خاص: تشهد العلاقات الثنائية التركية – السعودية، حالة من التوتر منذ بدء قضية مقتل الصحفي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، بمقر القنصلية السعودية بإسطنبول، في أكتوبر 2018.
فالتمسك التركي بالكشف عمن أعطى الأمر لتنفيذ تلك المهمة الإجرامية على أرض تركية، يحرج النظام السعودي ويضعه في مأزق، حيث يبدو بشكل شبه متواتر تورط ولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان”، في إعطاء الأوامر بشكل مباشر لتنفيذ قتل “خاشقجي”، بتلك الطريقة البشعة ، ما يضعف من فرص توليه مقاليد الحكم بالمملكة، ويعرض المملكة لهزة سياسية غير متوقع ردود أفعالها سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي.
لذا بين شد وجذب حول ملابسات تلك القضية الشائكة، تاهت معالم العلاقات السياسية، والاقتصادية بين المملكة، وتركيا.
وجاء الإعلان عن الحملة الشعبية لمقاطعة المنتجات التركية، وسط دفع رسمي لها، كنقطة فاصلة في تاريخ العلاقات بين البلدين، ورغم إجماع اقتصاديين عدة على عدم جدوى تلك الحملة على الاقتصاد التركي الذي يعصف به الكثير من المشكلات، إلا أنه يبقى الأمر المهم جدًا والذي لا يمكن أن يغفله أي مراقب سياسي لأوضاع المنطقة، أن العلاقات السياسية بين البلدين مهمة، وتنسيق المواقف بين البلدين حول الكثير من المشكلات في المنطقة، قد يسهم في حلها أو على الأقل في تخفيف وطأة آثارها على الشعبين والمنطقة بأسرها.
لهذا عمد النظام السعودي، ممثلاً في رأسه الرسمي، الملك “سلمان بن عبد العزيز”، لمحاولة تخفيف حدة تصرفات ولي عهده الرعناء، من خلال خطوات قد تسهم في تخفيف حدة وعمق الأزمة بين الطرفين.
اتصال القنوات المفتوحة:
في خطوة وصفها المراقبون بالمفاجأة و”غير المتوقعة”، كشفت وكالة أنباء “الأناضول” الرسمية التركية، نقلاً عن بيان لدائرة الاتصال في الرئاسة التركية، عن تلقي الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الجمعة، مكالمة من العاهل السعودي، الملك “سلمان بن عبد العزيز”.
وذكر البيان أن الرئيس أردوغان والملك سلمان بحثا العلاقات الثنائية، وتناولا قضية قمة العشرين المقرر أن استضافتها الرياض افتراضيًا، السبت.
وأضاف أن الرئيس أردوغان والملك سلمان “اتفقا على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة لتطوير العلاقات الثنائية وإزالة المشاكل”.
وفي وقت سابق الجمعة، ذكرت وكالة الأنباء السعودية “واس”، أن العاهل السعودي والرئيس التركي بحثا تنسيق الجهود حول قمة العشرين.
وذكرت الوكالة أنه “تم خلال الاتصال، تنسيق الجهود المبذولة ضمن أعمال قمة العشرين التي تستضيفها المملكة غدا وبعد غد”. كما تم بحث العلاقات الثنائية بين البلدين، وفق الوكالة.
ويهون بعض المراقبين من تأثير تلك المكالمة، ويرونها مكالمة “روتينية” في إطار حرص القيادة السعودية على مشاركة قادة دول مجموعة العشرين بأنفسهم في قمة الرياض، لإعطاء زخم للقمة التي ماتت إكلينيكيًا بسبب تطبيق الإجراءات الاحترازية الخاصة بفيروس كورونا، ولكنها لم تكن فقط الخطوة الوحيدة، لمحاولة إحياء العلاقات المتوترة بين البلدين، فالتطرق للعلاقات الثنائية بين البلدين، واحتواء البيان الرسمي لكلا البلدين على عبارة مهمة وهي “إبقاء قنوات الحوار مفتوحة لتطوير العلاقات الثنائية، وإزالة المشاكل”، تحتوي على رسائل كثيرة.
مساعدات سعودية لضحايا زلزال تركيا:
في خضم أحداث مواجهة الزلزال الذي تعرضت له محافظ إزمير بتركيا، والذي راح ضحيته ما يقارب الـ114 ضحية، طالعتنا وكالة الأنباء الرسمية السعودية “واس”، بخبر يؤكد توجيه الملك “سلمان”، مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية التابع له، بإرسال المساعدات الطبية والإنسانية والإيوائية العاجلة للمتضررين في تركيا من جراء الزلزال الذي ضرب بحر إيجه.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية، الجمعة، أن هذه الخطوة تأتي “انطلاقًا من حرص الملك سلمان على الوقوف إلى جانب الشعب التركي الشقيق والتخفيف من آثار الزلزال الذي تسبب في خسائر فادحة بالأرواح والممتلكات، وامتدادا للدور الإنساني للمملكة العربية السعودية بالوقوف مع المتضررين، في مختلف الأزمات والمحن”.
وحتى وإن رأى البعض أن كل تلك الخطوات هي مجرد سوابق دبلوماسية، معروفة في أوساط الدبلوماسية العالمية، إلا أن توقيتها يوحي بأن هناك محاولة سعودية لتضميد الجروح التي تسببت فيها سياسة ولي العهد.
تسريع العلاقات البحرينية – التركية:
لا شك أنه من المعروف في عالم السياسة الخليجية، أن السياسة الخارجية البحرينية، خاضعة إلى حد كبير، أو بتعبير أخف قليلاً “تتسق مع السياسة الخارجية السعودية”، لاعتبارات اقتصادية، وللحماية التي تقدمها السعودية للنظام في البحرين، تحديدًا في أزمة التظاهرات التي شهدتها الإمارة عقب أحداث الربيع العربي، والتي كادت أن تعصف بالنظام هناك.
ففي 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، تم اتصال هاتفي بين الرئيس التركي “أردوغان”، والعاهل البحريني، حمد بن عيسى آل خليفة، تطرق الجانبان فيه لإمكانية تسريع وتيرة العلاقات بين البلدين، وفق ما ذكرت وكالة الأنباء البحرينية “بنا”.
ولعل التقارب البحريني التركي متصل بتقارب سعودي تركي، حيث إن المنامة حديقة خلفية للرياض، وتمرر عبرها الكثير من المواقف.
يبقى في النهاية أن هناك تحولا في بوصلة السياسية السعودية خصوصًا بعد نتائج الانتخابات الأمريكية، والتي حسمت “بايدن” كرئيس أمريكي قادم للبيت الأبيض، وتحديدًا في علاقة المملكة بتركيا.
فيبدو أن المملكة ستسعى جاهدة لدرء ما تسببت فيه رعونة ولي العهد السياسية، في محاولة منها للوصول لحل يرضي الطرفان بخصوص قضية “خاشقجي”، وذلك لعدم ضمان النظام السعودي ردود فعل الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه هذ القضية، وقضايا حقوق الإنسان بالمملكة بشكل عام، وذلك بعد رفع الحماية عن ولي العهد عقب خروج “ترامب” من البيت الأبيض، والذي كان عامل ضمان وحماية لمؤخرة ولي العهد السعودي، على حد قوله.