رغم أن السعودية لديها موارد مالية ضخمة تمكنها من بناء شبكات إعلامية قوية من قنوات تليفزيونية وجرائد ومنصات رقمية أخرى، بل حتى شراء أقلام الصحفيين، لكن أزمات مثل مقتل الصحفي “جمال خاشقجي” و”حرب اليمن” و”صفقة القرن”، كشفت جميعها -وباعتراف مؤيدي ولي العهد “محمد بن سلمان” قبل معارضيه- عن فشل ذريع للإعلام السعودي.
وربما كان ولي العهد “محمد بن سلمان” يدرك ضعف منظومة الإعلام السعودي وعدم فاعليته؛ لذا سعي إلى تكوين إمبراطورية إعلامية دولية لتغيير صورة المملكة في الغرب ومواجهة منافسيها، عبر تكوين تحالفات وشراكات مع كيانات إعلامية غربية، لكن مهمته زادت تعقيدا بعد مقتل “خاشقجي” قبل عامين.
وبعد إعلان الحكومة إنشاء “منتدى الإعلام السعودي”، وإصدار النسخة العربية من صحيفة “إندبندنت” البريطانية، والتجهيز لإطلاق قناة ناطقة بالعربية باتفاقية مع المؤسسة السعودية للأبحاث والنشر ووكالة “بلومبرج”، وإطلاق مدينة الإعلام السعودية، يبدو أن “بن سلمان” مُصر على استئناف جهوده لتشكيل إمبراطورية إعلامية يمكن أن تكون بمثابة رأس الحربة للقوة الناعمة التي افتقدها خلال أزماته السابقة.
المدينة الإعلامية السعودية
في الأسبوع الماضي، قال وزير الثقافة السعودي إن المملكة وقعت اتفاقا مع صندوق على صلة بمجموعة “علي بابا” الصينية لتأسيس مقر جديد للصندوق في “المدينة الإعلامية” بالعاصمة الرياض.
وأضاف الوزير الأمير “بدر بن فرحان”، الذي يشغل أيضا منصب رئيس المدينة الإعلامية، عبر “تويتر”: “تعد هذه خطوة أولى مهمة لتعزيز شراكاتنا وجذب المبدعين من جميع أنحاء العالم”.
وتبذل السعودية، أكبر بلد مصدر للنفط في العالم، جهودا لجذب شركات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل وأمازون بهدف تنويع موارد اقتصادها المعتمد على النفط.
وقال الوزير إنه اتفق كذلك على إنشاء مقر جديد لمجموعة “إم.بي.سي” الإعلامية بالمدينة الإعلامية إضافة إلى مركز جديد لقناتي “العربية” و”الحدث” المملوكتين للمجموعة.
وأورد التلفزيون السعودي أن المدينة الإعلامية ستقام في منطقة السفارات بالرياض.
وتسعي المدينة الإعلامية السعودية إلى منافسة مدينة دبي للإعلام في الإمارات، وهي المدينة الإعلامية الرائدة في المنطقة ويوجد بها حاليا مقر مجموعة “إم.بي.سي”.
من جانبهم، اعتبر عدد من السعوديين، على “تويتر”، أن إقامة مقرات لقنوات “العربية” و”الحدث” و”إم بي سي” في الرياض بدلا من دبي بمثابة خبر سار للجميع، ويلغي احتكار لقوة الإعلام.
قوة ناعمة أم مبادرة مشبوهة؟
وفى وقت سابق، قالت المعارضة السعودية “مضاوي الرشيد” إن ولي العهد السعودي يحتاج خلال رحلته لترسيخ نفوذه داخل المملكة، إلى القوة الناعمة بقدر ما يحتاج إلى القمع، ورجحت أنه ربما يكون الدافع وراء هذه المبادرات الإعلامية المشبوهة لـ”بن سلمان” هي الفشل التام للإعلام السعودي في احتواء ومكافحة الدعاية السيئة التي تلت مقتل “خاشقجي”.
وحسب “الرشيد”، فشلت وسائل الإعلام المحلية السعودية والقنوات الفضائية العربية بالكامل في تحويل الرأي العام لصالح النظام؛ حيث كان واضحا منذ البداية أن الرياض نظمت عملية قتل “خاشقجي” الشنيعة داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.
وأضافت أن الأكاذيب والبيانات الرسمية لم تحقق نجاحا يذكر في إقناع الجمهور العالمي المثقف ببراءة النظام، حتى عندما كانت “الجيوش الإلكترونية” تقوم بتعميم هذه الأكاذيب عبر الإنترنت في مواقع التواصل الاجتماعي.
ولم يقتصر الفشل المدوي للإعلام السعودي على قضية “خاشقجي”؛ حيث لا تزال الحرب في اليمن، التي دخلت عامها الخامس، مغامرة شائكة، واكتسبت انتقادات وإدانات دولية.
وطغت صور الأطفال الجائعين والدمار التام واستهداف المدنيين في اليمن على دعاية النظام لعمليات الإغاثة السعودية، في الوقت الذي تجاهلت فيه وسائل الإعلام السعودية الصواريخ والقذائف التي ضلت طريقها وتسببت في مقتل مئات المدنيين وحتى الأطباء والمرضى.
ولا يعد الإعلام السعودي قوة ناعمة فعالة، ولا مصدرا موثوقا للأخبار والتحليلات. وغالبا ما ينتهي الأمر الأمر بجميع الحكومات التي تعتقد أنه من الممكن استخدام وسائل الإعلام كذراع للسياسة الخارجية بخيبة الأمل، كما هو الحال اليوم؛ حيث أصبحت وسائل الإعلام الاجتماعية المصدر الرئيسي للمعلومات للجماهير العربية والعالمية، وعندما تحاول الحكومات السيطرة على هذا الشكل الجديد من الإعلام، فإنها تتعرض للفضح والدعاية السلبية.
وكان الأكاديمي الإماراتي “عبد الخالق عبدالله”، المقرب من أصحاب القرار في البلاد، أول المعترفين بفشل الإعلام الخليجي حيث قال: “أقولها بكل صدق وبكل صراحة وبكل أسف الإعلام الخليجي والعربي والعالمي المساند للموقف السعودي خسر في معركة اختفاء خاشقجي”، مؤكدا أن هذا الإعلام “لم يكن بمستوى الحدث”.
وفي السياق ذاته، أقر أمير سعودي من العائلة الحاكمة، بتفوق الإعلام الإقليمي وخاصة إعلام دول الجوار العربي على نظيره السعودي خلال أزمة قتل “خاشقجي”.
وغرد الأمير “خالد بن عبد الله آل سعود”، عبر حسابه على “تويتر”: “نعم غلبناهم في تويتر، لكن الحق يجب أن يقال، وهو أن الإعلام التابع لقطر متفوق علينا بمراحل، فهم يعملون على إمبراطوريتهم الإعلامية منذ عام 1996”.