قال مسؤول سعودي شاب في الرياض، إن “ولي العهد عبارة عن قطار فائق السرعة يخوض طريقا وعرا وهو بالكاد يعرف مساره، ونحن لا نعرف بالضبط أين سينتهي الأمر، أو إذا كنا نريد الذهاب إلى هناك. لكننا نعرف أن لدينا خيارين فقط: إما ترك القطار والبقاء في العراء، أو التمسك بالرحلة والدعاء من أجل الوصول بسلام”.

يقود ولي العهد “محمد بن سلمان” المجتمع السعودي خلال فترة من التغيرات السريعة، ويعد الاقتصاد هو محور إصلاحاته، لكن سياساته تسرع من التغييرات الاجتماعية العميقة التي كانت جارية بالفعل في المملكة.

وتعمل هذه التحولات، بحسب تقرير “ويل تودمان” الذي ترجمه “الخليج الجديد” عن “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”، على تغيير الالتزامات الاجتماعية للسعوديين وولائهم وكيفية ارتباطهم ببعضهم البعض.

وعلى الرغم من أن الهويات القبلية تظل بارزة لدى العديد من السعوديين، إلا أنها تعرضت لتحولٍ كبير، حيث تم إضعاف علاقات القرابة في الأعوام الأخيرة؛ “لأن الدولة مارست قوة أكبر في الحياة الاجتماعية للسعوديين”.

 

إضعاف شبكات القرابة

وأعاد الاقتصاد المتغير تشكيل شبكات القرابة في المملكة، وسمحت الطفرة في أسعار النفط بين عامي 2003 و2013 للدولة بزيادة الإنفاق العام بشكل كبير، فيما أدت الزيادة السريعة في الرفاهية، جنبا إلى جنب مع محاولات الدولة لصناعة مراكز بديلة للسلطة، إلى تقليل اعتماد السعوديين على شبكات القرابة مثل الأسرة والقبيلة.

ورغم أن الحكومة شجعت المواطنين السعوديين على ترشيد استهلاكهم الاقتصادي وخفضت المساعدات، لم تتمكن شبكات القرابة التقليدية من استئناف دورها السابق.

وساهم سباق التحضر في إضعاف شبكات القرابة والعلاقات المجتمعية في المملكة، وقد اعتادت العديد من العائلات الممتدة العيش معا في مجمعات كبيرة على قطع من الأرض خارج المدن الكبرى وفرتها الحكومة.

لكن، بينما كان 4 من كل 5 سعوديين يعيشون في المناطق الريفية عام 1950، فإن النسبة أصبحت 1 من بين كل 6 اليوم. ومع وجود عدد أكبر من السعوديين الذين يعيشون في المدن، أصبحت العقارات في المناطق الحضرية باهظة الثمن، بحيث باتت المجمعات العائلية الآن رفاهية لا يستطيع معظم الناس تحمل تكاليفها.

وأدت سياسات الإسكان الحكومية إلى زيادة تشتت الأسر، ونتيجة لذلك، صار الأقارب يرون بعضهم بعضا بشكل أقل، ولا يشعرون برابط القرابة كما كان في الماضي، فيما أدى التمدن إلى إضعاف الهويات الإقليمية وتآكل التماسك المجتمعي، وأصبحت هناك حالات متزايدة من التزاوج بين أفراد القبائل المختلفة.

وعلى الرغم من أن التكنولوجيا تسهل أشكالا جديدة من التواصل، إلا أن بعض السعوديين قالوا إنها تجعلهم يشعرون بأنهم أقل ارتباطا بأقاربهم. ووصف صحفي سعودي كيف يستخدم جميع أقاربه الهواتف على مائدة العشاء، ولا يتحدثون كما كانوا يفعلون من قبل.

ومع ذلك، تسهل التكنولوجيا تشكيل شبكات جديدة بين السعوديين الذين لم تكن لديهم في السابق فرصة للاختلاط، بما في ذلك الشبكات المهنية، ومجموعات المصالح، والروابط المختلطة بين الجنسين، لكن معظم السعوديين يتفقون على أن هذه الشبكات “المختارة” الجديدة تفتقر إلى الفوائد التي كانت شبكات القرابة تمنحها لأعضائها.

 

دور الدولة

 

وأشار العوديون إلى أنه على الرغم من أن العديد من هذه التغييرات بدأت منذ فترة طويلة، فإن الحكومة أدخلت نفسها بحزم أكبر مؤخرا في مسائل علاقات القرابة.

وعلى الرغم من أن الدولة السعودية لم تحاول استبدال الشبكات القبلية، إلا أنها تكثف جهودها للتحكم فيها بشكل كامل. فعلى سبيل المثال، أصبح تعيين مندوبي وزارة الداخلية في القبائل مسيسا بشكل أكبر، وغالبا ما يتم اختيار منافس لزعيم القبيلة المعترف به.

ولا يخلق هذا فقط مركزا بديلا للسلطة داخل القبيلة موالٍ للحكومة بشكل صريح، ولكنه يضعف أيضا قدرة القبيلة على أن تكون بمثابة مراقب مستقل على السلطة الحكومية.

ووصف بعض السعوديين عودة الهوية القبلية في الأعوام الأخيرة، بأنه يأتي بدافع “التوق إلى الألفة في أوقات الشكوك الكبيرة”؛ لكنهم وافقوا على أن القبائل تفتقر إلى الموارد اللازمة لتوفير الخدمات والحماية لأعضائها كما فعلت من قبل.

وقد تساعد القبائل في المناسبات الخاصة، مثل دعم تكاليف زفاف رجال القبائل الأكثر فقرا، أو إنقاذ الآخرين من السجن، لكنها لم تعد تشكل نفس الأهمية في حياة السعوديين اليومية.

ويدرك السعوديون الحملة القوية التي تقودها الحكومة لإنشاء هوية سعودية وطنية بعدما فقدت الهويات المحلية رونقها، هم يتحدثون عن جهود الدولة لبناء الهوية الوطنية في مقابل الهويات الأخرى، مثل الهوية الإسلامية الأوسع، أو الهويات الإقليمية المحددة.

ويسخر السعوديون إلى حد كبير من الجهود الرامية إلى غرس القومية في المناهج الدراسية بالمدرسة، وقالوا إن الدولة تكافح لتحديد ما يعنيه أن تكون سعوديا وما تتوقعه الدولة من مواطنيها. وقال أحد البدو إن الدولة تتعامل مع مواطنيها كمواطنين، أي أنها تتوقع منهم أن يؤدوا واجباتهم وأن يظلوا مخلصين للدولة، لكن الدولة لا تتحمل مسؤوليتهم.

وأدت البيئة السياسية الاستبدادية المتزايدة إلى إضعاف شبكات الدعم التقليدية وغيرت الحوافز الدافعة للسعوديين وخياراتهم. وحل الخوف المتزايد من القمع محل مفاهيم الثقة وتوقعات المساعدة من الأسرة أو الأصدقاء في حالات الاحتكاك مع الدولة. وقال ناشط سعودي إنه لم يعد يتوقع أن تقدم أسرته أو أصدقاؤه المساعدة إذا تم القبض عليه، لأن المخاطر التي يتعرضون لها ستكون كبيرة للغاية. وتعني هذه البيئة السياسية الجديدة أن الأفراد لم يعودوا يشعرون بالثقة في التزامات أقاربهم تجاههم، مما يغير طبيعة تلك العلاقات.

 

ثورة اجتماعية

ومع ذلك، لا ينبغي المبالغة في تقدير تغيير العلاقات الاجتماعية في المملكة، فلا تزال الأسرة هي الوحدة الأساسية للمجتمع، ولا يزال الشباب يشعرون بواجب كبير تجاه آبائهم وأقاربهم، ويقول شاب سعودي إن الشباب ما زالوا غير قادرين على رفض الزيجات المخطط لها أسريا، لكن يمكنهم فقط تأخيرها.

ويعد عدد السعوديين الذين يعودون إلى المملكة بعد الانتهاء من دراستهم في الخارج، شهادة على القيمة الدائمة للعلاقات الأسرية ورغبة في العيش بالقرب من أقربائهم.

وفي حين أن إنشاء شبكات “منتقاة” جديدة مع أقران متشابهين في التفكير يعد أمرا مرغوبا فيه بالنسبة للعديد من الشباب السعودي، يتفق الأشخاص الذين أجريت معهم مقابلات على أن هذه الشبكات تفتقر إلى الموارد اللازمة لتحل محل شبكات القرابة.

وعلى الرغم من أن الاتجاهات الطويلة قد قلصت من أهمية روابط القرابة، إلا أن السعوديين أكدوا على أن المملكة لا تزال دولة محافظة بشدة، وأن شبكات القرابة لا تزال تحاول مساعدة بلدها عندما تستطيع.

لكن السعوديين يرون أن إصلاحات “بن سلمان” تقوض وتضعف الكثير من تلك الشبكات، ويقولون إن الحكومة لا بد أن تساعد المجتمع على التكيف مع هذه الإصلاحات الصعبة، لكنها حتى الآن لا تقوم بدورها في ذلك.