خاص: شغلت الزيارة المفاجئة لرئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، للمملكة العربية السعودية، الأربعاء الماضي، حيزا كبيرا من مساحة تغطية الإعلام العالمي، فالزيارة جاءت بحسب “نيويورك تايمز” في إطار تكثيف البحث عن بدائل للطاقة الروسية، على أمل إقناع منتج النفط بزيادة الإنتاج وتخفيف الضغط على الأسواق العالمية.

ويبدو أن تلك الزيارة أثارت موجة عاصفة من الانتقادات ضد شخص “جونسون”، وللفكر الغربي الذي لا يهمه سوى مصالحه، فهو من الممكن أن يستبدل طاغية بطاغية آخر في سبيل تحقيق مطامعه الشخصية، وهذا هو الحال مع “بوتين” و”ابن سلمان”، فكان للنقاد رأي آخر بشأن جهود “جونسون” لتقليل الاعتماد الغربي على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: الانتقال من ديكتاتور إلى آخر.

 

– مصالح متقاربة:

أوضحت “نيويورك تايمز” في تقريرها أنه مع سعي الأوروبيين لفطم اقتصاداتهم عن إمدادات الوقود الأحفوري الروسي، وصف “جونسون” المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي زارها أيضًا يوم الأربعاء، بأنهما “طرفان دوليان رئيسيان”. قال جونسون قبل مغادرته لندن إن العالم بحاجة إلى “التعامل مع الواقع الجديد” بعد غزو أوكرانيا.

وأضافت الصحيفة أن زيارة رئيس الوزراء البريطاني للسعودية أتت بعد أيام فقط من إعدام البلاد 81 شخصًا، كذلك اشتراك ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، على مقتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018، بحسب تقرير استخباراتي أمريكي .

من ناحيتها، اتهمت أنجيلا راينر، نائبة زعيم حزب العمال المعارض، حكومة السيد جونسون في كلمة لها أمام مجلس العموم البريطاني، بفشل سياسة الطاقة. وقالت إن رئيس الوزراء “انتقل من ديكتاتور إلى آخر في مهمة تسول للأمير السعودي لإنقاذه “، مضيفة أن السيد “جونسون” كان يعتمد على “ديكتاتور قاتل لإبقاء الأضواء مضاءة والمضخات مفتوحة”.

ورد دومينيك راب، نائب رئيس الوزراء، بالقول إن الحكومة أثارت باستمرار مخاوف حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، وفرضت عقوبات على قتلة السيد “خاشقجي”، ولن تسمح أبدًا “بخطوطنا الحمراء الأخلاقية غير واضحة”.

لكن يوم الثلاثاء، أدان كريسبين بلانت، أحد المشرعين التابعين لـ”جونسون”، عمليات الإعدام الأخيرة في المملكة العربية السعودية، وناشد رئيس الوزراء أن يوضح في الرياض “مدى فزع” أصدقاء البلاد.

تمثل دبلوماسية السيد “جونسون” المحمومة المعضلات والعقبات التي يواجهها القادة الغربيون إذا كانوا يأملون في الحد من التأثير الاقتصادي على مواطنيهم من تقليل الاعتماد على الهيدروكربونات الروسية.

وأشارت الصحيفة إلى أنه على الرغم من أن بريطانيا نفسها ليست مستوردًا كبيرًا بشكل خاص للطاقة الروسية، إلا أن الدول الأوروبية الأخرى كذلك – وارتفع سعر النفط والغاز بشكل كبير -، يمكن لكبار المنتجين في الخليج مساعدة اقتصادات أوروبا الغربية بشكل كبير من خلال زيادة إنتاجهم ولكن ليس لديهم أي حافز اقتصادي واضح للقيام بذلك.

كما أنهما ليسا بالضرورة متحالفين دبلوماسياً. فقبل توجهه إلى الرياض، وصل “جونسون” إلى الإمارات العربية المتحدة التي امتنعت مع الصين والهند عن التصويت على قرار للأمم المتحدة يدين الغزو الروسي لأوكرانيا.

بينما انتقدت الحكومة البريطانية انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية – بما في ذلك عمليات الإعدام التي نُفذت خلال عطلة نهاية الأسبوع -، إلا أنها فعلت ذلك بشكل أقل حدة من العديد من البلدان الأخرى.

وذكر التقرير أنه قبل زيارة “جونسون”، قال داونينج ستريت إن رئيس الوزراء سيثير اعتراضات بريطانيا على عقوبة الإعدام مع ولي العهد الأمير “محمد”، لكنه لن يلتزم بفعل الشيء نفسه فيما يتعلق بقتل السيد “خاشقجي”، حيث قلل مسؤولو الحكومة البريطانية من شأن التوقعات بأن الاجتماعات ستسفر عن نتائج فورية، وقدموها، بدلاً من ذلك، كجزء من عملية طويلة المدى.

 

– استبدال ديكتاتور بطاغية:

وحول ذلك التقارب والتهافت الغربي على الرياض من أجل النفط، علق الأمين العام لحزب التجمع الوطني السعودي المعارض بالخارج، عبد الله العودة، إنه على الغرب ألا يحارب الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ويتغاضى عن وجود مجرم حرب آخر في الرياض.

وجاءت تلك التصريحات من “العودة” ردًا على أنباء دراسة السعودية قبول اليوان الصيني بدلًا من الدولارات في مبيعات النفط للصين، وزيارة “جونسون” للرياض، وفق صحيفة وول ستريت جورنال.

ورأى العودة أن الخطوة السعودية “نتيجة الإفلات من العقاب والدكتاتورية”.

وأضاف “رغم صمت الإدارة (الأمريكية) عن أكبر عملية إعدامات جماعية للحكومة السعودية على الإطلاق، تريد الحكومة السعودية المزيد.. التواطؤ في جميع جرائمها”.

وتابع “لا يمكنك محاربة بوتين مع بوتين الصغير (محمد بن سلمان) في الرياض”.

 

والآن الغرب أمام مفارقة سياسية وتاريخية نادرًا ما تتكرر، وهي إما أن يختار الوقوف في صف المبادئ التي يدعي أنه يدافع عنها، أو يقف بجوار مصالحه ويختار الطاغية من أجل نفطه!