تقرير خاص

شهدت العلاقات السعودية مع الكيان الصهيوني تصاعدًا في وتيرة الإعلان عن زيارات متبادلة بين أكاديميين وإعلاميين، وتسريبات لزيارات سرية تمت بين مسئوليين للبلدين، وجاء كل ذلك الزخم عقب تولي “محمد بن سلمان” لولاية العهد في 2017.

وكانت النقطة الفاصلة في تطور هذه العلاقات هي قضية مقتل الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”؛ التي من خلالها وضعت الولايات المتحدة حبلاً طوقت به رقبة “ابن سلمان”، حتى لا يكون هناك مفر أمامه سوى الاتباع في كل ما يخص الكيان الصهيوني، أو فليفتك هذا الحبل المتين برقبته ويطيح به من فوق عرشه.

فجاء هذا السياق متماشيًا مع ما عُرف بـ”صفقة القرن”، وما تبعها من ضغوط سرية تسربت إلى العلن على الفلسطينيين للقبول بها، والرضوخ لمطالب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، واللعب بورقة الدعم المادي للوصول إلى تصفية للقضية الفلسطينية بشكل فعلي عن طريق إسقاط ورقة عودة اللاجئين والقدس.

ولكي تصل مرحلة التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى العلن على المستوى الرسمي لابد من تقدمات وتهيئة للرأي العام السعودي لقبول تلك المرحلة من علنية العلاقات، لذا بدأت زيارات متبادلة بين أكاديميين وإعلاميين، وتطبيع في المجال الفني كان آخرها ظهور فيلم سعودي ضمن مهرجان سينمائي إسرائيلي مقام في القدس المحتلة، ونرصد هنا بعض الخطوات المهمة في طريق التطبيع..

1- التطبيع في الجانب الرياضي:

في منتصف أكتوبر الماضي؛ وصلت بعثة المنتخب السعودي لكرة القدم إلى مدينة رام الله في فلسطين، لخوض ثالث مباراة لمنتخب الأخضر في التصفيات المشتركة المؤهلة إلى كأس العالم 2022 وكأس آسيا 2023، وكان في استقبال الوفد رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم جبريل الرجوب، كما استقبلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس أيضًا.

من جانبها؛ رفضت وزارة الشباب والرياضة الفلسطينية بقطاع غزة، الترتيبات القائمة لزيارة المنتخب السعودي إلى رام الله، وقالت الوزارة في بيان لها: إن “زيارة المنتخب السعودي وأي منتخب عربي في هذه الظروف، وعبر معابر يسيطر عليها الاحتلال هي خطوة غير مقبولة وإجراء مستهجن يجب أن يتوقف”.

كما أنه أثناء زيارة البعثة للمسجد الأقصى، لم يتحملوا هتافات المصلين التي اتهمتهم بالتطبيع مع “إسرائيل”؛ وقام طاقم الحراسة المرافق للبعثة السعودية بالاعتداء عليهم وأمطرهم بالشتم والسباب، واعترض المصلون على زيارة المنتخب السعودي للمسجد الأقصى، ووجّهوا انتقادات لفريق الحراسة، ليرد الأخير بكيل الشتائم.

وحول دخول اللاعبين؛ فقد أكدت مصادر أن ادعاءات الجانب السعودي بأن اللاعبين لم يتم إيقافهم من قبل سلطات الاحتلال عبر جسر الملك حسين الذي يربط فلسطين بالأردن هي إدعاءات كاذبة، وأن اللاعبين تم تفتيشهم والتدقيق معهم من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، الذي أنزل جميع السعوديين في قاعدة انتظار خاصة بهم، وعمد إلى فحص جوازاتهم كأي مسافر عادي، وهو ما أكده الناشط الفلسطيني “أحمد جرار”.

2- التطبيع الأكاديمي والثقافي:

كشفت وكالة “قدس.نت” للأنباء، نوفمبر الماضي، عن لجوء مؤسسات حكومية سعودية إلى التعاون مع شركات إسرائيلية في مجال الترجمة من العربية إلى الإنجليزية والعكس!

ونقلت الوكالة عن مصادر، قولها إن المؤسسات الحكومية تقدمت بطلب إلى شركات إسرائيلية، لترجمة تقارير حكومية في عدة مجالات تتعلق بالمحافظات السعودية، موضحة أن المملكة طلبت من إحدى الشركات الإسرائيلية ترجمة تقرير بيئي لمحافظة الرياض، يتكون من 132 صفحة، بواقع 31.800 كلمة من الإنجليزية إلى العربية، ناشرةً وثيقة تؤكد صحة ما نشرته.

وكذلك زيارة المدون السعودي المثير للجدل “محمد سعود” للكيان الصهيوني، وظهوره مع إعلاميين وأكاديميين صهاينة، وزيارته للمسجد الأقصى وضربه من قبل الشباب المرابط هناك، ووصل به الأمر إلى استضافة صهاينة في قلب العاصمة السعودية الرياض خلال موسمها الثقافي والترفيهي لهذا العام.

ناهيك عن مداخلات الكاتب الصحفي السعودي “عبد الحميد الغبين” المتعددة حول أنه لا حل من أجل الإستقرار والنمو الإقتصادي إلا بالتطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني، وتأكيداته المتوالية أن قضية فلسطين لم تعد مهمة بالنسبة للسعوديين، قائلاً: “لا يعنيني من يحكم القدس”، وإشارته المستمرة إلى أن حالة تطبيع كاملة ستشهدها المنطقة خلال السنوات القليلة القادمة.

ويبدو أن هذه حالة لا تخص “الغبين” فقط ولكنها دعوة انتشرت بين الصحفيين بالمملكة للتزلف إلى السلطة القائمة؛ فالصحفية والكاتبة السعودية سكينة المشيخص، قالت في لقاء خاص مع قناة “مكان” العبرية: “لا توجد لدينا مشكلة سياسية مع إسرائيل. إسرائيل لم تطلق علينا حتى رصاصة!”، مضيفة أن “هناك تطابق واضح جدًا بين مواقف إسرائيل ودول الخليج بصدد الخطر الإيراني وأذرع إيران المتمثلة في حزب الله والحوثيين، التي تهدد الشرق الأوسط بصورة كاملة”.

وعن زيارة “إسرائيل” مستقبلاً تقول المشيخص: “الزملاء الذين زاروا إسرائيل استفادوا بأن رأوا إسرائيل من الداخل، وأنا مستعدة أن أزور إسرائيل في المستقبل، بالتأكيد”، مشيرة إلى أن “الفرصة لإحلال السلام مع إسرائيل سانحة”، واعتبرت أن “السلام مهم للاستقرار والتنمية والازدهار والتطور، والكثير من الانعكاسات الإيجابية”.

وتابعت: “لذلك فنحن أمام مرحلة تاريخية تتصاعد فيها المطالبة بالسلام، ومن وجهة نظري السلام مع إسرائيل ليس خسارة إنما مكسب للجميع. أعتقد بأن هذه الفرصة ستكون قريبة جداً”.

3- التطبيع الفني:

منتصف نوفمبر الماضي؛ أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها ستعرض فيلمًا لمخرجة سعودية، في افتتاح مهرجان خاص بأفلام المرأة، والذي ستنظمه في شهر ديسمبر الجاري في مدينة القدس المحتلة، سبق ذلك كشفها عن عزف النشيد الوطني لدولة الاحتلال في العاصمة الإماراتية أبوظبي بعد فوز أحد لاعبيها بميدالية.

وذكرت الوزارة في تغريدة بحسابها “إسرائيل بالعربية”، على موقع “تويتر” أنه “سيفتتح فيلم (المرشحة المثالية) للمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مهرجان سينما المرأة الإسرائيلي، الذي سيقام في مدينة القدس في الشهر المقبل”.

فيما لم توضح الخارجية الإسرائيلية ما إذا كانت قد استأذنت المخرجة السعودية من أجل عرض فيلمها، كما لم يتضح على الفور موقف المخرجة السعودية من هذه الخطوة التي تدرجها وزارة الخارجية الإسرائيلية في إطار التطبيع.

ونقلت شبكة “سي إن إن” عربية عن موقع إسرائيلي (لم تسمه) نسب إلى هيفاء المنصور تصريحات بأنها لا تمانع العمل مع مخرجين إسرائيليين، وهو الأمر الذي أثار ضجة في يوليو عام 2018، ولكن سرعان ما نفت المنصور تلك التصريحات، قائلة إنها “تعمل فقط مع الدول المسموح بها بشكل رسمي”.

4- التطبيع الاقتصادي:

ذكرت وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية، أغسطس الماضي، أن مسؤولاً مقرباً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أكد أن السعودية تدرس شراء الغاز الطبيعي من “إسرائيل”، وأوضحت الوكالة أن الطرفين ناقشا بناء خط أنابيب يربط بين السعودية ومدينة “إيلات الإسرائيلية”، وفق ما أكده العضو السابق في الكنيست الإسرائيلي أيوب كارا.

وبالطبع مشروع طاقة بهذا الحجم سيتطلب علاقات دبلوماسية رسمية بين السعودية و”إسرائيل”، ورجحت الصحيفة أن تكون لذلك ردات فعل سياسية في المنطقة، حيث لا تزال “إسرائيل” مكروهة إلى حد كبير في العالم العربي؛ بسبب معاملتها للفلسطينيين الذين يرزحون تحت الاحتلال في الضفة الغربية وتحت الحصار في غزة.

كما فتحت السعودية مجالها الجوي أمام الطيران التجاري الإسرائيلي للمرة الأولى في مارس 2018، وهي خطوة أشاد بها الجانب الإسرائيلي، ووصفها بأنها تمثل ثمار عامين من الجهود على صعيد التعاون بين البلدين.

وكذلك كشفت القناة الثانية العبرية عن اتفاق نتنياهو ووزير المواصلات والاستخبارات يسرائيل كاتس على الشروع في تدشين خطة سكة حديدية تصل “إسرائيل” بالسعودية، سيكون خطًا جديدًا لمسار تجاري يصل حوض البحر الأبيض المتوسط بدول الخليج، وتحديداً بالسعودية قبل غيرها، انطلاقاً من ميناء حيفا على البحر الأبيض المتوسط.

ومن المقرر أن يمر الخط بمدينة جنين -الواقعة أقصى شمال الضفة الغربية- متجها إلى جسر الشيخ حسين في شمال غور الأردن، ليمر بالأردن ويتم مده باتجاه الجنوب ليصل إلى السعودية.

المشروع –الذي بات يرمز إليه “إسرائيلياً” بمسمى “مشروع قضبان السلام”- سيتم إنشاؤه بأموال مصدرها الرئيسي سعودي، إضافة إلى تمويل دولي، وقد عرضت القناة الثانية في التلفزيون “الإسرائيلي” فيديو يظهر سير خط السكة الحديدية، أعده ديوان نتنياهو و”وزارة المواصلات الإسرائيلية”، حيث أشار الفيديو إلى أن الخط سيساهم في ربط أوروبا بالسعودية بالدرجة الأولى، ويقلص من الحاجة للعبور عبر قناة السويس ومضيق باب المندب.

ويُتوقع أن تبلغ قيمة التبادل التجاري عبر الخط الجديد حال إنجازه نحو 250 مليار دولار بحلول 2030. وحسب الخطة؛ فإن الخط الجديد سيخدم العراق مستقبلاً.

5- التطبيع الاستخباراتي والتقني:

ذكرت صحيفة “جيروزالم بوست” العبرية أن إسرائيل باعت للسعودية أجهزة تجسس بقيمة 250 مليون دولار، مشيرة إلى أن الصفقة -التي أبرمت بعد لقاءات سرية بين الطرفين- شملت نقل تقنيات تجسس إسرائيلية إلى المملكة.

وأضافت الصحيفة أن هذه الأنظمة هي أكثر أسلحة التجسس الإسرائيلية الصنع تطورًا، وتُباع لأول مرة لبلد عربي، مؤكدة أن منظومات أمنية وصلت إلى السعودية وصارت قيد الخدمة الفعلية، بعدما تلقت فرق فنية سعودية دورات تدريبية على كيفية تشغيلها. وأشارت “جيروزالم بوست” إلى أن هذا التعاون ليس الأول من نوعه بين إسرائيل والسعودية.

فقد كشف التقرير الحصري أن البلدين تبادلا المعلومات العسكرية الإستراتيجية في الاجتماعات التي أجريت في واشنطن ولندن من خلال وسيط أوروبي، وأن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كانت على إطلاع على كل نتائج تلك المباحثات.

6- ختام التطبيع “السياسة”:

لاشك أنه للوصول لتلك المرحلة الحاسمة من التطبيع لابد من المرور على كل المحطات السابقة، ولكن حتى في مجال السياسية لابد من التمهيد، فإشاعة من هناو تسريب من هناك تجعل المستحيل حقيقة.

فقد راجت ولا تزال تروج أخبار حول اجتماع قريب بين ولي العهد السعودي، ورئيس الوزراء الصهيوني، وكذلك ما تم ترويجه أثناء الزيارات الخارجية لـ”ابن سلمان” حول نيته زيارة رام الله، والتي إن لم تكن قد تمت فعلاً؛ فهي على الآقل تركت الباب مفتوح لما بعد ذلك من احتمالات.

كذلك اتفاقية نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، ما يخلق وضعية جديدة في البحر الأحمر، هي أكثر أريحية لإسرائيل. لأن مضيق تيران – الذي تعبر منه السفن الإسرائيلية باتجاه ميناء إيلات – كان خاضعاً للسيادة المصرية بالكامل. أما الآن فقد تحول إلى ممر دولي، كما يرى المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان.

كما ظهر كل هذا على الجانب الرسمي؛ ففي خلال حوار لـ”ابن سلمان” مع مجلة “أتلانتك” الأمريكية، في إبريل 2018، قال إن الإسرائيليين لهم “حق” في أن يكون لهم وطن، مضيفًا: “أؤمن بأن لكل شعب، في أي مكان، الحق في العيش في سلام في بلاده.”

وتابع “أؤمن أيضًا بأن الفلسطينيين والإسرائيليين من حقهم أن تكون لهم أراضيهم الخاصة بهم.”، وجاءت التصريحات غير المسبوقة لمسؤول سعودي أثناء جولة أمريكية يقوم بها بن سلمان تستمر لثلاثة أسابيع.

وقال “ابن سلمان”: “هناك مصالح مشتركة بيننا وبين إسرائيل، وإذا حل السلام، سوف تكون هناك مصالح كثيرة بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي.”

وأيضًا قيام رئيس مجلس الشورى السعودي في اجتماع للبرلمانيين العرب عندما طالب رئيس مجلس الأمة الكويتي بوقف كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، بالاعتراض معتبرًا أن “الدعوة لوقف التطبيع مع إسرائيل من اختصاص السياسيين وليس البرلمانيين”، مطالبًا بـ”حذف هذا البند من بيان مؤتمر البرلمانيين العرب”.

وختامًا فقد ظهرت نتيجة كل هذا العمل الدؤوب لإنجاز التطبيع مع الكيان الصهيوني في أخر ما تم تداوله إعلاميًا الأيام الماضية من أن مركز التواصل والاستشراف المعرفي السعودي رفع تقريرًا لـ”ابن سلمان” يقول فيه بأن المجتمع السعودي صار مهيأً لإعلان العلاقات العلنية مع إسرائيل، وأن المملكة “قد تجاوزت الضغوط الشعبية، وأن مشاركتها في مؤتمر البحرين خصوصًا كان بمثابة فقاعة اختبار (ناجحة) مهدت لمرحلة إعلان التطبيع”.