خاص: أثار قرار مجلس الوزراء السعودي، في 17 مارس/آذار الماضي، باعتماد نظام الخصخصة في المملكة، الذي يهدف إلى تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص وإلى تحرير الأصول الحكومية أمام القطاع الخاص، جدلاً واسع النطاق بين المواطنين السعوديين بشأن مستقبل الخدمات الحيوية التي تقدمها الدولة لمواطنيها في معظم دول العالم.
وكان مجلس الوزراء السعودي اتخذ هذا القرار على وجه عاجل بعد تضرر المملكة -التي تعد أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم-، من جائحة “كورونا”، وأثرها المأساوي على الاقتصاد السعودي.
ورغم أن الخصخصة تعد أحد البرامج ضمن 12 برنامجًا يتضمنها برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي أعلنته السعودية عام 2016 ضمن رؤيتها المستقبلية 2030 الهادفة لخفض الاعتماد على النفط، وتعزيز الإيرادات غير النفطية، إلا أن تسارع وتيرتها أوجد نوع من القلق لدى المواطن السعودي.
خصخصة مطاحن الدقيق:
في أواخر أبريل/نيسان الماضي، أعلنت السعودية، الثلاثاء، اكتمال خصخصة قطاع مطاحن الدقيق لديها، بعد الانتهاء من المرحلة الثانية لها ببيع شركتين.
وقالت المؤسسة العامة للحبوب في المملكة، في بيان، إنها باعت حصة 100% في كل من الشركتين الثانية والرابعة لمطاحن الدقيق، لتكمل بذلك عملية خصخصة سبق الإعلان عنها.
وأضافت المؤسسة أن شركة المطاحن الثانية بيعت مقابل 2.13 مليار ريال (حوالي 568 مليون دولار)، إلى تحالف شركة “أبناء عبد العزيز العجلان للاستثمار التجاري والعقاري، وشركة “الراجحي الدولية للاستثمار”، وشركة “نادك”، وشركة “أولام” العالمية.
وبيعت شركة المطاحن الرابعة مقابل 859 مليون ريال (229 مليون دولار)، إلى تحالف “آلانا الدولية”، وشركة أسواق “عبد الله العثيم” و”الشركة المتحدة لصناعة الأعلاف”.
وفي 9 يوليو/تموز 2020، أنهت السعودية المرحلة الأولى من الخصخصة ببيع الشركتين الأولى والثالثة بقيمة إجمالية 2.78 مليار ريال (740.5 مليون دولار).
ومنتصف الشهر نفسه، قالت المؤسسة العامة للحبوب إنها بدأت المرحلة الثانية من خصخصة مطاحن الدقيق الأربعة التابعة لها، وتشمل الشركتين الثانية والرابعة.
وبهذا التطور، تكون المملكة قد باعت شركاتها الأربع لمطاحن الدقيق في إطار خطة (رؤية 2030) الرامية لتقليل اعتماد اقتصادها على النفط.
وتعد السعودية من أكبر مستوردي القمح والشعير في العالم، ولكن رغم ذلك لم تثر هذه الخطوات قلق المواطنين مثلما أثارت الخطوات التي تليها.
خصخصة قطاع الخدمات الحيوية:
وزير المالية السعودي “محمد الجدعان”، أكد أن بيانات يوليو/تموز 2020 الخاصة بالاقتصاد السعودي تبشر بتعاف اقتصادي، لكن ما زال هناك الكثير من الضبابية، مضيفا أن وتيرة انكماش اقتصاد السعودية ستقل على الأرجح عن نسبة 6.8% التي توقعها صندوق النقد الدولي، وأن المملكة ستدرس بيع أصول في قطاعات لم تكن تدرس خصخصتها من قبل.
وصرح “الجدعان” بأن عمليات الخصخصة ستجلب على الأرجح ما يتجاوز 50 مليار دولار في الأعوام الأربعة أو الخمسة المقبلة.
وفي أبريل الجاري، أعلن الرئيس التنفيذي للمركز الوطني للخصخصة في السعودية، ريان نجادي، أن بلاده تستهدف تنفيذ صفقات في قطاع البنية التحتية بقيمة 15 مليار ريال (4 مليارات دولار) مع مستثمرين من القطاع الخاص خلال 2021.
ونقلت وكالة “بلومبرج” الأمريكية، الخميس، عن “نجادي”، قوله إن حكومة بلاده تهدف أيضا إلى استكمال العديد من مبيعات الأصول خلال 2021، رافضاً الكشف عن قيمة مبيعات الأصول، ويعد هذا أكبر حجم لصفقات الخصخصة، منذ تأسيس المركز في 2017.
ويفتح نظام التخصيص باب شراكة بين القطاعين الخاص والعام في ستة عشر مجالا منها الأكثر حيوية مثل الصحة والتعليم والإسكان والنقل والاتصالات وغيرها، ويسمح لرؤوس الأموال السعودية والأجنبية بالاستثمار في هذه القطاعات.
آمال ومخاوف المواطنين:
رأى بعض المواطنين أن خصخصة قطاعات البنية التحتية والخدمات الحيوية سوف يسهم في تحسين تلك الخدمات التي تشهد تدهورًا ملحوظًا، رغم ارتفاع أسعار استهلاكها، منذ قدوم محمد بن سلمان لولاية العهد في 2017.
وبحسب تقرير لموقع “بي.بي.سي العربية”، فإن من المرحبين بالنظام الجديد من يرون فيه “الحل الأمثل” لمكافحة الفساد وإهدار المال، ويعتقدون إنه لن يجعل مكانًا “للكسالى” وغير المنتجين في قطاعات الخدمات.
وهناك من يأمل في أن تمكين القطاع الخاص من مجالات الخدمات سيعني بالضرورة خدمة أفضل للمواطن باعتبار أن تخصيص هذه القطاعات يجعل التنافس قويًا بين مقدمي الخدمات للفوز بالاستثمار. بالإضافة إلى توفير فرص عمل.
بينما يدعم بعض السعوديين القرار لإيمانهم بـ “سداد الرؤية الاقتصادية للقيادة السعودية”!
في حين ترى شريحة كبيرة من المواطنين أن خصخصة هذا القطاع الحيوي في المملكة، سوف يجعل الخدمات فقط لمن يملك المال، خاصة الخدمات الصحية والتعليمية؛ ما يعني بالنسبة للطبقات ذات القدرة المحدودة مزيدًا من الضغط، حتى أن البعض اعتبرها خطوة أخرى نحو تفقير المواطنين والقضاء على الطبقة المتوسطة منهم.
ويبقى أن الأمر بيد الدولة في وضع شروط حاكمة تسمح للمواطنين ذوي القدرات المحدودة بالحصول على الخدمات الحيوية كالصحة والتعليم دون الإضرار بها، خصوصًا أن الوضع الاقتصادي الهش الذي أوصلت له سياسيات “ابن سلمان” أثر بشكل كبير على دخول قطاع كبير من المواطنين، أضف لذلك إلغاء بدل غلاء المعيشة، وزيادة الضرائب بسبب أزمة “كورونا”.
كل ذلك يجب أن يدفع الدولة للوقوف بجانب المواطن بدلاً من وضعه في فوهة المدفع أمام طمع وجشع الشركات الخاصة، ولكن هل ستقوم الحكومة السعودية بذلك الدور؟! أم أنها ستنفض يدها من قطاع الخدمات وتهرب من إخفاقاتها المتوالية فيه؟!