خاص: منذ نشأتها في عام 1933 تحت اسم “كاليفورنيا أرابيان ستاندارد أويل كومباني” (كاسوك)، كنتاج اتفاقية الامتياز بين المملكة العربية السعودية وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال)، أصبحت تلك الشركة هي لبنة اقتصاد الدولة السعودية الأساسي، ليتحول اسمها مع مطلع عام 1949 لشركة “أرامكو” اختصارًا لـ(شركة الزيت العربية الأمريكية).
وتعامل معها ملوك المملكة منذ نشأتها على أنها درة نفيسة بسببها وضعت المملكة في مصاف الدول الغنية، ومن أموالها بنى ملوك “آل سعود” سلطانهم، وتربعوا على عرش المملكة لعقود عدة، وكان كل ملك منهم يأتي ليزيد من إنتاج الشركة، ويضيف عليها المزيد من المنشآت والمشروعات ويوسع من نشاطاتها، حتى أصبحت ليست مجرد شركة منتجة للنفط ومصدرة له، بل شركة بترول متكاملة، تمتلك مصافي وشركات بتروكيماويات وغيرها من الصناعات المرتبطة بالنفط.
حتى أتى “ابن سلمان” ليفرط فيها كما فرط في العديد من أصول المملكة الاقتصادية، في محاولة لتمويل مشاريعه الوهمية، وتصرف فيها كأنها شركته الخاصة لا شركة الدولة السعودية الكبرى، وبدأ يفرط فيها على عدة مراحل، بدءًا من طرحها للاكتتاب المحلي والدولي كمرحلة أولى لبيعها، مرورًا ببيع أصولها، وانتهاءً ببدء البيع الفعلي لها.
اكتتاب الوهم:
أعلنت هيئة السوق المالية السعودية، نوفمبر 2019، الموافقة على طلب مجلس إدارة “أرامكو”، تسجيلها في البورصة المحلية. وأتى ذلك وسط تحذيرات مراقبين من مخاطر تحيط بالطرح دفعت صناديق استثمار عالمية إلى إعلانها العزوف عن المشاركة في الاكتتاب.
وحسب مسؤولين في أرامكو، شملت عملية الاكتتاب بيع 5 في المائة فقط من أسهم الشركة، بينها 2 في المائة في السوق المحلية، والنسبة الباقية البالغة 3 في المائة من أسهم الشركة في الأسواق العالمية.
وطرح الأسهم جاء في وقت شهد فيه سوق الطاقة الداخلي والخارجي تقلبات، وسط توقعات من “ابن سلمان” وخبرائه بمكاسب خرافية جعلت العديد من شركات التداول العالمية تعزف عن المشاركة في الطرح خوفًا من تقلبات الأسعار، والتوقعات العالية من الجانب السعودي.
وظهر ذلك في تباين تقييم الشركة وأصولها، حيث إن ولي العهد السعودي حدد في مطلع 2016، تقييماً للشركة يصل إلى تريليوني دولار، بينما حدد مصرفيون ومسؤولون في الشركة أن تقييم “أرامكو” يقترب من 1.5 تريليون دولار فقط.
لتجمع “أرامكو” في النهاية 25.6 مليار دولار من المستثمرين في إطار الاكتتاب العام، ما يعني تقييمها بـ1.7 تريليون دولار، أي أقل بكثير من القيمة التي كان يطمح إليها ولي العهد، فيما لم تحدّد الشركة بعد موعد تداول أسهمها.
بيع الأصول:
أعلنت “أرامكو” أواخر أبريل الماضي، أنها باعت حصة في وحدة خطوط أنابيب النفط الخاصة، تبلغ 49% من إجمالي خطوط النفط التابعة لها، بمبلغ وقدره 12 مليار دولار، إلى تحالف بقيادة إي آي جي غلوبال إنرجي بارتنرز EIG Global Energy Partners.
فيما نقلت وكالة “بلومبرغ” عن مصادر مطلعة أن الشركة تدرس بيع حصة في شبكة خطوط أنابيب الغاز الطبيعي، ضمن هدفها لجذب المزيد من المستثمرين الدوليين إلى المملكة، في دلالة واضحة على أن “ابن سلمان” مستمر في خطته لبيع الشركة، وهو ما طرحه سابقًا في أنه ينتوي بيع 5% من أرامكو لجمع 100 مليار دولار، بسقف سوقي ضمني قدره 2 تريليون دولار.
بيع الشركة لأطراف خارجية:
أعلن “ابن سلمان” في مقابلة متلفزة أخيرة له، بثتها وسائل الإعلام الحكومية السعودية، أن “هناك نقاش الآن حول استحواذ شركة عالمية رائدة في مجال الطاقة على 1% من أرامكو”، مضيفًا أنها “ستكون صفقة مهمة للغاية لتعزيز مبيعات أرامكو في بلد كبير للغاية”.
ونقلت تقارير غربية عن مصادر سعودية مطلعة أن المملكة العربية السعودية تدرس بيع جزء من شركة النفط الحكومية العملاقة (أرامكو) إلى مستثمر أجنبي كبير، من المحتمل أن يكون من الصين.
لماذا يجمع “ابن سلمان” الأموال من بيع أرامكو؟
أجابت مجلة “فوربس” الاقتصادية على ذلك السؤال بأن ذلك يأتي ضمن خطة ولي العهد السعودي لتحفيز 1.3 تريليون دولار من الاستثمارات العامة/الخاصة لتنويع اقتصاد المملكة، لافتة إلى أنه لا يسعى إلى الضغط على نمو رأس مال أرامكو، لكنه يسعى لجني ما تم حصده بالفعلـ على حد زعمها.
والحقيقة هي أن “ابن سلمان” يسعى بكل ما أوتي من قوة من أجل تنفيذ مشاريعه الوهمية، وأولها رؤية 2030 التي ثبت فشلها على أرض الواقع حتى وإن كان هذا على حساب أكبر مقدرات الشعب السعودي، ودرة اقتصاد المملكة “أرامكو”.
التضحية بـ”أرامكو” لأجل تحقيق رؤية سرابية ومشاريع أقرب للوهم منها للحقيقة خطوة في منتهى الخطورة، وقد حذر منها خبراء كثر، سواء داخل المملكة أم خارجها، لكن ولي العهد كعادته لم يستمع إلا إلى صوت نفسه، وضرب بجميع الأصوات عرض الحائط، بل ألقى ببعضهم في غياهب السجون جزاءً على التجرؤ عن الحديث عن الصفقة الخاسرة.. فهل يظل ابن سلمان مقتنعا برؤيته رغم كل هذه المخاطر؟!