ليس خافياً أن إعلان الإمارات التوصل إلى اتفاقية تطبيع للعلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي كان قد حظي بضوء أخضر من القيادة السعودية وولي العهد محمد بن سلمان شخصياً، ومع ذلك فقد انتهجت الرياض خيار التملص من تأييد الاتفاق أو رفضه.
ولكنها أرسلت جملة من الإشارات التي لا تدعم الاتفاق بقوة فقط، بل توحي بأن المملكة سوف تسلك درب التطبيع ذاته في الوقت المناسب.
ولقد بدأ الأمر من سلسلة تغريدات ومقالات كتبها عدد من الإعلاميين والكتّاب المقربين من ولي العهد، أطلقت وسم «فلسطين ليست قضيتي» وأعادت إحياء مقولات تطبيعية عتيقة من نوع بيع الفلسطينيين أراضيهم والفرار منها سنة 1948، أو تضييع فرص السلام المتعاقبة، أو التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وما إلى ذلك من اتهامات كانت في الأصل صناعة صهيونية وإسرائيلية.
ثم تطوّر الأمر في خطوة واضحة وحاسمة هي منح البحرين الإذن بتوقيع اتفاق تطبيع مع دولة الاحتلال، كان من المحال أن يتجاسر ملك البحرين على مجرد التفكير فيه بمعزل عن رغبة الرياض.
وهنا أيضاً تولت وسائل الإعلام السعودية، ورهط كتّاب ولي العهد أنفسهم، الترويج للاتفاق البحريني ـ الإسرائيلي ولكن بمنأى عن موقف صريح لمسؤول سعودي رسمي.
ويبدو أن هذه الإشارات لم تكن كافية أو أنها لم تنل الرضا لدى البيت الأبيض ومجموعات الضغط التي تعمل لصالح دولة الاحتلال في الولايات المتحدة.
وتوجب بالتالي أن تصل رسالة أخرى غير رسمية دائماً ولكنها في الآن ذاته على مستوى أرفع من داخل بيت آل سعود. كما توجب ألا تنطوي على تأييد الاتفاقيتين الإماراتية والبحرينية فحسب، بل أن تشن أيضاً هجوماً كاسحاً على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
ومن هو الأجدر بهذه المهمة سوى بندر بن سلطان، أو «بندر بوش» كما يحلو للصحافة الأمريكية تسميته نظراً لما واظب عليه من تقديم آيات الطاعة للرئيسين جورج بوش الأب والابن خلال 22 سنة من عمله سفيراً للمملكة في واشنطن؟
ومَن أفضل من عزيز قوم ذل، جرَّده ولي العهد من مناصبه الرفيعة كافة وتركه منعزلاً في العراء، ويمكن بالتالي أن يذهب بعيداً في هجاء الفلسطينيين ابتداء من الحاج أمين الحسيني مروراً بياسر عرفات وليس انتهاء بأي قيادي فلسطيني راهن على «الطرف الخسران»؟
أو يمكن أن يذم محامي قضية فلسطين العادلة، ويمدح محامي قضية إسرائيلية غير عادلة؟
القيادات الفلسطينية، مثل سواها في تاريخ حركات التحرر، ليست كاملة الأوصاف ولا من جنس الملائكة، ولهذا فقد ارتكبت من الأخطاء ما يدركه الفلسطينيون أنفسهم قبل أشقائهم العرب أو أصدقاء قضيتهم في العالم بأسره.
غير أن بندر بن سلطان يصعب تماماً أن يتنطح لأداء دور الناقد النزيه لأداء تلك القيادات، هو الذي يحفل سجله السياسي والدبلوماسي والأمني بسقطات وخطايا لا عد لها ولا حصر.
ليس تجاه القضية الفلسطينية وحدها بل كذلك في عشرات الملفات، من مساندة الإرهاب العالمي وحتى الركوع عند قدمي ولي العهد بعد التبرع بطعن أبناء العمومة في الظهر.
وليس غريباً أن يبحث لنفسه عن منصب، حتى لو اقتصر على عزف أبواق التمهيد للنسخة السعودية من التطبيع.