساندرز.

ويأمل مقدمو المشروع بتعديل قانون مراقبة تصدير الأسلحة لمنع تصدير ونقل أو الاتجار بالعديد من الطائرات المسيرة المتقدمة، باستثناء أعضاء حلف شمال الأطلسي وأستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية واليابان ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

لكن أغلب التشريعات المماثلة التي تحظى بتأييد الأعضاء في الحزبين لا تمر في الكونغرس؛ بسبب استخدام الرئيس ترامب لحق النقض “الفيتو”، الأمر الذي يعرقل حظر تصدير السلاح الأمريكي للسعودية.

وأُقرت الإجراءات بتأييد أعضاء من الحزبين، لكنها لم تحصل على دعم كافٍ من الجمهوريين لتجاوز استخدام الرئيس دونالد ترامب لحق النقض (الفيتو).