خاص: ينظر العالم بأكمله للولايات المتحدة يوم إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية بها، باعتبارها أقوى دولة في العالم، وهي التي تعمل على رسم الكثير من الخطوط في السياسة العالمية، ولكن نظرة النظام السعودي لنتيجة تلك الانتخابات تعد “نظرة مصيرية” لذلك النظام الذي يحكم الآن، بقيادة الشاب ولي العهد، الأمير “محمد بن سلمان”.

فليلة إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة الأمريكية، ستكون بالتأكيد ليلة عصيبة على “ابن سلمان” ومن حوله، فالحال قبل هذه الليلة لن يكون مثلها، في حالة خسارة “ابن سلمان” لداعمه الأقوى في الولايات المتحدة “دونالد ترامب”، لسباق الرئاسة.

لماذا الخوف من “بايدن”؟!

حتى وإن كانت السياسة الأمريكية قائمة على تحقيق مصالحها الخاصة، فحتى هذه القاعدة تسري مع هامش بسيط من الحفاظ على الحريات وحقوق الإنسان مع الدول الحليفة لها، وليس أدل على ذلك من تصريح المنافس الرئاسي الديمقراطي الأمريكي، جو بايدن، بأنه في حالة فوزه سوف يعيد تقييم العلاقات السياسية مع السعودية كحليف إستراتيجي.

لا شك أن تلك التصريحات أقضت مضاجع حكام المملكة، وحرمت عنهم النوم، فلولا الدعم الأمريكي لـ”ابن سلمان” في كثير من القضايا، لكان مصير “ابن سلمان” مجهولا الآن.

فلقد دعم “ترامب” ولي العهد الشاب في حربه باليمن، وأبرم عقود أسلحة ضخمة ومتنوعة رغم رفض الكونجرس الأمريكي ذلك الأمر، ولا ننسى موقف “ترامب” المخزي في قضية “خاشقجي”، حيث أخفى ما توصلت إليه المخابرات المركزية الأمريكية، من أجل حماية حليفه “ابن سلمان”، وتصريحه الأخير بأنه “حمى مؤخرة ابن سلمان”، كان أدق تعبير عما فعله “ترامب” لـ”ابن سلمان”!

المحلل السياسي الأمريكي إيشان ثارور أكد، في مقال له بصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، ونُشر الأربعاء (14 أكتوبر)، أكد أن بايدن تعهد في حال فوزه بالانتخابات بإعادة تقييم العلاقات الأمريكية مع السعودية، مع تأكيده أنه سيصغي لنداءات الكونغرس بوقف الدعم الأمريكي للحرب التي تقودها في اليمن.

وعن تأثير الرجلين قال ثارور: “بايدن وترامب يمثلان مستقبلين متباينين بشكل كبير بالنسبة للنخب السياسية في المنطقة، لا سيما للقيادة بإسرائيل وبعض الدول العربية الغنية بالنفط التي هللت لترامب عندما انقلب على أحد الإنجازات المهمة لسلفه باراك أوباما، فأبطل مشاركة بلاده في الاتفاق النووي مع إيران، وأعاد فرض العقوبات، وواصل سياسة الضغوط القصوى على النظام في طهران”.

مقارنة بين تصريحات “ترامب” و”بايدن”:

لا شك أن التصريحات التي تخرج من المرشحين للرئاسة الأمريكية مهمة في تحديد بوصلة الناخب الأمريكي، وكذا تحديد بوصلة سياسة كل منهما في حالة انتخابه، لذا يهتم المرشحان الأساسيان (الديمقراطي، والجمهوري)، بتلك التصريحات التي تتلقفها وسائل الإعلام هناك، وتبدأ في فحصها وتمحيصها وتحليلها للجمهور الذي سيختار وينتخب.

وبخصوص السعودية كحليف إستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، بعد تراجع الدور المصري بسبب الانقلاب والأوضاع الداخلية هناك، فقد نالت المملكة نصيب الأسد من تصريحات كلاً من “ترامب”، و”بايدن”.

وباستعراض بسيط لتصريحات الطرفين حول السعودية في مجالات متعددة، نجد أن خط “ترامب” السياسي الداعم لـ”ابن سلمان” على طول الخط، وأيًا كانت تصرفاته، لم يتغير وإن بدا أكثر تحفظًا في تعبيراته، بينما على النقيض نجد خطا سياسيا جديدا يرسمه “بايدن” للعلاقة بين المملكة وبلاده.

1- قضية إيران:

كان خط التصعيد مستمرا في تصريحات “ترامب” ضد إيران، وبالتأكيد هو موقف تدعمه الرياض، فنقطة إيران كانت من العوامل التي أدت لترسيخ العلاقة بين “ترامب” و”ابن سلمان”، فوجود حليف لك في منطقة أعدائك، هو شيء رائع لا بد من الحفاظ عليه، لذا دافع “ترامب” عن “ابن سلمان” بكل شراسة رغم الفظاعات التي ارتكبها الأخير.

أما “بايدن”، فقد اعتمد تصريحات “هادئة وغير منفعلة” تجاه إيران، وسط ترجيح مراقبين بأنه سوف يسعى لنزع فتيل الأزمة بين البلدين، مع الحفاظ على المكاسب التي حصلت عليها الولايات المتحدة جراء انسحاب “ترامب” من الاتفاق النووي، وهو بالطبع ما ترفضه الرياض وتقف ضده.

2- قضية “خاشقجي”:

تمسك “ترامب” في تصريحاته بدفاعه المستميت عن ولي العهد السعودي، وأنه مستمر في حماية “مؤخرته”، ولا شك أن تلك الإشارات أدت لإضعاف موقف “ترامب” أمام ناخبيه باعتباره مؤيدا لطاغية قتل وقطع معارض له.

بينما وجه “بايدن” اتهامات مباشرة لـ”ابن سلمان” بأنه المسئول الأول عن قتل “خاشقجي”، وأنه لن يتنازل عن تحقيق العدالة في تلك القضية.

3- حرب اليمن:

اعتمد “ترامب” في تصريحاته على استمرار دعمه لسياسة “ابن سلمان” في اليمن، ما يعني استمرار الحرب هناك، مع توفير الحماية له من الضغط الذي يمارسه الكونجرس الأمريكي لوقف صفقات الأسلحة للسعودية، وهو اتجاه مادي في الأساس ولا علاقة له بالسياسة، فـ”ترامب” يريد ضمان استمرار تدفق المال السعودي من خلال تلك الصفقات المليارية ليس أكثر.

وعلى النقيض من ذلك، جاءت تصريحات “بايدن” التي تهدف لإيجاد حل سياسي للوضع في اليمن، في محاولة لإيقاف التردي بالأوضاع الإنسانية هناك، ما يعني إنهاء الدعم الأمريكي لـ”ابن سلمان” في ذلك الملف، والضغط عليه لإنهائه من خلال وقف صفقات الأسلحة المبرمة معه.

4- حقوق الإنسان في المملكة:

لم يأت الرئيس “ترامب” على ذكر ملف حقوق الإنسان في المملكة بتصريحاته قط، وحتى إذا سئل عنه، كان يرد بدبلوماسية بأن حليفه يدعم هذا الأمر، وقد أحال السعودية من مملكة منغلقة إلى منفتحة من خلال سياساته الإصلاحية، على حد زعمه.

أما “بايدن”، ففي كل مناسبة كان يؤكد على أهمية هذا الملف في علاقاته مع السعودية، وهو ما يزعج “ابن سلمان”، فقد دعا “بايدن” لوقف المحاكمات ضد الناشطات المعتقلات في السعودية وإطلاق سراحهن، وإطلاق سراح المعارضين، وكذلك تطرق أكثر من مرة لقضية “الجبري”، وسياسة الاغتيالات التي يتبعها النظام السعودي خارج أراضيه، مشددًا على أنه لن يسمح بذلك في حال فوزه، وكذلك ألمح إلى وضع الأمراء المعتقلين بالمملكة ووضعهم الإنساني.

لا شك أن الصراع نحو البيت الأبيض لن يكون داخل الولايات المتحدة فقط، ولكنه يمتد إلى دول العالم كلها، وتحديدًا السعودية، ولكن لا يعني في النهاية فوز “بايدن” بأن الأمور ستتجه للأفضل في السعودية، ولكن سيكون هناك بارقة أمل لوقف المزيد من الانتهاكات التي يرتكبها نظام “ابن سلمان” ضد أبناء المملكة بالداخل والخارج.