كشف تقرير نشره المعهد الأطلنطي للدراسات السياسية والاستراتيجية عن مدى التطور الذي شهده التعاون بين شركات الأمن السيبراني الصهيونية والسعودية والعديد من دول الخليج العربي، موضحًا أن ذلك التطور كان نتاجًا طبيعيًا لاتفاقات السلام الإبراهيمية المزعومة التي تم توقيعها بين الكيان الصهيوني ودول خليجية.

وقال المعهد في تقريره إنه “كان لهذه التطورات – اتقاقيات السلام المزعوم – آثار قوية على الأمن السيبراني في الشرق الأوسط. حيث تعمل هذه التطورات أيضًا على تمكين (إسرائيل) من أن تصبح أكثر ضامن للأمن في المجال السيبراني ضد إيران والتهديدات الإقليمية الأخرى من خلال ملء الفراغ الناتج عن الموقف السلبي المتزايد للولايات المتحدة تجاه الديناميكيات الأمنية المتغيرة في المنطقة. ومع ذلك، لا تزال القدرات السيبرانية (الإسرائيلية) وتمركزها في المنطقة هدفًا للاستحواذ من قبل الصين، التي تحاول تقييم الدور الأمريكي المتقلص”.

 

كورونا سرع من التعاون:

كما أكد التقرير أنه “بالتزامن مع جائحة الفيروس التاجي، تحرص دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على تسريع التحول الرقمي المستمر، والانضمام إلى التدافع العالمي للأدوات الرقمية والبنية التحتية للاستجابة لتحديات الوباء. وفي الوقت نفسه، تستمر الهجمات الإلكترونية والافتقار إلى المرونة الإلكترونية – القدرة على الاستجابة والتعافي من الهجمات الإلكترونية – في المنطقة في إلحاق الضرر بمؤسسات الأعمال وتعريض المصالح الاقتصادية للخطر، لا سيما في دول الخليج”.

وأضاف التقرير أنه “مع وضع ذلك في الاعتبار، تظل أوجه القصور في قدرات الدفاع السيبراني في المنطقة كبيرة. حيث كشفت دراسة أجراها معهد “بونيمون” في عام 2020، أن متوسط تكلفة حادثة خرق البيانات التي تتكبدها كل شركة في الشرق الأوسط تبلغ 6.53 مليون دولار – أعلى بكثير من متوسط تكلفة الحوادث العالمية البالغة 3.86 مليون دولار-، ما يزيد من تأثيرها المالي بنسبة 9.4 في المائة عن السنة الماضية. علاوة على ذلك، كشف تقرير تكلفة خرق البيانات لعام 2020 أن متوسط الوقت المستغرق للرد على الانتهاكات في الشرق الأوسط كان “الأبطأ في العالم”. وسط هذا الضعف الهائل، يُنظر إلى (إسرائيل)، بقدراتها السيبرانية المتقدمة، على أنها الشريك المثالي من قبل العديد من الدول العربية، ولا سيما دول الخليج”!

 

تعاون قديم ومستمر:

في تقرير لـ”واشنطن بوست”، نشر في يناير 2019، حول التعاون السيبراني بين الكيان الصهيوني والسعودية ودول الخليج، أوضحت الصحيفة من خلاله أنه خلال العقد الماضي، دفعت التهديدات العسكرية المتزايدة من إيران ووكلائها، ومن الجماعات السنية الجهادية مثل تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلى قيام تعاونٍ أمني أوثق بين الكيان الصهيوني ودول الخليج. وقد ظهرت هذه الحاجة للمرة الأولى في عام 2007، عندما لجأت دولة الإمارات إلى شركة “فور دي للحلول الأمنية” التي تعود ملكيتها لليكان الصهيوني ومقرها في الولايات المتحدة، من أجل تحديث دفاعاتها حول منشآت الطاقة الحساسة، وإنشاء نظام مراقبة “ذكي” على مستوى المدينة في أبو ظبي. ووفقاً لتقارير إعلامية متعددة، فازت شركة “آي جي تي إنترناشونال” [AGT International]، وهي شركة سويسرية منفصلة يملكها صاحب شركة “فور دي” ماتي كوخافي، بعقد قيمته 6 مليارات دولار وفقاً لبعض التقارير، مع تقديم شركة “لوجيك إندستريز” [Logic Industries] التابعة لها ومقرها في الكيان الخبرة الفنية الفعلية لهذا المشروع.

وأضافت الصحيفة أنه يُعتقد أن النظام الذي تم وضعه، والذي غالباً ما يُطلق عليه “فالكون آي” [Falcon Eye] (“عين الصقر”) قد اكتمل بحلول عام 2016. ويشمل هذا النظام شبكةً من الكاميرات وأجهزة استشعار ومنصات للذكاء الإصطناعي توفّر كافة أنواع البيانات، بدءً من التحكم في حركة المرور إلى المراقبة الحميمة. وأفادت التقارير بأنه في عام 2014 تم استخدام بعض عناصر هذا النظام للقبض على امرأة جهادية بعد هجوم بالسكين على مُدرّسة أمريكية.

وأشارت الصحيفة إلى أنه تم السماح لاحقاً لنفس هذا الاتحاد من الشركات المملوكة لصهاينة، بالمشاركة في مناقصة على مشروع كان يهدف إلى المساعدة في إدارة تدفق الحجاج إلى مكة المكرمة. وعلى الرغم من عدم نجاح المناقصة، أفادت وكالة “بلومبرغ” بأن السلطات السعودية وضعت في النهاية نظاماً إلكترونيًا مماثلاً للنظام المقترح.

أما بالنسبة للرياض، قالت الـ”واشنطن بوست” أن الرياض سعت للحصول على مساعدة صهيونية في معالجة احتياجات سيبرانية أخرى. ففي عام 2012، تسببت عملية ضخمة ضد شركة النفط السعودية العملاقة “أرامكو” المملوكة للدولة بمحو بيانات ثلاثة أرباع حواسيب الشركة (حوالي 30 ألف محطة عمل)، وهي حادثة تم وصفها آنذاك على أنها الهجوم السيبراني التجاري الأكبر في التاريخ. ويعتقد مسؤولو الاستخبارات الأمريكية أن منفذي ذلك الهجوم الذين استخدموا “فيروس شمعون” كانوا ممولين من الحكومة الإيرانية. وبعد مرور سنوات، قال رجل الأعمال الصهيوني المتخصص في مجال التكنولوجيا المتقدّمة والمشرِّع السابق أريئيل مارغاليت إلي صحيفة “كالكاليست” إنه تم اللجوء إلى شركات متخصصة في الأمن السيبراني في بلاده من أجل مساعدة شركة “أرامكو” السعودية على إصلاح الضرر، وهي عملية استغرقت شهوراً.

وتابعت الصحيفة إنه في عام 2015، لجأت الرياض إلى الشركة الصهيونية “إنتو فيو” [IntuView] للمساعدة في تعقّب الجهاديين على مواقع التواصل الاجتماعي. ووفقاً لوكالة “بلومبرغ”، لبّت الشركة ذلك الطلب باستخدامها برنامج يمكنه مراجعة 4 ملايين مشاركة على موقعَي “فيسبوك” و”تويتر” يومياً. وعلى غرار العديد من الشركات الصهيونية العاملة في الخليج، أنشأت “إنتو فيو” شركةً وسيطة في أوروبا لإعطاء السعوديين القدرة على الإنكار. ووفقاً لصحيفة “هآرتس”، حصلت البحرين على نظام مماثل لمراقبة مواقع التواصل الاجتماعي من شركة “فيرينت” [Verint] المؤسسة في الكيان الصهيوني والرائدة في مجالها، في وقت ما بعد عام 2011.

الأمر الذي لا يبشر بالخير هو اتساع نطاق عمل شركة “إنتو فيو” مع السعوديين لاحقاً ليشمل مراقبة الآراء العامة حول العائلة المالكة، بحسب وصف الصحيفة، مؤكدة أنه مع تسليط الضوء على الخط غير المستقر في كثير من الأحيان بين الدفاع والهجوم في المجال السيبراني. وقد تتطلب الإجراءات السيبرانية الدفاعية عمليات عدائية ضد التهديدات المحتملة لتوفير الإنذار المبكر، وتحديد الجهة المسؤولة، وتعزيز الردع. ومع ذلك، فإن هذا يولّد أيضاً نوعاً من القدرات القابلة للاستغلال، بما يشمل ذلك من مراقبة وقمع أي شخص يُعتبر عدواً للدولة.

ليأتي التعاون المعروف مع “بيجاسوس” ليكون درة التعاون بين السعودية والكيان الصهيوني في المجال السيبراني، وليفتح “ابن سلمان” خزائن أسرار المملكة لألد أعدائها لينهلوا منها ما يشاؤون بلا رقيب أو حسيب، وليكن ذلك التعاون أكبر خيانة معلوماتية للمملكة.