أسالت الصين التي تمثل الدولة الشمولية وتشن حربا لا هوادة فيها على المسلمين في إقليم تركستان الشرقية الذي تطلقت عليه اسم إقليم تشينجيانغ، لعاب النظام السعودي بإغرائه بفوائد طريق الحرير ومميزاته الاقتصادية وعوائده عليها، حتى حققت مأربها بإعلان إطلاق الطريق، الذي راح الأويغور ضحيته.

فبعد 48 ساعة من إنهاء وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، زيارته للمملكة العربية السعودية وتأكيده أن بلاده لا تنوي الخروج من الشرق الأوسط مع تزايد النفوذ الروسي والصيني، أعلن وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح، إطلاق “طريق حرير” عصري جديد بين ‏الصين والعرب.‏

و”طريق الحرير” عبارة عن طريق بري وبحري بطول 12 ألف كيلومتر، يهدف إلى ربط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا بروابط تجارية وثقافية ودينية وفلسفية، ويتم من خلاله تبادل السلع والمنتجات كالحرير والعطور والبخور والتوابل وغيرها، بالإضافة إلى تبادل الثقافات والعلوم.

وإقليم شينجيانغ يقع غرب الصين، ويقطنه عشرة ملايين من المسلمين الأويغور الذين يعيشون تحت وطأة نظام ديكتاتوري يرتكب بحقهم أبشع الجرائم، ولطالما اتهمت جماعات حقوقية وحكومات غربية بكين بـ”انتهاك حقوق الأقلية العرقية ذات الأغلبية المسلمة بإجراءات مثل العمل القسري في معسكرات اعتقال، وسبي النساء.

وقال الفالح في كلمته، بمناسبة افتتاح النسخة العاشرة لمؤتمر الأعمال العربي الصيني، في العاصمة السعودية الرياض في 11 يونيو/حزيران 2023، إن “طريق الحرير الجديد سيكون محركه رؤية المملكة للتعاون والتشارك، ووقوده انطلاقه الشباب والابتكارات لتحقيق مصالحنا ومصالح شركائنا في كل أنحاء العالم”.

وأضاف الفالح، أن ما تحتاجه المملكة في مرحلتها التنموية استثمارات صينية ذات قيمة مضافة عالية وليس فقط الحصول على الموارد الطبيعية ذات القيمة العالمية من ناحية التصنيع والخدمات اللوجستية، بل وربط المنطقة ببعضها وبمحيطها في أفريقيا وأوروبا وفي آسيا التي تقودها الصين اليوم”.

وأوضح أنّ المملكة “ليست فقط مع تعزيز العلاقات العربية مع الصين الصديقة، وتوسيع ما حقّقته من نجاحات في أروقة السياسة والدبلوماسية، بل ستشمل ساحات الاقتصاد والاستثمار والتنمية الشاملة”، مؤكدا أن منتجات الصين أصبحت مساهمة كبيرة في دول العالم العربي والسعودية في مقدمتها.

وكما هي العادة، غاب عن وزير الاستثمار السعودي، الحديث عن مآل العلاقات السعودية الصينية وانعكاساتها على سياسة بكين المناهضة للمسلمين الأويغور، الذين يتعرضون للاضطهاد العرقي والديني ويعيش معظمهم في منطقة شينجيانغ ذات الحكم الذاتي في شمال غرب الصين.

وتعقيبا على توسع العلاقات الصينية السعودية وإعلان إطلاق مشروع حرير، وصف الباحث في العلوم السياسية والعلاقات العربية الصينية، محمد أمين الأويغوري، ما حدث بأنه “خذلان لمسلمي الأويغور وتضيع لقضيتهم وبيعها دون مقابل، وتنازل وتفريط في حقوقهم مقابل مصالح افتراضية اقتصادية مع الصين”.

واستنكر في حديثه مع صوت الناس، التغافل والتغاضي عما يتعرض له الأويغور وما ترتكبه الصين بحقهم من جرائم ضد الإنسانية والتي عرفت بـ”الإبادة الجماعية”، معربا عن استيائه من تنظم قمم دبلوماسية بين الدول العربية والصين مثل التي عقدت في الرياض عام 2022، ومؤخرا لإعلان إطلاق مشروع طريق الحرير.

وأكد أمين، أن الصين لم تكن تجرؤ على ارتكاب جرائمها بحق الأويغور إلا بعدما ضمنت وقوف الجانب العربي معها في المحافل الدولية وحمايتهم لها، مستدلا على ذلك بما قاله ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، عند زيارته للصين عام 2018: “نؤيد الصين في سياساتها الداخلية ونحترمها بمبدأ عدم التدخل في شؤونها الداخلية”.

ورأى أن بن سلمان ضاعف من تأجيج وتسعير الحرب على الإسلام والمسلمين في إقليم تركستان الشرقية، عقب القمة العربية الصينية 2022، مؤكدا أن السعودية قدمت تنازلت عدة للصين وجاملتها في ملف الأويغور، باعتقالها للحجاج وتهديدها بالترحيل القسري لبعض المقيمين لديها، وتضيقها عليهم في معيشتهم وعقد القمم وإبرام الصفقات التجارية مع بكين.

وأوضح الباحث في العلوم السياسية والعلاقات العربية الصينية، أن عودة العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية والصين التي وصفها “بالكارثية” بدأ رسميا بعد حرب الولايات المتحدة الاميركية على أفغانستان والعراق، وتبلورت ملامحها بتنازل الدول العربية وبينها المملكة السعودية عن قضية – تركستان الشرقية-.

وأشار إلى أن ذلك التنازل بدأ بتأسيس منتدى التعاون الصيني العربي عام 2004؛ ثم شاهدنا تطوره البارز منذ بداية العقد الماضي بشكل غير عادي، وتصاعد تطور العلاقات العربية الصينية بعد وصول رئيس الصين الحالي شي جين بينغ إلى كرسي السلطة ورئاسة الحزب الشيوعي الصيني الوحيد في الصين.

ولفت أمين إلى أن الصين بدأت بإقناع الأنظمة العربية بأن مسلمي الأويغور انفصاليين ومتطرفين مصابين بفكرة الربيع العربي، ولابد أن يقف الطرفان معا –الدول العربية والصين- لكبح جماحهم، واستمرت العلاقات مرحليا على هذا الأساس حتى أبرمت وثيقة الصين والعرب التي تشتمل 11 بندا في يناير/كانون الثاني 2016.

وذّكر بأن على رأس البنود كان مكافحة التطرف الديني الذي تقصد الصين به مسلمي الأويغور، وبعده تأتي بنود أخرى كتبادل الثقافات والاستثمارات والمبادرات الاقتصادية وغيرها التي تتسم بتبادل الخبرات واصطياد المعارضين منهم في هذه المناطق.

وتجدر الإشارة إلى أن السعودية وقّعت مع الصين اتفاقيات استثمار بقيمة 50 مليار دولار أميركي، في 8 ديسمبر/كانون الأول 2022، خلال القمة الصينية السعودية، التي عقدت في الرياض، وذلك تزامناً مع الزيارة التي أجراها الرئيس الصيني للسعودية، لحضور أول قمة صينية عربية.

وتعد الصفقات المنعقدة مع الصين بمثابة دعم ومساندة لديكتاتورية مناهضة للإسلام والمسلمين وبمثابة منح بكين ضوء أخضر لمواصلة قمع الأويغور وذبحهم وتنكيلها بهم، وممارسة كافة أنواع التعذيب التي تمارس بحقهم، كما يساهم في ذلك أيضا دورها كوسيط في إعادة العلاقات بين السعودية وإيران في مارس/أذار 2023.

وتحت عنوان “كيف يساعد المستبدون في الشرق الأوسط الصين في القمع العابر للحدود للأويغـور”، فضحت منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (داون)، دور الحكام المستبدين (السعودية والإمارات ومصر) في شتات الأويغور المتزايد وتعرضهم لخطر القمع الصيني المتنامي.

وقال الزميل في معهد كيسنجر التابع لمركز ويلسون لشؤون الصين والولايات المتحدة برادلي جاردين، في تقريره المنشور بداون، إن القمع الصيني للأويغور مستمر منذ عقدين من الزمن، إلا أن حجمه وشدته زادت بشكل كبير في عام 2017 مع بداية حملة الصين للاعتقال الجماعي داخل شينجيانغ.

وأشار إلى أنه وفقًا لبحث أجرته جمعية أوكسوس لشؤون آسيا الوسطى، تم احتجاز أو تسليم حوالي 1,327 شخصا من الأويغور من 20 دولة منذ بدء حملة “إعادة التعليم”، كما تم تجريم العلاقات الشخصية مع العالم الإسلامي فعليًا، حيث أدرجت أجهزة الأمن 26 دولة ذات أغلبية مسلمة في القائمة السوداء.

وأوضح جاردين أن حملة القمع العابرة للحدود ضد الأويغور امتدت إلى منطقة الشرق الأوسط من خلال الأنظمة الاستبدادية التي تقترب بشكل متزايد من بكين، لافتا إلى أن العام الماضي، طُلب من أربعة إيغور، بمن فيهم أطفال مقيمون في السعودية، الاستعداد للترحيل إلى الصين، حيث من المحتمل أن يتم احتجازهم في معسكرات الاحتجاز للعمل القسري.

كما وقعت الرياض رسالة مشتركة للأمم المتحدة، في 2019، تدعم القمع الجماعي الصيني في شينجيانغ مما ساهم في إفلات بكين بفعلتها بحق الأويغور رغم كافة الانتهاكات الموثقة ضدها، وكانت ردا على رسالة وجهتها 22 دولة غالبيتها غربية تهاجم فيها سياسة بكين في منطقة شينجيانغ.

وتضمنت الرسالة التي وجهتها السعودية مع 36 دولة أخرى إلى الأمم المتحدة، تهنئة للصين بما وصفوه إنجازاتها اللافتة على صعيد حقوق الإنسان، زاعمين أن الصين اتخذت سلسلة إجراءات لمكافحة ما أسموه “الإرهاب والتطرف” في شينجيانغ، وخصوصا عبر إنشاء مراكز تعليم وتدريب مهنية.

وشهد عام 2019 أيضا تعاونا اقتصاديا واسعا بين الصين وثلاث دول عربية كبرى، بينها المملكة السعودية التي وقعت 12 اتفاقية تجارية مع الصين، بقيمة 28 مليار دولار، وبلغ نصيب شركة أرامكو وحدها عشرة مليارات دولار.

وفي 2020 وبعد تزايد التقارير الغربية التي تثبت تصاعد انتهاكات الصين بحق الأويغور، قال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان: إن “الدول العربية تدعم الصين ووحدة أراضيها، ومبدأ الصين الواحدة” في تصريحات صادمة مثلت تجاهلا لحقوق المسلمين وما يعانوه في الصين.

وانتقد الكاتب البريطاني آدم ليبور في مقال له بصحيفة التايمز البريطانية، صمت العالم الإسلامي على محنة الأويغور ووصفه بأنه أمر مروع، متسائلا: عن سبب دعم العديد من الحكومات العربية والإسلامية الصين وهي تدمر الأويغور؟!.

وتحسر على حال الأويغور، بالقول إن هذا المجتمع المسلم صاحب التاريخ والثقافة الخصبة الذي يُستأصل من خلال الاعتقال الجماعي والترحيل والتعقيم القسري وتدمير المساجد القديمة والمواقع الثقافية، مشيرا إلى أنهم يتعرضون لإبادة جماعية عالية التقنية في العالم.

وقال الكاتب البريطاني: “بدلا من الدفاع عن إخوانهم في الدين خانتهم معظم الحكومات العربية والإسلامية”، مضيفا أن جزءا كبيرا من العالم النامي قد اشترته القروض والاستثمارات الصينية وأن وراء هذا المال صدى أعمق.