“خير البلاد في رجالها”، حكمة قديمة تناقلها العرب كناية عن عدم أهمية الأموال الطائلة والأسلحة المتطورة دون رجال تقود تلك المعدات في الدفاع عن أراضيهم، وهو ما ينطبق على السعودية؛ التي تتساقط الصواريخ على مدنها ومنشآتها رغم امتلاكها المليارات وأفضل منظومات الدفاعات الجوية.
ولجأت السعودية إلى أثينا لنشر صواريخ باتريوت المضادة للطائرات التابعة للقوات اليونانية في المملكة؛ لتأمين أجوائها من الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون على منشآتها الحيوية، بعد فشل الدفاعات الجوية الأمريكية في ذلك.
وبدأت اليونان بالفعل بإرسال بعض صواريخ “باتريوت” إلى السعودية، ضمن برنامج مشترك مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وفقاً لـ”فرانس برس”، دون الإفصاح عن القيمة المالية لهذه الصفقة.
وصرح المتحدث باسم الحكومة اليونانية، ستيليوس بيتساس، بأن أثينا ستنشر هذه الصواريخ في السعودية “لحماية البنى التحية الحيوية في مجال الطاقة”، لافتاً النظر إلى أن هذه الخطوة التي ستتحمل المملكة تكاليفها ستسهم في ضمان أمن الطاقة، وتؤكد تمسك أثينا باستقرار المنطقة وتوطيد علاقاتها مع الرياض.
ولم تعجب الخطوة السعودية أحزاباً عدة في اليونان، إذ عارضت قيام حكومة البلاد بنشر صواريخ باتريوت في السعودية.
خدمات عسكرية
وجاء التقارب السعودي اليوناني من خلال الاستعانة بدفاعاتها الجوية في وقت تعيش فيه أنقرة وأثينا توترات سياسية؛ بسبب عدد من الملفات أبرزها مذكرة تفاهم بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً لترسيم الحدود البحرية وتقسيم مناطق النفوذ والمصالح في البحر المتوسط بينهما.
ويبدو أن خطوة السعودية بالتقارب مع اليونان جاءت نكاية بتركيا؛ التي سببت للرياض الكثير من المتاعب بعد اغتيال جمال خاشقجي، وعملت على تصعيدها قضيته إلى مختلف المحافل الدولية.
الخبير العسكري واللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي يرجع الخطوة السعودية واستعانتها بباتريوت يوناني إلى حرصها على تنوع الأسلحة الدفاعية الجوية المختلفة لحماية أجوائها من تساقط صواريخ الحوثيين.
ويربط الشرقاوي في حديثه لـ”الخليج أونلاين” التوجه السعودي الجديد لليونان للحصول على خدمات عسكرية منها بحالة التقارب القوية التي تشهدها أثينا مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، خاصة حول آبار الغاز شرقي البحر الأبيض المتوسط.
ولا يستبعد الشرقاوي أن تكون “إسرائيل” هي من وجهت وطلبت من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الاستعانة باليونان وشراء أسلحة دفاعية جوية منها بهدف إنعاش اقتصادها المتدهور أصلاً من سنوات طويلة.
ويذهب الخبير العسكري في تحليله إلى أبعد من ذلك حول الخطوة السعودية؛ وهو محاولة الرياض استفزاز السلطات التركية من خلال إبرام عقود أسلحة معها، خاصة في ظل حالة التوتر التي تشهدها أنقرة وأثينا حول الغاز شرق المتوسط.
إنفاق السعودية على الأسلحة
وأنفقت الرياض، وما زالت تنفق، عشرات أو ربما مئات مليارات الدولارات على شراء الأسلحة الدفاعية والردعية لتنقذ نفسها من الهجمات الصاروخية التي تطولها منذ عام 2015، إبان دخولها في حرب اليمن، بمشاركة الإمارات، ضد مليشيا جماعة الحوثي المدعومة من إيران.
وكان فشل تلك الدفاعات بارزاً في الهجمات التي حصلت في منتصف سبتمبر 2019 ضد منشآت أرامكو النفطية، شرقي المملكة، من قبل إيران التي سارعت إلى نفي ذلك في ظل تبني جماعة الحوثي للعملية، إلا أن واشنطن نشرت دلائل على ضلوع طهران في استهداف المنشآت.
وأظهر قصف المنشآت بـ10 طائرات مسيّرة عجز السعودية عن وقف الخطر القادم من مليشيا وليس دولة، رغم صفقات الأسلحة التي أبرمتها وحصلت عليها بمليارات الدولارات.
وفي ظل ذلك عرض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الحماية للسعودية من الهجمات، مع سخرية بدت واضحة من قبل نظيره الإيراني حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، حيث دخلا في نوبة ضحك استهزاءً بالمملكة وعدم قدرتها على حماية نفسها، وتلقيها العروض الخارجية.
وقال بوتين، على هامش قمة مع نظيريه؛ التركي رجب طيب أردوغان، والإيراني حسن روحاني، في أنقرة بيناير الماضي: “نحن مستعدون لتقديم المساعدة إلى السعودية لحمايتها بلاداً وشعباً”.
وأضاف: “سيكون كافياً أن تتخذ القيادة السعودية قراراً حكومياً حكيماً، كما فعل قادة إيران بشراء منظومة إس-300، والرئيس أردوغان بشرائه منظومة إس-400 للدفاع الجوي من روسيا، حينها سيكون بإمكانهم حماية أي منشأة في السعودية”، ثم ضحك الرئيس الإيراني ساخراً.
وفي يونيو 2019، قالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية إن هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيَّرة كشفت نقاط ضعف في الدفاعات الجوية لدى السعودية التي تعتمد نظام باتريوت الأمريكي، وتعد ثالث أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق العسكري.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول سعودي رفض الكشف عن اسمه قوله: إن “الأحداث الأخيرة أظهرت أن البلاد مكشوفة من حيث نظام الدفاع الصاروخي”.
وفي الأشهر الأخيرة كثف الحوثيون من إطلاق صواريخ عبر الحدود مع السعودية، وشنّوا هجمات بواسطة طائرات مسيرة مستهدفين قواعد عسكرية جوية ومطارات سعودية ومنشآت أخرى، مؤكدين أن ذلك يأتي رداً على غارات التحالف في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة باليمن.
وفي سبتمبر الماضي، أشارت دراسة لمركز خدمة أبحاث الكونغرس إلى أنه منذ زيارة ترامب للرياض، في مايو 2017، تم الاتفاق على كثير من صفقات بيع الأسلحة التي طلب على أثرها البيت الأبيض من الكونغرس الموافقة على عدد منها، وأهمها: “سبع بطاريات دفاع جوي من طراز ثاد قيمتها 13.5 مليار دولار، 104 قذائف يتم إسقاطها من الجو من نوع GBU-10 قيمتها الإجمالية 4.46 مليارات دولار، دعم متكرر وتقوية لبطاريات منظومة الدفاع الجوي من طراز باتريوت قيمتها 6.65 مليارات دولار”.
وتشمل الصفقات أيضاً، وفق الدراسة، “23 طائرة نقل عسكري من طراز C-130J، إضافة لبرامج صيانة ودعم، وثماني طائرات من طراز F-15 تبلغ قيمتها 6.36 مليارات دولار”.
كما دفعت المملكة نحو 500 مليون دولار للبدء بتغطية تكاليف القوات الأمريكية العاملة في مختلف أنحاء السعودية.
وتُغطي الأموال المدفوعة من جانب السعودية التكاليف الإجمالية لنشر القوات، إضافة إلى الطائرات المقاتلة وبطاريات صواريخ باتريوت الدفاعية لحماية المنشآت النفطية السعودية من هجمات الصواريخ والطائرات الإيرانية.