سلط موقع “المونيتور” الأميركي الضوء على التوقعات المتفائلة بشأن التعاون الاقتصادي بين السعودية وإيران، بعد اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية الذي وقعه الطرفان، بوساطة صينية، في 10 مارس/آذار 2023.

وذكر الموقع ما قاله وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، من أنه “متفائل” بشأن الإمكانات الاقتصادية بين البلدين، وأن تطبيع العلاقات سوف يتجاوزهما، ليعالج المخاوف التي أعرب عنها المجتمع الدولي بشأن طهران.

وقال الفالح إن الشركات السعودية يمكن أن تساعد أيضا السوق الإيرانية في “تعويض” فترات الإغلاق والعقوبات.

وأضاف الوزير السعودي: من مصلحتنا من جميع الجهات أن نرى إيران والسعودية (الخصمان في المنطقة منذ فترة طويلة في صراعات بالوكالة)  يتفقان على تطبيع العلاقات.

ووفق المونيتور، فإن “إيران ترغب في أن يصل التبادل التجاري مع السعودية لمليار دولار على أساس سنوي في المدى القصير، وملياري دولار على المدى المتوسط، وهو هدف طموح بالنظر إلى العقوبات الأميركية”.

وقال الخبراء الذين تحدثوا للموقع إن لهجة الفالح كانت أكثر تفاؤلا مما قد يحمله الواقع من انفراجة، إذا ما أخذنا في الحسبان المشكلة التي يتجاهلها البعض في هذا السياق، وهي العقوبات والتوترات الشديدة في العلاقات مع واشنطن.

وأوضح الموقع أنه “مع التقارب، تحاول القوتان الإقليميتان الاستفادة من تضاؤل النفوذ الأميركي في المنطقة وتعزيز العلاقات مع بكين”.

 

إظهار حسن النوايا

بدورها، ترى سانام فاكيل مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد “تشاتام هاوس” البريطاني، أن تصريحات الوزير السعودي “تتعلق بشكل العلاقات أكثر من كونها متعلقة بالوصول لنتائج حقيقية”.

وأوضحت أن “الرياض تبدي جزرة الاستثمار لإيران وهي تعلم جيدا أن العقوبات ستحول دون أي مساع جادة”.

وتابعت: “ولأن الرياض تفترض أن طهران ستخرق شروط الاتفاق الموقع بينهما، فهي تتطلع إلى إظهار حسن نواياها للصين ولغيرها من الدول، بينما تأمل في أن تبني تلك الحوافز الاقتصادية بمرور الوقت أساسا أكثر صلابة للعلاقات”.

لكن الباحث في معهد الشرق الأوسط، جايسون برودسكي، يعتقد أن “السعوديين ليس لديهم أي شك في أن السلوك الخبيث للجمهورية الإسلامية هو مصدر عدم الاستقرار في المنطقة”، وفق وصفه.

وأضاف أن “الوزير السعودي يتحدث بخطاب عالي السقف ومتفائل، لكنه ألمح إلى أن إيران يجب أن تعالج بشكل هادف سلوكها الهدام”.

وأردف برودسكي أن “التنازلات، خاصة فيما يتعلق بالصواريخ والطائرات المسيرة والحرس الثوري، ليست على قائمة المحادثات مع القيادة الإيرانية الحالية، فلا تزال العقوبات الأميركية سارية، والمملكة تدرك جيدا هذه الديناميكية”.

ووفق المونيتور، فإن الرياض تركز على تنفيذ رؤية 2030 وتحاول تهدئة التوترات قدر الإمكان.

وأشار إلى أن “التهديد بشن هجوم عبر الحدود على السعودية من قبل إيران أو أحد وكلائها في اليمن أو لبنان، لن يؤدي إلا إلى عرقلة المشاريع التي تبلغ تكلفتها ملايين الدولارات، والتي تساعد المملكة على تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط”.

وأكد الموقع أن “الحوافز التجارية للسعودية ستكون ضخمة، إذا أثبتت للمجتمع الدولي أنها وجهة آمنة للاستثمار الأجنبي المباشر طويل الأجل”.

“ولهذا السبب أتى انفتاح الرياض على طهران، لكن مهمتها ستكون صعبة بالنظر إلى العقلية الثورية للجمهورية الإسلامية”، حسب برودسكي.

بدوره، قال الزميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، هنري روم، إن “العقوبات الأميركية تشكل على المدى القريب عائقا كبيرا أمام نمو العلاقات الاقتصادية بين السعودية وإيران، وكذلك البيئة التجارية الفقيرة في إيران، التي أعاقتها عقود من العقوبات”.

واستدرك روم قائلا: “ومع ذلك، قد تكون السعودية ودول الخليج العربي الأخرى بمرور الوقت، أكثر استعدادا لاختبار حدود الولايات المتحدة، كما فعلت الإمارات مع صادرات النفط الإيرانية، خاصة إذا بدا أنها تشتري بذلك هدوء إيران”.

 

تمويل الإرهاب

ومن جانبها، أثارت الباحثة في مؤسسة “أتلانتيك كاونسل” الأميركية، كيمبرلي دونوفان، تساؤلات حول ما قد يعنيه الاتفاق السعودي-الإيراني لجهود الشرق الأوسط في مكافحة غسل الأموال ومكافحة تمويل الإرهاب.

وقالت دونوفان لـ”المونيتور” إنه “على مدى السنوات العشرين الماضية، استثمرت الولايات المتحدة بكثافة في السعودية، لمساعدتها على بناء قدراتها في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لمواجهة الجماعات الإرهابية المدعومة من إيران، مثل حزب الله اللبناني”، وفق تعبيرها.

وأفادت بأن “ذوبان الجليد في العلاقات بين إيران والسعودية، يجعل نوايا المملكة فيما يتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، موضع تساؤل”.

وأشارت دونوفان إلى أن إيران لا تزال على القائمة السوداء لـ”مجموعة العمل المالي” حتى الآن.

و”مجموعة العمل المالي” هي منظمة حكومية دولية مقرها في العاصمة الفرنسية باريس، تعمل على سن المعايير الدولية لمكافحة غسل الأموال، وتمويل الإرهاب، وانتشار التسلح، كما تقيّم مدى التزام الدول بتلك المعايير.

وتساءلت دونوفان: “إذن، إلى جانب العقوبات الأميركية ضد إيران، والتي تأتي مع عقوبات أخرى ثانوية، هل السعودية مستعدة للمخاطرة بسمعتها وأمن قطاعها المالي من أجل السماح لإيران بالوصول إلى نظامها المالي، لتسهيل المعاملات بين الدول؟”.

ويرى “المونيتور” أنه “من المرجح أن يزيد الاتفاق السعودي-الإيراني من فرص الاستثمار الاقتصادي الصيني في المنطقة، الأمر الذي قد يزعج واشنطن”.

وفي هذا السياق، يعتقد المحاضر في “مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية” في لندن، علي علوي، أن “الاتفاق -الذي تفاوض الطرفان بشأنه على مدار عامين- يمكن أن يضمن التدفق الحر للطاقة في الخليج الفارسي وأن يجلب فرصا تجارية أخرى”.

وأضاف علوي أن “السعودية تنوع علاقاتها، وتحدد مصالحها بما يتجاوز علاقاتها مع البيت الأبيض”، مؤكدا أن طهران أيضا تسعى لتوسيع علاقاتها خارج نافذة موسكو.

وأردف أن “المنطقة ستستفيد من مثل هذه الانفراجة، لا سيما العراق وسوريا اللتان تتعافيان من الحرب، وتعانيان من عدم الاستقرار”.

ويرى علوي أنه “إذا نجحت هذه الانفراجة، فقد يصل الشرق الأوسط إلى استغلال كامل إمكاناته، في أن يكون مركزا للأعمال والتنمية في فترة ما بعد حرب أوكرانيا”.

وتابع أنه “بينما تتجه الولايات المتحدة نحو انتخابات أخرى (رئاسيات 2024)، فمن المرجح أن تظل إدارة الرئيس، جو بايدن، مترددة بشأن تخفيض العقوبات بشكل كبير على إيران، بالرغم من المحادثات التي تتوسط فيها عُمَان للتوصل إلى اتفاق محدود”.

وكان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، قد أعاد فرض تلك العقوبات، وسيرشح نفسه لولاية ثانية في البيت الأبيض في عام 2024.

وشدد المونيتور على أن “هذه العقوبات ستؤثر بشكل كبير على أي عمل تجاري بين الرياض وطهران”.

وقال علوي إنه “مع ذلك، فإن الآثار السياسية والنفسية للتقارب السعودي-الإيراني، تخفف من أثر العقوبات الأميركية على طهران، ويمكن للقطاع الخاص على الجانبين أن يلعب دورا في التخفيف من حدتها”.