عندما أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رؤية لتحديث السعودية، المعروفة بـ”رؤية 2030″، في عام 2016، بدا واثقًا من أن بلاده لديها كل ما تحتاجه لإنشاء اقتصاد صناعي تنافسي ومستدام.
وبالرغم من أن الأمير أعرب عن ثقته في أن المواهب السعودية الشابة الطموحة يمكن أن تحقق الإنجاز الكبير. وقدر أنه في عام 2035 سيرتفع عدد المصانع في السعودية إلى 36 ألفًا واستمر في القول بأن السعودية تستطيع، فقد أدرك أن التنمية الاقتصادية السعودية كانت بعيدة المنال، وفقا لتحليل “هلال خشان”، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في بيروت، في مقاله الذي نشره موقع “جيوبوليتيكال فيوتشرز”.
ووفقا لخشان، تطلبت السعودية الجديدة التي أراد ولي العهد السعودي أن يبنيها من المجتمع نبذ التطرف، وتخليص اقتصادها من الاعتماد على النفط، وبناء علاقات دولية متوازنة، وإطلاق العنان لمواهب المجتمع، والقضاء على الفساد.
ولكن بدلا من محاربة الفساد، تم إعطاؤه فرصا جديدة،. وبدلاً من تعزيز القيم المجتمعية الجديدة، استبعدت خطة ولي العهد الأفكار التي من شأنها أن تفضي إلى الحداثة.
ويضيف خشان أن رؤية 2030، بما في ذلك مدينة نيوم على البحر الأحمر التي لم يتم بناؤها بعد، “تعيش فقط في مخيلة محمد بن سلمان”، على حد وصفه.
البيروقراطية والفساد
يشير المقال إلى أن البيروقراطية في السعودية تضخمت بسبب المحسوبية، وتوسعت بشكل غير عقلاني. ولم تكن الآثار ملموسة على الفور اقتصاديًا أو اجتماعيًا لأن البيروقراطية لا تزال قادرة على استيعاب المزيد من المواطنين، ويمكن أن تغطي الثروة النفطية النفقات المهدرة التي ليس لها ضرورة اقتصادية أو إدارية. وكان هذا التوسع البيروقراطي أحد أكثر “الرشوات الاجتماعية” انتشارًا في القرن العشرين.
خلال هذه الفترة، نفذت الدولة مشاريع تنموية ذات دوافع سياسية كالمدارس والمستشفيات والطرق والجسور، وكثير منها كان عشوائيًا ومهدرا للموارد.
ويتابع خشان بالقول إن البيروقراطية تضخمت وشكلت مراكز قوة حول المسؤولين الحكوميين من المستوى المتوسط الذين دخلوا سوق العمل الخاص من خلال إنشاء الشركات، مستفيدين من علاقاتهم مع الأمراء البارزين للفوز بالعقود والمناقصات.
ويستطرد أنه في عام 2017، عندما أدرك بن سلمان أن عددًا أكبر من أقاربه عارضوا تنصيبه ملكًا أكثر مما كان يعتقد، تحرك ضد العديدين منهم بحجة الفساد المالي وسرقة أموال الدولة. وكانت فكرة اعتقال الأمراء المترددين في دعمه هي تحذيرهم من عواقب معارضتهم، فيما لم تكن حملة مكافحة الفساد أكثر من أداة لتصفية الحسابات وذلك لأنها شهدت تسترا على فساد بعض الأمراء المخلصين واستهدافا لآخرين بشكل انتقائي.
ولا يزال الفساد يمثل مشكلة خطيرة، بحسب المقال، لأنه متأصل في هيكلية للبيروقراطية السعودية الجامدة، وبالتالي بات يتخذ شكلا مؤسسيا.
وهنا فإن المخاطرة بحرب الفساد تعني استعداء فئات المستفيدين التي نمت عبر عقود، وإذا اختار ولي العهد عدم إصلاح القطاع العام للحفاظ على سلطته، فسيصبح من المستحيل عليه تنفيذ أهدافه الاقتصادية “المثيرة للجدل”.
قيم قديمة
ويلفت المقال إلى أن المجتمع السعودي يعاني من انقسامات قبلية وطائفية ومناطقية حادة، عززتها الدولة من خلال حظر كل المساحات التي توحد الناس، كالنقابات والأحزاب والتظاهرات. وبدلاً من التعامل مع المواطنين، تتعامل الدولة مع رؤساء القبائل أو وجهاء المنطقة.
وعلى الرغم من الانقسامات الإقليمية العميقة لم تستثمر الحكومة في بناء الدولة ولم تحدد هوية وطنية. على العكس من ذلك، فقد رسخت الانقسامات من خلال الاعتماد على العائلات السنية البارزة في نجد والحجاز مع استبعاد المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية.
ويقول خشان إن سياسات الحكومة لم تروج لقيمة العمل الجاد بين السعوديين وبالرغم من دعمها السطحي للتدريب التقني والمهني، كانت الحكومة بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتوجيه الشباب نحو مهن منتجة. وقد تسبب النفور من العمل اليدوي في ترسيخ الاعتماد الدائم على العمالة الوافدة وإدامة الاحتقار الاجتماعي التقليدي للعمالة الماهرة وشبه الماهرة. هذا وعززت سياسات الرفاهية الحكومية السلوك الاستهلاكي المفرط وتغاضت عن النزعة الشوفينية تجاه العمال المغتربين.
ويؤكد المقال أنه لا يمكن أن تحدث التنمية على حساب المعتقدات الدينية الراسخة في الضمير الشعبي أو في السياسات الرسمية لأن السعودية تتحمل مسؤولية دائمة تجاه المسجد الحرام في مكة المكرمة.
وأدى الاقتصاد الذي ظهر خلال الطفرة النفطية لخلق قطاع خاص ديناميكي فطم نفسه عن الاعتماد على العقود الحكومية، وأنتج القطاع الخاص، بدوره، برجوازية محلية، وليست وطنية، لأنه وقف ضد كل محاولات توظيف القوى العاملة السعودية، واختار بدلاً من ذلك العمالة الأجنبية. وتقوم طبقة رجال الأعمال بتقليد نموذج السياسات الاجتماعية للدولة في إنتاج أجيال من الشباب بدون مهارات، وتعميق المشكلة الديموغرافية، وإدامة القيم التي زرعتها الدولة خلال فترة الازدهار.
ويشير خشان إلى أنه بالرغم من أن العديد من الشباب السعودي يدعمون سياسات ولي العهد محمد بن سلمان، فإن الحماس له سيهدأ ما لم يلعب هؤلاء الشباب دورًا في تحديد مستقبل المملكة. ولكت بدلاً من أن يكونوا محفزات للتغيير، يتم تحييد هؤلاء العمال الجدد من خلال غياب منظمات المجتمع المدني الطوعية، التي تُجبر على العمل من خلال نظام المحسوبية الحالي.
ويعتقد محمد بن سلمان أن تبني الديمقراطية كنظام حكم سيؤدي إلى انهيار المملكة، وأنها تصطدم بالمجتمع القبلي السعودي وثقافته التقليدية وتوجهه الإسلامي، الذي يعتبر، وفقًا للعقيدة الوهابية التي تتبناها المملكة العربية السعودية، الديمقراطية “هرطقة”، بحسب خشان.
التحديات المقبلة
ويرى خشان أن كل هذا يعني أنه بالرغم من الدعاية، فإن محمد بن سلمان من المحتمل ألا يتمكن من تحقيق ما يريد، رغم خطاباته المتفائلة.
ويذكّر المقال أن مكونات رؤية 2030 تداولها كبار المسؤولين السعوديين قبل 4 عقود، وهي التركيز على حقبة ما بعد النفط، وتنويع مصادر الدخل، وتشجيع الاستثمارات، وضرورة التقشف، وإنهاء حالة الرفاهية العشوائية، ومعالجة البطالة، وخلق قوة عاملة محلية ماهرة.
وسيكون تنفيذ خطة تطوير الأمير محمد بن سلمان التي تعتمد على نمو القطاع الخاص النشط وإيجاد مصادر جديدة لإيرادات الدولة من خلال الضرائب والرسوم، أمرًا صعبًا حيث يحتاج مشروعه التنموي الاقتصادي إلى معالجة موضوع المشاركة السياسية في إطار عقد اجتماعي جديد.
وقد يكون مشروع نيوم تحديدا الدليل الأوضح على حجم التحديات المقبلة، ويتفق العديد من المراقبين على أنه رهان بقيمة 500 مليار دولار لبناء مدينة في الصحراء. ويعتقد البعض الآخر أنها ليست أكثر من مجرد محاولة لتلميع صورة ولي العهد وصرف الانتباه عن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.
ويعتقد الكاتب أن ضخامة الأهداف الإنمائية لولي العهد السعودي بحلول عام 2030، بما في ذلك التحرر المؤلم من النفط، تمثل تحديًا لمصداقيته، خاصة بالنظر إلى أسلوب حياته المرفه والبذخ، ومقتنياته باهظة الثمن، فهو يمتلك العديد من الشركات والكثير من العقارات في الخارج، بما في ذلك قصر لويس الخامس عشر (300 مليون دولار)، ويخت فاخر ضخم (320 مليون دولار) ولوحة منقذ العالم لليوناردو دافنشي (450 مليون دولار).