تقرير خاص
جاءت أزمة فيروس كورونا لتضفي على العالم أجمع طقوسًا جديدة، جعلت التعامل بين الناس بشكل عام في حدود ضيقة، وتأثرت معظم الصناعات والمجالات التجارية والسياحية بهذه الأزمة العالمية.
وكانت المملكة العربية السعودية بالطبع من ضمن الدول التي تضررت تضررًا بالغًا بسبب تلك الأزمة، حيث لا يمكن أن نجد قطاعا في المملكة إلا وأصابه ضرر من جراء تلك الأزمة، ومن ضمن المتأثرين بتلك الأزمة قطاع السياحة الدينية بالمملكة، والذي يعتمد على وفود الحجيج والمعتمرين لتحصيل نسبة كبيرة من إيراداته.
وكان من المفترض أن يبدأ موسم الحج لهذا العام رسميًا في 28 يوليو، على أن يستمر حتى الثاني من أغسطس المقبلين، إلا أن الحكومة السعودية لم تقرر حتى الآن إمكانية تنفيذ ذلك الموسم، تحديدًا مع زيادة أعداد المصابين بالفيروس في المملكة.
– تمهيد للإلغاء:
خرج العديد من المسئولين السعوديين مع بداية الأزمة ليمهدوا الطريق نحو إلغاء موسم الحج لهذا العام، بالترامن مع وقف رحلات العمرة وغلق الحرمين.
ففي مطلع أبريل الماضي، دعا وزير الحج والعمرة السعودي، محمد صالح بن طاهر، في لقاء مع قناة “الإخبارية” الرسمية، المسلمين في جميع دول العالم إلى التأني قبل التخطيط لأداء فريضة الحج، حتى تتضح الرؤية أكثر بخصوص جائحة كورونا.
وقال الوزير السعودي: “طلبنا من الإخوة المسلمين في جميع دول العالم التريث في عمل أي عقود حتى تتضح الرؤية”، مضيفًا أن “المملكة قامت برد مبالغ رسوم التأشيرات لجميع من حصلوا على تأشيرات لأداء مناسك العمرة ولم يتمكنوا من القدوم إلى البلاد” بسبب تفشي كورونا.
– تقليص وليس إلغاء:
بينما كشفت وكالة “رويترز”، في 8 يونيو الجاري، عن مصادر قولها إن السعودية ربما تحد بشدة من أعداد الحجاج هذا العام لمنع تفشي المزيد من فيروس كورونا، بعد أن تجاوز عدد الحالات في البلاد أكثر من 100 ألف.
ونقلت الوكالة عن مصدرين مطلعين على الأمر أن السلطات تفكر الآن في السماح “بأرقام رمزية فقط” هذا العام، مع فرض قيود تشمل حظر الحجاج الأكبر سنًا، وإجراء فحوص صحية إضافية.
وقال مصدر آخر مطلع على الأمر، إنه من خلال الإجراءات الصارمة، تعتقد السلطات أنه قد يكون من الممكن السماح بما يصل إلى 20% من عدد الحجاج المعتاد لكل دولة.
ويعني ذلك أن يكون عدد المسموح لهم بالحج نحو نصف مليون شخص، من مجموع مليونين و489 ألف حاج شاركوا في موسم العام الماضي 2019.
ووفق المصادر الثلاثة فإن بعض المسؤولين ما زالوا يضغطون من أجل إلغاء الحج الذي من المتوقع أن يبدأ في أواخر يوليو.
– أسباب التراجع عن الإلغاء:
يعد السبب الاقتصادي هو السبب الأهم والأوحد في تعاطي الحكومة السعودية مع فكرة تقليص عدد الحجاج لهذا العام، دون إلغاء الموسم برمته، فقد دفعت الخسائر التي لحقت بالاقتصاد السعودي المترتبة على جائحة كورونا الحكومة هناك إلى اتخاذ قرارات تقشفية مؤلمة، ورغم ذلك لا يزال الاقتصاد السعودي ينزف، وسط توقعات باستمرار الأزمة لمدة أطول.
وسيؤدي إلغاء موسم الحج برمته هذا العام، إلى هزة اقتصادية كبيرة قد لا يتحملها الاقتصاد السعودي الرسمي، خصوصًا بعد عاصفة حرب النفط التي أشعلها “ابن سلمان”، وآثار جائحة كورونا.
فالمملكة تجني أرباحًا طائلة من الحج خصوصًا، ومن السياحة الدينية عمومًا، تقدر بمليارات الدولارات، وهو ما قد يدفعها لاستئناف موسم الحج لهذا العام ضمن قيود للحد من الخسائر الاقتصادية.
ونجحت حكومة المملكة في العقود الأخيرة في جعل صناعة السياحة الدينية مستمرة طول العام بفضل التوسعات الجديدة بالحرم المكي، حيث تقدر الرياض عائدات الحج بـ60% -70% من الإيرادات السياحية للمملكة، أي ما يقرب من 7 مليارات دولار.
كما أن قطاع السياحة يوفر فرص عمل تقدر بـ 882.9 ألف فرصة عمل، وبما يمثل نسبة 7.7% من إجمالي العاملين بالمملكة، ويستحوذ السعوديون على نسبة 27.8% من إجمالي فرص العمل بقطاع السياحة.
وكذلك ارتباط قطاع السياحة بعدد آخر من القطاعات الهامة في المملكة، مثل قطاع النقل الجوي، الذي ينفق فيه الحجاج قرابة 2.3 مليار دولار سنويًا، وأيضًا قطاع تجارة التجزئة في مكة ذي الحجم الهائل، وقطاعات الفندقة والسكن والنقل والمواصلات داخل المدينة.
كل هذا دفع المملكة إلى التراجع عن فكرة الإلغاء الكلي للموسم، واستبدالها بفكرة تقليص عدد الحجاج، والتي تتناسب مع فكرة العودة التدريجية للحياة العادية التي بدأت في الانتشار بمعظم دول العالم.
ولكن يبقى السؤال، هل ستستطيع السعودية وبنيتها الصحية الأساسية أن تسيطر على انتشار الفيروس وسط الحجاج؟! وهل ستلتزم الدول كافة بما تشترطه المملكة من شروط لدخول حجيج تلك الدول إليها؟! الأمر صعب ويحتاج إلى مجهودات خارقة وتنسيق عالي المستوى بين الدول وبعضها البعض، وهو ما لا يتوافر الآن، ما يعني كارثة عالمية إذا تمت الموافقة على تقليص عدد الحجاج، وعدم وقف موسم الحج لهذا العام.