شكّلت وفاة الأديب والحقوقي السعودي عبد الله الحامد، المعتقل منذ سبع سنوات، ضجة واسعة في مواقع التواصل الاجتماعي، ليعيد ناشطون بعضا من أبرز أفكار ومطالب الرجل الذي توفي على مشارف السبعين من عمره.
عبد الله الحامد “أبو بلال”، هو أكاديمي وأديب وشاعر من قرية القصيعة بمدينة بريدة في منطقة القصيم، بدأ نضاله السلمي مطلع تسعينيات القرن الماضي، واعتقل سبع مرات نتيجة لمطالب عدّة وجّهها إلى السلطات بشتى الوسائل (رسائل، بيانات، محاضرات، تغريدات).
الحامد الذي حصل على شهادة الدكتوراه في الأدب والنقد، من الكلية العربية بجامعة الأزهر عام 1978، هو أكبر أشقائه (11)، ومن بينهم شقيقاه المعتقلان، المحامي عيسى، والأستاذ الجامعي بالاقتصاد الإسلامي (عبد الرحمن)، والذين لم تسمح لهم السلطات بالخروج للمشاركة في تشييع جثمان أخيهم الأكبر.
ملكية دستورية
بمطالعة أبزر مؤلفات الراحل الحامد، ومحاضراته، تنضوي جل مطالبه تحت مشروع شامل هو “الملكية الدستورية”، والذي نادى به الحامد ومثقفون آخرون منذ نحو ثلاثة عقود.
ويقول الحامد إن القضاء على الفساد، وتمكين الشعب سياسيا، لا يمكن أن يتم دون الانتقال من الملكية بشكلها الحالي، إلى الملكية الدستورية وحكم الشورى الذي يتيح للشعب اختيار مجلس الوزراء عبر صناديق الاقتراع وهو ما يمكنهم من محاكمة المخطئ والفاسد منهم، على خلاف ما هو معمول به الآن، حيث يختار الملك جميع الوزراء.
ويرى الحامد أنه لا يمكن أن توجد أمة قوية دون “قيم مدنية”، وأكد مرارا أن الملك عبد الله بن عبد العزيز لا يمانع أن تكون الملكية “شوريّة”، إلا أن متنفذين في محيطه يحاربون ذلك من أجل بقاء الفساد.
وفي إحدى جلسات المحاكمة التي تم تسريبها عام 2012، قال الحامد إنه “لا يمكن ضبط حقوق الانسان إلا بوجود ملكية دستورية، واكتفاء الأسرة الحاكمة بالعرش، وما عداه لحكومة يحاسبها البرلمان”.
الحامد الذي لاقت أطروحاته تأييدا واسعا من كافة التيارات السياسية في السعودية، لم ينكر أن هذا المشروع سيصطدم بالموروث الثقافي لدى غالبية المجتمع السعودي.
وقال في إحدى محاضراته: “في هذا البلد لا تزال ثقافتنا صحراوية، ولا يزال الإيمان بالسيف علاجا للأمور أمرا قائما”.
نهج إصلاحي
يرى الراحل عبد الله الحامد، أن النهج السائد لدى علماء الشريعة والفقه في السعودية، يفتقر للإصلاح المطلوب، ويغفل عن الحقوق المدنية والسياسية، مقابل الاهتمام بالجوانب الفردية وغيرها.
ويقول في كتابه “كي لا يكون القرآن حمّال أوجه”، إن “الأمة ستكون أتقى وأقوى، لو أن الناس جاهدوا بأموالهم (جهادا مدنيا) بإنشاء المؤسسات الأهلية (المستقلة) كالصحف والقنوات الفضائية، ومراكز الأبحاث والتقنية والإعلام، والقوة المعرفية عشر ما ينفقون على تكرار نوافل الحج والعمرة”.
وتساءل في الكتاب ذاته: “ألا تكون الأمة أقوى وأتقى لو أن الفقهاء ومثقفي الدين كتبوا في فرائض الدين السياسية، كالشورى وحقوق الإنسان، وحقوق المتهم واستقلال القضاء، والمساواة والحرية ونحوها؛ عشر ما كتبوا في السواك وقص الأظافر”.
الحامد الذي دعا في مؤلفاته إلى ثورة فكرية، وثورة في تجديد تطبيق أبواب الفقه الإسلامي، قال في كتاب “حقوق الإنسان بين نور الإسلام و غبش الملك العضوض”، إنه “لا يجوز السكوت عن المنكرات السياسية، لأنه من الكبائر والمعاصي الكبرى، التي تفضي إلى هدم الدولة والملة، حتى لو عرض الناس أنفسهم للاضطهاد والاستشهاد”.
وأكد الحامد أن “موضوع العنف والتطرف لا يمكن أن يحل، إلا بالسماح للناس بالتعبير بأسلوب سلمي”.
ودعا الحامد مرارا السعوديين الذين ذهبوا للقتال في سوريا، والعراق، إلى العودة والنضال السلمي.
وقال إنه في حال حُكم على أعضاء حسم بالسجن، فإن ذلك دليل على أن أسباب العنف هي المحاكم، والفتاوى (الفتاوى التي اعتبرت مطالبهم تأليبا على ولاة الأمر).
دفع الثمن
قال الراحل عبد الله الحامد في تصريحات سابقة، إنه يدرك أن عليه دفع الثمن للمشروع الذي ينادي به.
وأوضح في عبارة شهيرة أن “السجن انتصار للمشروع، ومن السجن تشعل الشموع”، وقال أيضا خلال خروجه من إحدى جلسات المحاكمة: “هذه محاكم تفتيش، يجب أن ندفع الثمن، وليكن ما يكون، فالنهر يحفر مجراه”.
وأصرّ الحامد مرارا على وجوب أن تكون جلسات محاكمة جمعية “حسم”، علنية وليست سرية، مؤكدا أنه يفضل السجن التعسفي على أن تكون الجلسة سريّة.
ونشر الناشط عبدالقدوس الهاشمي، أحد من حضروا جلسات محاكمة “حسم”، تغريدة قال فيها إن القاضي في إحدى الجلسات وعندما هدد الحامد بالسجن، رد الأخير: “والله لو سجنتموني 15 شهرا أو 15 سنة، لما غيّر هذا شيئا في التزامي بالجهاد السلمي”.
وكانت السلطات وفي نوع من ممارسة الضغط على الحامد، نقلته إلى عنبر للمدخنين، وآخر مكتظ بالعمالة الآسيوية، علما بأن بقية السجناء السياسيين يوضعون في سجون للمباحث.
استقلال القضاء
دعا الحامد في محاضرات ومؤلفات عديدة إلى ضرورة استقلال القضاء، كخطوة أولى نحو تحقيق الهدف الأساسي (الملكية الدستورية).
واتهم الحامد وزير الداخلية السابق محمد بن نايف، بأنه المسؤول الأول عن التدخل بالقضاء، وهو من يقف خلف تعذيب المعتقلين، واصفا إياه بـ”الفاسق”.
وقال الحامد في إحدى محاضراته إن الهدف من أن تكون جلسات المحاكمة سريّة، هي تزييف وقائعها للرأي العام بشكل يدينهم، ويجعلهم في مواجهة مع العدالة.
وأضاف أن سر عدم استقلال القضاء هو مصطلح “ولي الأمر”، لأن “ولي الأمر ينبغي أن يكون هو الشعب، لأن الشعب هو ولي أمر الحاكم أيضا”.
وفي كتابه “معايير استقلال القضاء الدولية في بوتقة الشريعة الإسلامية”، قال الحامد إن “القضاء المستقل ضمان حقيقي لاستقرار الحكم وتثبيت أركانه، فبفعاليته يقاس مدى الاستقرار السياسي”.
وتوفي الحامد فجر الجمعة بعد تدهور حالته الصحية إثر مماطلة السلطات السعودية في علاجه بعد تعرضه لجلطة في القلب قبل أسبوعين.
وكان الحامد يمضي حكما بالسجن 11 سنة، برفقة عدد من رفاقه في جمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية “حسم”.