خاص: بين مهلل ومعدد للخسائر التي ستمنى بها المملكة؛ جاء الأمر الملكي بتعيين ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، رئيسًا للوزراء كسابقة لم تحدث في تاريخ المملكة منذ حكمها “آل سعود”، حيث كان الملك هو رئيس الوزراء أيضًا.

ولكن باستقراء الواقع السياسي في المملكة فإن ما يحدث لآن ليس بمستغرب؛ فولي العهد هو الحاكم الفعلي ويملك في يديه كافة اختصاصات الملك بعد عزل والده في “نيوم”، واختصاصات ولاية العهد، واختصاصات رئيس الوزراء بل وحتى الوزراء أنفسهم هم مجرد موظفين مهمتهم تنفيذ رؤية “ابن سلمان”، وما يريده!

أي أن الأمر لم يتغير سياسيًا في المملكة، وكل شيء كما كان، ولكن الذي يسترعي الانتباه من وراء ذلك الأمر الملكي هو القرارات التي سيتخذها “ابن سلمان” بصفته رئيسًا للوزراء.

 

– أول قرار لرئيس الوزراء:

كان أول قرار لـ”ابن سلمان” كرئيس للوزراء؛ هو إعلانه عن استراتيجية “سافي” للألعاب الإلكترونية! والتي سيتم فيها إنفاق ما يقارب الـ 37.8 مليار دولار كاستثمارات في شركات ألعاب الفيديو! كل ذلك بينما تمتد طوابير شباب المملكة لتغلق شوارع المدن بحثًا عن الوظائف أمام مكاتب العمل.

ونسبت وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”، إلى “ابن سلمان” قوله إن “طاقة الشباب السعوديين وهواة الألعاب الإلكترونية وإبداعهم هما المحرك للإستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية”!

وأوضح أن الإستراتيجية “تلبّي طموحات مجتمع الألعاب محليا وعالميا من خلال توفير فرص وظيفية وترفيهية جديدة ومميزة لهم بهدف جعل المملكة مركزا عالميا لقطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية بحلول 2030”.

وتندرج شركة “سافي” تحت طائلة الأعمال التي يديرها صندوق الاستثمارات العامة (PIF) في المملكة العربية السعودية، وقد انشئت لتطوير صناعة الألعاب والرياضات الإلكترونية في البلاد.

وذكر مراقبون للشأن السعودي أن توجهات ولي العهد الجديدة في علاقته بالاستثمار في الألعاب الإلكترونية، تهدف إلى “احتواء” أكبر عدد ممكن من فئات الشباب السعودي الذين أبدى كثيرون منهم رغبة في “التعبير عن آرائهم ومواقفهم بكل حرية”، وهو ما يعد من الممنوعات في عهد “ابن سلمان”، لذا فإنه يحاول إيجاد متنفس لهؤلاء الشباب يمكن من خلاله إفراج طاقاتهم في مجالات يمكن السيطرة عليها والسيطرة عليهم كذلك!

 

– “ابن سلمان” والفيديوجيمنج:

كشف موقع “دوت سبورتس” المختص في الألعاب الإلكترونية، مايو 2020، أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، أنفق لوقتها آنذاك أكثر من 6000 دولار على لعبة “دوتا 2” Dota 2 الإلكترونية للمشاركة في منافسة 2020 الدولية للعبة.

وأشار الموقع إلى أنه عندما يتحدث الناس عن مصطلح “الحيتان” في الألعاب الإلكترونية، فإنهم عادة ما يشيرون إلى اللاعبين الذين ينفقون مبلغًا مجنونًا من المال في لعبة واحدة، وهو ما ينطبق على محمد بن سلمان.

وأكد أنه مع هذا المستوى من الإنفاق والأوقات الطويلة التي يقضيها محمد بن سلمان عبر حسابه “Purrrrrfect Devil Angel Yukeo”، يأتي في مقدمة الذين ينفقون أموالهم على اللعبة بعيدا جدا عن صاحب المركز الثاني الذي أنفق صاحبه 1500 دولار فقط.

واعتبر الموقع أن هذا الإنفاق الجنوني ليس جديدًا على “ابن سلمان”، حيث إنه على مدار السنوات الثلاث الماضية أنفق مبلغًا إجماليًا قدره 69.494 دولارًا ويعتمد على Battle Pass وحدها، مع 42.100 دولار في عام 2018. لم يكن المساهم الأول فقط في كل من تلك السنوات ولكن أيضًا حقق رقمًا قياسيًا، وصل إلى مستوى 175.000 في عام 2017.

وذكر الموقع أن محمد بن سلمان يقضي أوقاتا طويلة في اللعب وكان نشطًا على Steam منذ 2011 ولعب أكثر من 10000 مباراة في Dota، بإجمالي 5.772 فوزًا و5.467 خسارة أي بمعدل فوز بلغ 51 بالمائة. وكشف أن ولي العهد السعودي قضى 9046 ساعة لعب في Dota، إلى جانب ما يقرب من 550 ساعة في Team Fortress 2.

 

ليس مجرد إشباع:

الأمر ليس فقط إشباع لحاجات طفولية عند “ابن سلمان”، بل من خلال تلك الشركات العالمية في الألعاب الإلكترونية يبدو أن “ابن سلمان” يأمل في أن تنجح مواءمته مع الصناعات الترفيهية في جميع أنحاء العالم إلى تخفيف القيود المالية للشركات التي تشعر بالقلق من الاستثمار في اقتصاد الدولة الغنية بالنفط بعد حادثة مقتل “خاشقجي”، والإبادة الجماعية في اليمن خلال الحرب المستمرة، والتي لا تزال تدعمها الولايات المتحدة.

هذه الصفقات لا تمر مرور الكرام حين يتعلق الأمر بالجماهير، على سبيل المثال، عندما ساهمت بطولة League of Legends الأوروبية في الترويج لنيوم، المدينة التقنية “الحمقاء” التي يصورها محمد بن سلمان على أنها واحة بقيمة 500 مليار دولار في الصحراء السعودية، أجبرت ردود الفعل العامة شركة Riot Games المنظمة على الاعتذار لمشجعيها والتراجع عن الصفقة.

قد يكون “ابن سلمان” يتطلع إلى تحسين صورة نظامه من خلال الدعاية عبر هذه الألعاب، أو ربما يأمل أن يكون الاستثمار نفسه كافيًا لجعل سمعته ودولته تبدو وكأنها حكومة في عصر النهضة وليس حكومة معروفة بهذا الكم من الانتهاكات ضد حقوق الإنسان.