يعد عزل القائد العسكري السعودي الأمير “فهد بن تركي” هو الأحدث في سلسلة عمليات التطهير والتي وصل عددها إلى 5 عمليات كبرى على الأقل منذ وصول الأمير “محمد بن سلمان” إلى السلطة كولي للعهد.
بدأ الأمر بحملة اعتقالات لعدد من الدعاة والأكاديميين والمثقفين. ثم جرى القبض على أكثر من 300 من رجال الأعمال والعائلة المالكة واحتجازهم في فندق “ريتز كارلتون”.
ولاحقا تم تنفيذ حملة ضد الناشطات ومحاميات حقوق الإنسان. كما تم اعتقال قيادات هيئة البيعة و300 موظف حكومي. وفي الأسبوع الماضي تم عزل الأمير “فهد بن تركي” القائد العام للقوات السعودية المشتركة ونجله.
وأصبحت عمليات التطهير سمة دائمة من سمات حكم الأمير المصاب بجنون العظمة.
وصنع “بن سلمان” أعداء من العديد من أبناء عمومته وارتكب العديد من الأخطاء لدرجة أن المملكة أصبحت اليوم أضعف عسكريًا واقتصاديًا من أي وقت مضى في تاريخها الحديث. حيث ضعفت هيبتها الإقليمية.
أولى “بن سلمان” اهتمامًا خاصًا لخطوط للمنافسين المحتملين الذين قد يرون أن لهم حق شرعي في العرش.
ويعتبر مصدر القلق الرئيسي لـ”بن سلمان” هم أبناء السديريين السبعة (أبناد الملك عبدالعزيز من حصة السديري الذي اعتبر سلمان أحدهم) وأبناء الملك الراحل “عبدالله” الذين يقبع 3 منهم في المعتقل الآن.
كان “بن تركي” في مرمى “بن سلمان” باعتباره آخر أبناء السديريين ذوي الأهمية العسكرية والذين طردوا من مناصبهم. أما العضوان الآخران من هذا الخط، فهما شقيق “سلمان” الأمير “أحمد” وابن أخيه “محمد بن نايف”، وكلاهما رهن الاعتقال، وكانا هدفين لعمليات تطهير سابقة.
ولكن إذا لم يكن ذلك كافيًا، فإن “عبير” زوجة “بن تركي” هي أيضًا ابنة الملك الراحل “عبدالله”. و”عبير” هي والدة الأمير “عبدالعزيز بن فهد بن تركي”، الذي أقيل من منصبه كنائب لأمير منطقة الجوف.
وكانت “عبير” نشطة على وسائل التواصل الاجتماعي وترأست المنظمة العربية للسلامة المرورية وأطلقت جائزة الشراكة المجتمعية باسمها.
واحتفظ “بن سلمان” ببعض “السديريين” مثل “عبدالعزيز بن سعود بن نايف”، حفيد الأمير “نايف”، والذي جرى تعيينه وزيراً للداخلية. وبحسب بعض التقارير، ربما يكون قد احتُجز أثناء عمليات التطهير هذه.
كما احتفظ بعض أبناء وأحفاد “سلطان” شقيق “سلمان” ببعض النفوذ، حيث احتفظ “فيصل بن خالد بن سلطان” و”فهد بن سلطان” بولايتين بينما حصلت “ريما ابنة بندر بن سلطان” على وظيفة السفيرة في واشنطن.
لكن بشكل عام، فإن العشيرة السديرية جري تقويضها بشكل كبير. ففي عهد الملك “فهد”، سيطر هذا الخط من الأسرة على المراكز العسكرية والاستخباراتية.
ولا تعد عشيرة “عبدالله” أفضل حالاً. فلا يزال “تركي بن عبدالله” رهن الاعتقال منذ حملة “ريتز كارلتون” منذ نحو 3 سنوات. وكانت هناك دعوات على وسائل التواصل الاجتماعي للإفراج عنه فيما أعيد اعتقال شقيقيه “فيصل” و”مشعل” بحسب بعض التقارير.
كان لـ”بن سلمان” أسباب أخرى للخوف من “فهد بن تركي” فقد كان جنديًا محترفًا وقائدًا شعبيًا للقوات البرية وكان معروفًا بالتواضع. وهو الأمر الذي يظهر ازدراء ولي العهد للجيش بشكل أكبر.
بدأت الحرب ضد الحوثيين في اليمن بعد فترة وجيزة من تولي الملك “سلمان” العرش في يناير/كانون الثاني 2015. وكان من المفترض أن تشير الضربة الخاطفة إلى بدء سياسة خارجية أكثر نشاطا من قبل المملكة.
ولكن بعد مرور 5 سنوات، أصبح مشروع ولي العهد السعودي متعثرًا ويكلف مليار دولار شهريًا. ولا يزال الحوثيون في صنعاء قادرين على إطلاق صواريخ تصل إلى الرياض ومكة ومساحات شاسعة من الأراضي السعودية. وقد تم تقسيم جنوب اليمن فعليًا من قبل القوات الموالية لأبو ظبي.
من المعروف أن “فهد بن تركي” اشتبك مع “بن سلمان” بشأن استيلاء الإمارات على جزيرة سقطرى الاستراتيجية وسقوط عدن لصالح القوات الموالية للإمارات.
يتجه “بن سلمان” وشقيقه “خالد” نحو مخرج دبلوماسي، دون الاعتراف بالهزيمة، ولكن وجود الحوثيين في العاصمة ومقر الحكومة في اليمن يدل على خلاف ذلك.
إذا كانت هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة على أن ولي عهد أبوظبي، “محمد بن زايد”، له نفوذ أكبر على وزير الدفاع السعودي من كبار جنرالاته، فلا يمكن أن تكون هناك إشارة أقوى من إقالة “فهد بن تركي”.
أبلغتني مصادر سعودية أن “فهد بن تركي” بدأ أيضًا في التحدث إلى الجنرالات المتقاعدين حول عدم رضاه. من المستحيل معرفة المدى الذي وصل إليه هذا الأمر أو ما إذا كانت شبكة المراقبة الشاملة التابعة لـ”بن سلمان” قد التقطت هذا النشاط.
إن الرسالة التي ترسلها عمليات التطهير المستمرة هذه هي رسالة خاطئة. يحتاج ولي العهد إلى تقديم صورة مملكة مستقرة تحت سيطرته الكاملة، لاسيما في وقت تتعرض فيه السعودية لضغوط من جانب كبار داعميها، الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” وصهره والمستشار الخاص “جاريد كوشنر”، لتطبيع العلاقات مع (إسرائيل).
ويريد “بن سلمان” تجنب ظهور علامات الضعف والفوضى. إذا سادت الفوضى، فإن الصفقة معه وحده لا تستحق الحبر الذي تكتب به، لأنها لن تحصل على تأييد من بقية أفراد العائلة المالكة.
ويعلم رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” بالتأكيد أنه إذا تم إسقاط “بن سلمان”، فستضيع كل جهود (إسرائيل) لجعل المملكة تتماشى مع السياسة الإسرائيلية.
وسواء كان “فهد” يمثل تهديدًا حقيقيًا، أو ما إذا كان الجنرال ضحية لنوبة أخرى من نوبات جنون العظمة لدى ولي العهد في منتصف الليل، فلا فرق كبير. إن الإشارة التي ترسلها عملية التعامل معه هي انعدام الأمن الدائم على أعلى مستويات العائلة المالكة.
ويتجسد انعدام الأمن الدائم في “بن سلمان” نفسه، حيث يعمل طوال الليل، ويتآمر، ويشتبه، ويهاجم، دون التفكير في العواقب.
ولا تزال عملية التطهير التي بدأت الأسبوع الماضي مستمرة. حيث تم القبض على المزيد من علماء المسلمين، بما في ذلك الشيخ “عبد الله بصفر”.
لا يمكن لـ”بن سلمان” أن ينام بسلام وهذه هي مشكلته. أما مشكلة المملكة أنها لن تتمتع بالاستقرار في ظل حكمه.