خاص: لم يعد بإمكان المتجول في شوارع الرياض أو غيرها من المدن السعودية الكبرى أن يتطلع إلى المظاهر التي درج عليها زائرو المملكة في الزمن الماضي، بل قد يفاجأ بما لم تقع عليه عيناه من قبل من حالة من الانفتاح التي تثير دهشة الزائرين.
ذكرت وكالة “بلومبرغ” الأمريكية في تقرير لها أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، استبدل الحكم الديني الذي قامت عليه دولة “آل سعود” منذ نشأتها على يد الملك المؤسس، عبد العزيز آل سعود، بالاستبداد السياسي.
وأوضحت الوكالة في بداية تقريرها أنه إذا قام مقيم سابق في المملكة العربية السعودية بزيارتها اليوم، فقد يعتقد أنه في بلد مختلف.
وأشار التقرير إلى الخطوات المجتمعية التي قام بها ولي العهد السعودي لتغيير المجتمع السعودي، ومنها “ولت الأقسام التي كانت تفصل بين النساء والرجال في المطاعم وخطوط المطاعم في سلاسل مطاعم الوجبات السريعة، كما يمكن سماع الموسيقى، التي كانت محظورة في الأماكن العامة، في الشوارع، حيث تدوي من المطاعم والحفلات، وكذلك مكبرات الصوت في المساجد الآن تبث الأذان فقط وليس الشعائر كاملة، ما عدا يومي الجمعة والعيد”.
“ابن سلمان” وسلطة المؤسسة الدينية:
واعتبر كاتب التقرير أن كل هذه المظاهر المجتمعية تأتي في الوقت الذي يبتعد فيه الحاكم الفعلي للمملكة، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عن سلطة المؤسسة الدينية التي طالما سيطرت على كل جانب من جوانب الحياة الاجتماعية والقانونية في مسقط رأس الإسلام.
وأرجع التقرير السبب وراء ذلك الابتعاد؛ إلى تعارض العقيدة الوهابية الزاهدة التي دعمت حكم عائلته، وكذلك المراسيم المتشددة، مع خطة ولي العهد التي استمرت خمس سنوات لتنويع الاقتصاد وفتح البلاد أمام السياح والاستثمارات. حيث يقوم الأمير بإدخال التغييرات ببطء وبدون خطة معلنة، على عكس رؤيته للاقتصاد التي تأتي مع أهداف عامة ومواعيد نهائية.
الاستبدال بالقمع السياسي وانقسام المجتمع:
في سعي ابن سلمان لإحكام قبضته على السلطة، قام بتكميم الأصوات المنتقدة، وأثار مقتل الكاتب الصحفي في واشنطن بوست، جمال خاشقجي، في عام 2018 إدانة دولية.
وأدى التحول من الحكم الديني إلى الاستبداد إلى انقسام بين السعوديين، فأصبح البعض يتساءلون عما إذا كانوا لا يزالون يعيشون في دولة إسلامية، بينما يرحب آخرون بما يرون أنه تغييرات مطلوبة بشدة لفتح البلاد.
وظهر ذلك جليًا في موسم الحج الذي لأول مرة يمر على المملكة دون استعدادات تذكر، وتحجيم لأعداد الحجاج وسط السماح بالأعداد الضخمة في الحفلات التي تنظمها هيئة الترفيه، كذلك في قرار وزارة الأوقاف بمنع مكبرات الصوت داخل المساجد، كل ذلك أدى لوجود حالة من التذمر والبلبلة بين صفوف الشعب السعودي، ليأتي قرار عدم إغلاق المحال التجارية في أوقات الصلاة دون إقراره من مجلس الشيوخ الذي أجل مناقشته هروبًا من مواجهة محتملة مع ولي العهد المتفتح، ليؤكد على النهج الذي يتبعه “ابن سلمان” والذي يهدف للخروج من ربقة المؤسسة الدينية نهائيًا.
مخاطر الاستبدال على “ابن سلمان”:
أكد تقرير “بلومبرغ” أن الاستراتيجية التي يتبعها “ابن سلمان” في استبدال الحكم الديني بالقمع السياسي، تنطوي على مخاطر بالنسبة للأمير ذاته؛ إذا نُظر إلى إصلاحاته على أنها تتحدى الوضع الخاص للمملكة العربية السعودية في العالم الإسلامي بصفتها الوصي على أقدس موقعين في الإسلام، في وقت انتخبت فيه منافستها الإقليمية، إيران، للتو رئيسًا متشددًا.
واختتمت الوكالة تقريرها بإثارتها سؤال، حول ما إذا كان المتشددون الدينيون يستعيدون نفوذهم داخل المملكة، في إشارة إلى أن حالة الاستبداد التي أوجدها “ابن سلمان” ستقابل بعنف مضاد من قبل المتطرفون من كل التيارات بالمملكة، ما قد يخل بحالة الوئام الاجتماعي الذي يعيش فيه المجتمع السعودي الآن.