تشهد حضرموت، الغنية بالنفط وأكبر محافظة في اليمن، 4 طبقات من التنافس بين قوى محلية ولإقليمية، ما ينذر بإشعال مواجهات مسلحة ربما تعيق مساعي سكان المحافظة نحو حكم ذاتي وقد تهدد حدود السعودية.
ذلك ما خلصت إليه الباحثة إليونورا أرديماجني، في تقرير بـ”معهد الشرق الأوسط بواشنطن” (MEI) ، مضيفة أنه “منذ عام 2015، تم تقسيم حضرموت (جنوب شرق) بشكل غير رسمي بين مركزين متميزين للسلطة لهما ولاءات عسكرية مختلفة ودعم خارجي”.
وتابعت أن “ميزان القوى في المحافظة لم يعد ثابتا، فالمواقف تتغير تدريجيا، ما قد يخاطر بإشعال اشتباكات عسكرية وإعاقة سعي سكان المحافظة إلى الحصول على حكم ذاتي”.
كما أن ذلك “قد يؤدي إلى تهديد حدودي جديد للسعودية المجاورة (…) وتعمل التغييرات في الديناميكيات العسكرية والسياسية والاقتصادية في حضرموت على إعادة تشكيل شبكات القوة في المحافظة وخارجها، مع تداعيات على الأجندات المتضاربة للسعوديين والإماراتيين والحوثيين”، بحسب إليونورا.
ومنذ 26 مارس/ آذار 2015 تقود السعودية، جارة اليمن، تحالفا عسكريا عربيا يدعم القوات الموالية للحكومة اليمنية الشرعية، في مواجهة قوات جماعة الحوثي، المدعومة من إيران، والمسيطرة على محافظات ومدن بينها العاصمة صنعاء (شمال) منذ سبتمبر/ أيلول 2014.
طبقات التنافس
ويمكن، كما أضافت إليونورا، تحديد 4 طبقات من التنافس في النزاع الحالي على حضرموت، أولا، “بين حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي الجنوبي، فالأول يصور المحافظة كجزء من دولة اليمن الموحدة والفيدرالية المستقبلية، بينما يعتبرها المجلس (الانفصالي( العمود الفقري لدولة جنوبية افتراضية لم يعلن عنها بعد”.
وأردفت: “ثانيا، أعاد التنافس إشعال الشقاق التاريخي بين الشمال والجنوب، حيث غالبا ما يوصم الانفصاليون القوات والجماعات العسكرية في وادي حضرموت بأنهم شماليون، أو حتى متحالفين مع الحوثيين، مما يغذي مشاعر الشك وانعدام الثقة القديمة”.
و”ثالثا، تدعم السعودية والإمارات القوى المتعارضة في حضرموت، أي الجماعات المرتبطة بحزب الإصلاح مقابل الانفصاليين”، بحسب إليونورا.
أما الطبقة الرابعة من التنافس، كما تابعت الباحثة، فهي أن “السيطرة على وادي حضرموت تتعلق أيضا بالسيطرة على الشبكات الاقتصادية، سواء الأصول، وبشكل أساسي حقول النفط، أو طرق التهريب”.
وأوضحت أنه “منذ بدء الصراع في 2015، زاد هذا الجزء من المحافظة من أهميته الاستراتيجية، وبالنسبة للحكومة المعترف بها، تعتبر منطقة الوادي وسيئون بوابة عسكرية واقتصادية من وإلى (محافظة) مأرب (وسط)، والتي تمثل الممر المؤدي إلى السعودية”.
وهذا، بحسب إليونورا، ما “يفسر سبب تركيز السعوديين على معبر الوادية الحدودي، حيث لعب سوق العبر المجاور دورا مهما بسبب الحرب. كما يستفيد الحوثيون من طرق التهريب التي تربط، عبر وادي حضرموت، محافظة المهرة الشرقية، مع الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال غربي البلاد”.
الرياض وأبوظبي
و”بشكل غير مباشر، تميل الانقسامات داخل حضرموت لصالح الحوثيين، مما يزيد من انقسام المعسكر المناهض لهم”، كما أردفت إليونورا.
وأوضحت أن “المؤسسات المعترف بها تحتاج إلى حضرموت مستقرة لحماية معقل مأرب المجاور. وتعتبر موارد الطاقة وعائداتها حاسمة أيضا في إعادة بناء قدرة الدولة المركزية، على الرغم من أن 20٪ من عائدات تصدير النفط الحضرمي لا تزال في أيدي محلية بسبب صفقة تعو لعام 2017”.
وزادت بأن العديد من أعضاء مجلس القيادة الرئاسي في اليمن، برئاسة رشاد العليمي، هم في الوقت نفسه أعضاء في المجلس الانتقالي الجنوبي (الانفصالي)، مما “قد يؤدي إلى زيادة إضعاف احتمالات وقف إطلاق النار في اليمن”.
وبالنسبة للسعودية، فقالت إليونورا إن “عدم الاستقرار في حضرموت هو قضية أمن قومي للمملكة، فهذه هي حدودها الجنوبية الشرقية، ويتعين على الرياض أيضا التعامل مع وجود الحوثيين ونزاعهم على طول الحدود اليمنية الشمالية الغربية”.
وقالت إنه “منذ 2023، شرع السعوديون في لعب دور استباقي في اليمن، بهدف السيطرة على المناطق والممرات الاستراتيجية بدعم من تشكيلات عسكرية جديدة، مثل جبهة الإنقاذ الوطني، وبالتالي استبدال اعتمادهم جزئيا على الإصلاح، ولذلك عاد السعوديون إلى الاستثمار في الرعاية المالية والعسكرية في اليمن بعد سنوات من تقليص النفقات وفشل مشاركتهم العسكرية المباشرة”.
أما بالنسبة للإمارات، “فلا يزال المشهد الاستراتيجي مواتيا، حيث عزز حلفاؤها اليمنيون مواقعهم على طول الساحل الحضرمي وحول البنية التحتية الرئيسية، ويبقى السؤال هو ما إذا كان الانفصاليون الجنوبيون المدعومون من أبوظبي سيحاولون التقدم نحو حقول النفط أم سيكتفون بالسيطرة على الساحل”، بحسب إليونورا.
ورأت أن “الإجابة ستعتمد إلى حد كبير على المدى الذي يقبل به الحضرميون الانجرار إلى المنافسة السعودية الإماراتية في اليمن، مما يضعف احتمالات الحكم الذاتي في حضرموت”.