خاص: أثار خلو قائمة العقوبات الأمريكية من اسم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حالة من الاستنكار والرفض الحقوقي لتلك الإجراءات الأمريكية المعيبة، والتي لم ترق إلى طموح المجتمع الدولي الحقوقي، بمحاسبة المتسبب الحقيقي في تلك الجريمة البشعة.
وأظهرت تلك الخطوة الأمريكية حالة الانفصام التي يعيشها رجال السياسة عن ميزان العدالة، ومدى طغيان المصالح والحسابات السياسية على العدالة وتطبيقها، وسط مخاوف من تكرار مثل تلك الحوادث على نطاق واسع رغم التأكيدات الأمريكية على أنه لا يوجد مجال مستقبلاً لمثل تلك الحوادث، ولكن من أمن العقوبة أساء الأدب المرة تلو المرة!
خطوة أمريكية غير كافية:
بعد ساعات من نشر التقرير، أعلنت الخارجية الأمريكية فرض عقوبات على 76 سعوديًا متهمين بـ”تهديد منشقين في الخارج”، وخصوصًا الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قتل في تركيا في أكتوبر 2018، وذلك بفرض قيود على منح تأشيرات للأشخاص المعنيين.
وجاءت هذه التدابير على خلفية نشر تقرير للاستخبارات الأمريكية يتهم ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بإعطاء “الضوء الأخضر” لقتل “خاشقجي”، ورغم ذلك تم استثناؤه من العقوبات.
من جانبه، أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن هذه العقوبات تندرج في إطار قاعدة جديدة أطلقت عليها الخارجية الأمريكية اسم “حظر خاشقجي”؛ وترمي لمنع دخول أي شخص يتهم بالتعرض باسم سلطات بلاده لمنشقين أو صحافيين في الخارج.
وأضاف “بلينكن” أن الخارجية الأمريكية ستراجع “كامل” العلاقة مع السعودية، بما في ذلك نوع القدرات العسكرية والأسلحة التي ستقرر تقديمها للمملكة.
وقال الوزير الأمريكي: “ما فعلناه من خلال الإجراءات التي اتخذناها هو في الحقيقة ليس قطع العلاقة، ولكن إعادة تقييمها، لنكون أكثر انسجامًا مع مصالحنا وقيمنا. وأعتقد أنه يجب علينا أن نفهم أيضًا أن هذا أكبر من أي شخص”.
وأوضح “بلينكن” أن الإجراءات التي اتخذتها إدارة بايدن اليوم – بما في ذلك رفع السرية عن تقرير مكتب مدير الاستخبارات الوطنية ونشر العقوبات وقيود التأشيرات على المسؤولين السعوديين – تسعى إلى “منع السلوك المستقبلي”.
وأضاف “بلينكن” أن العلاقات الأمريكية السعودية لا تتعلق فقط بعلاقة الولايات المتحدة مع ولي العهد.
دعوات لمحاسبة “ابن سلمان” على جريمته:
وفور إقرار الولايات المتحدة لتك العقوبات على الشخصيات أعلاه، توالت ردود الفعل من منظمات وشخصيات حقوقية دولية تدعو فيها لمحاسبة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بعد أن أكد التقرير ضلوعه في مقتل “خاشقجي”.
حيث طالبت المديرة التنفيذية لمنظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي” (DAWN)، سارة ليا ويتسن، في تغريدة لها، الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بالوفاء بوعوده ومحاسبة ولي العهد السعودي.
وفي وقت سابق قالت “ويتسن” “آمل أن تكون رسالة بايدن هي أنه يتعين علينا معاقبة محمد بن سلمان”، مضيفة: “أي شيء أقل من حظر السفر وتجميد الأصول سيجعلنا نبدو وكأننا نمنحه معاملة خاصة ونقوض العقوبات التي فرضناها”.
وأضافت: “حتى إدارة (الرئيس السابق دونالد) ترامب وجدت نفسها مجبرة على اتخاذ إجراء ضد الـ17 الآخرين.. ويجب أن تكون الرسالة للسعوديين هي التخلص من هذا الرجل”.
بينما دعت منظمة “الديمقراطية الآن للعالم العربي” ذاتها، بتطبيق قانون “ماغنيتسكي” على ولي العهد السعودي؛ لتورطه المباشر في جريمة القتل الشنيعة التي استهدفت “خاشقجي”.
كما علقت المديرة التنفيذية لمنظمة “القسط” الحقوقية، آلاء الصديق، على التقرير قائلة: “يخلص هذا التقرير بشكل واضح وضوح الشمس إلى ما خلص إليه تقارير سابقة، خصوصًا تقرير المقررة الخاصة أنييس كالامار، ألا وهو تورط كبار المسؤولين السعوديين في قتل جمال خاشقجي، بمن فيهم الحاكم الفعلي للبلاد محمد بن سلمان”.
وجددت “القسط” دعوتها لإجراء تحقيق دولي مستقل ونزيه ومحاكمة بهدف إيضاح الغموض الذي يحيط بهوية من خطط لقتل جمال خاشقجي بالنيابة عن ولي العهد، وما جرى لجثمانه، ومحاسبة كافة المتورطين في الجريمة، كما دعت المنظمة للضغط على السلطات السعودية لتضع حدًّا لانتهاكاتها الواسعة لحقوق الإنسان.
ومن جانبه، قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، الديمقراطي روبرت مينيديز، إنه على إدارة “بايدن” القيام بالمزيد من الإجراءات.
كما أشاد السناتور الأمريكي رون وايدن، الجمعة، بالرئيس جو بايدن ومدير المخابرات الوطنية أفريل هاينز لإصدار تقرير الاستخبارات، وصف الأمير محمد بن سلمان كمسؤول عن الأمر بالقتل الوحشي للصحفي في واشنطن بوست جمال خاشقجي.
وقال وايدن: “اليوم، بفضل الرئيس بايدن، ترسل أمريكا رسالة مفادها أن هذه الفوضى لن تستمر. الشفافية هي الخطوة الأولى نحو المساءلة، ولهذا كتبت القانون الذي يطالب بنشر هذا التقرير”.
وأضاف: “من خلال تسمية محمد بن سلمان بالقاتل غير الأخلاقي المسؤول عن هذه الجريمة البشعة، بدأت إدارة بايدن هاريس في إعادة تقييم علاقة أمريكا بالمملكة العربية السعودية، وتوضيح أن النفط لن يزيل الدماء”.
واستدرك قائلا: “لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به لضمان التزام الحكومة السعودية بالقوانين الدولية. يجب أن تكون هناك عقوبات شخصية لمحمد بن سلمان، بما في ذلك عقوبات مالية قانونية”.
وأضاف: “يجب أن تعاني الحكومة السعودية من عواقب وخيمة طالما بقي في الحكومة”.
رضوخ لدعوات المحاسبة أم خطوة تكتيكية:
بعد كل دعوات المحاسبة تلك، يبدو أن الإدارة الأمريكية قد هالها ردات الفعل تلك كلها، فجاء إعلان الرئيس الأمريكي “جو بايدن”، بأن إدارته ستصدر إعلانا الإثنين المقبل، عن السعودية.
وجاء ذلك ردًا على سؤال بشأن معاقبة ولي العهد، قال “بايدن”: “سيكون هناك إعلان يوم الإثنين، بشأن ما سنفعله مع السعودية بوجه عام”، دون أن يقدم “بايدن” أي تفاصيل حول الإعلان المرتقب.
وهذه هي المرة الثانية، التي يقول فيها “بايدن”، إن واشنطن ستعلن تغييرات كبيرة في العلاقات الأمريكية السعودية، الإثنين.
ففي مقابلة مع شبكة “Univision” التلفزيونية الأمريكية الناطقة بالإسبانية، كشف “بايدن” أنه أبلغ العاهل السعودي الملك “سلمان بن عبد العزيز”، أن الولايات المتحدة ستحاسب السعودية على انتهاكات حقوق الإنسان.
وردًا على سؤال بخصوص تقرير المخابرات الأمريكية حول مقتل الصحفي “جمال خاشقجي”، وإلى أي مدى تستعد واشنطن للضغط على ولي العهد الأمير “محمد بن سلمان” في السعودية للامتثال لحقوق الإنسان، صرح “بايدن”: “لقد تحدثت إلى الملك أمس وليس الأمير.. لقد أوضحت له أن القواعد تتغير”.
وتابع الرئيس الأمريكي قائلا: “نحن نحاول القيام بذلك في جميع أنحاء العالم، ولكن بشكل خاص هنا.. كان هذا التقرير هناك، ولم تنشره الإدارة الأخيرة.. فور دخولي وجدنا التقرير.. قرأناه.. حصلنا عليه ونشرناه.. نشرناه اليوم.. وما حدث يعد شائنا”.
قرصة أذن:
وخلاصة الأمر أنه لن يتعدى سوى “قرصة أذن” للنظام السعودي لكي لا يتعدى الخطوط الحمراء التي رسمها العالم في التعامل مع المعارضين، وأن أي سلوك أرعن من “ابن سلمان” سيقابل بعد ذلك بما يناسبه من العقوبات.
وهذا ما أكد عليه الزميل المشارك في مؤسسة “تشاتام هاوس” البحثية “نيل كويليام”، من أن التقرير يشكل “طقطقة قوية لمفاصل الأصابع” ولكن حتى مع العلاقات الأكثر رسمية، ستظل واشنطن المزود الرئيسي للدفاع والأمن في المملكة، يعود التحالف إلى عام 1945، عندما التقى الرئيس “فرانكلين روزفلت” العاهل السعودي الملك “عبد العزيز بن سعود” على متن سفينة تابعة للبحرية الأمريكية ووعد بالحماية العسكرية مقابل الوصول إلى احتياطيات النفط السعودية.
وقال دبلوماسي غربي في الخليج ببساطة: “المصالح المشتركة لن تكون في خطر”.
من جانبها، قالت المحللة في معهد الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن “فارشا كودوفايور” إن “هذه ليست الضربة ضد السعودية التي أمل بها الكثيرون”.
وقالت “كودوفايور” إن ما حدث يؤشر إلى أن “موقف بايدن بشكل عام حول السعودية هو وضع القيم في قلب السياسة الأمريكية الخارجية والتأكيد على حقوق الإنسان والتراجع عن نهج المساومة في السنوات الأربع الأخيرة (في إدارة ترامب)- مع الحفاظ على العلاقة”.
بينما ترى “كريستين ديوان” من معهد دول الخليج العربية في واشنطن أن “فريق بايدن للسياسة الخارجية يتألف من خبراء متمرسين وليسوا ساذجين لدرجة الاعتقاد بأنه يمكنهم تحقيق أهدافهم في الشرق الأوسط دون التعامل مع الدولة السعودية التي لا تزال ممسكة بزمام النفط والأمن في الخليج حتى ولو بطريقة أقل شمولية”.
وبحسب ديوان فإنه “لهذا السبب، استبعدوا فرض عقوبات على محمد بن سلمان ما يترك مساحة للتعامل مع الدولة السعودية وقيادتها العليا”.
وهذا ما شددت عليه شبكة “سي إن إن” الأمريكية الإخبارية أن معاقبة ابن سلمان لم تكن مطروحة، وأن الإدارة لم تطلب من وزارة الخارجية وضع خيارات لكيفية استهداف محمد بن سلمان بالعقوبات.
وقالت الشبكة؛ إنه على الرغم من وعده بمعاقبة كبار القادة السعوديين في أثناء حملته الانتخابية، رفض الرئيس جو بايدن فرض عقوبات على الشخص الذي حدد مجتمع المخابرات الأمريكية أنه مسؤول عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي: ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وأضافت أن عدم معاقبة الأمير محمد مباشرة يظهر صعوبة الانفصال عن حليف مزعج في منطقة مضطربة.
وكشفت الشبكة أن معاقبة ابن سلمان لم تكن مطروحة أبدا، لدرجة أن الإدارة لم تطلب من وزارة الخارجية وضع خيارات لكيفية استهداف محمد بن سلمان بالعقوبات.
ونقلت عن مسؤولين في الإدارة قولهما؛ إن معاقبة محمد بن سلمان لم تكن أبدا خيارا حقيقيا، حيث إنها يمكن أن تعرض المصالح العسكرية الأمريكية للخطر في المملكة العربية السعودية.