د. صالح النجدي
خاص: لم يعد التقارب السعودي الصهيوني -في إطار ما بات يعرف بصفقة القرن- سراً يحتاج إلى التغلغل في دهاليز السياسة والدبلوماسية لكشفه وتأكيده، فنظرة سريعة في عناوين الأخبار الإقليمية والدولية خلال السنوات القليلة التي جاءت بابن سلمان على رأس الهرم السياسي السعودي، كفيلة بفضح هذا الارتماء البائس في أحضان هذا الكيان الصهيوني والهرولة المحمومة من ابن سلمان للتطبيع معه خارج إطار المنظومة العربية الرسمية.
وهاهنا عينة قليلة فقط من عناوين هذه الأخبار:
- وزير الاتصالات الإسرائيلي “أيوب قرا” يرحب بتعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد ويعرب عن أمله في أن يساهم ذلك في تسريع التقارب بين المملكة وإسرائيل.
- محادثات سعودية إسرائيلية لإقامة علاقات تجارية لأول مرة في التاريخ.
- ابن سلمان: لدينا الكثير من المصالح المشتركة مع إسرائيل.
- ابن سلمان: لإسرائيل الحق في العيش بسلام على أراضيها.
- صحيفة كالكيلست الاقتصادية الإسرائيلية: اجتماع مطول جمع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع الملياردير الإسرائيلي حاييم سابان الذي قالت الصحيفة: إنه يعد أكبر المتبرعين للجيش الإسرائيلي.
- الإعلام الإسرائيلي يكشف عن وثيقة سرية لوزارة الخارجية الإسرائيلية عن معلومات تحسم الجدل حول التطبيع بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.
- صحيفة سعودية تجري حواراً “مثيراً” مع حاخام يهودي.
- اسرائيل تطمح لإنشاء شبكة سكة حديد تربطها بالسعودية.
- وزير الاستخبارات والمواصلات “يسرائيل كاتس” في حوار مع موقع إيلاف السعودي يطلب من الملك السعودي دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو رسمياً إلى الرياض، وطلب من ولي العهد محمد بن سلمان زيارة إسرائيل.
وتطول قائمة الخطوات الانبطاحية لولي العهد السعودي الذي أسلم قياده للصهيوني جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي ترامب ومهندس صفعة القرن المشؤومة.
ومن يكن الغراب له دليلاً *** يمر به على جيف الكلاب
وحين لم تجد سياسة الإنكار، طفق الإعلام السعودي بوسائله المحلية المهترئة وأبواقه المأجورة في الخارج إلى محاولة يائسة لإضفاء نزعة عقلانية على هذا التقارب وهذا التماهي مع الصفقة، أو مع ما ظهر من معالمها حتى الآن، وأنه جاء رداً على التغول والتغلغل الإيراني في المنطقة وما يشكله من خطر على منطقة الخليج وعلى السعودية على وجه التحديد.
ورغم أن ابن سلمان فعلاً يحاول عبثاً دفع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لخوض حرب بالوكالة عنه لتدمير إيران أو على الأقل لتحجيم نفوذها في المنطقة، إلا أن محاولاته الساذجة وأمواله الطائلة التي دفعها لإمبراطور البيت الأبيض المتصهين -بعد أن سلبها من قوت المواطنين وعرق المقيمين بما فرضه من ضرائب ورسوم- لم تجد شيئاً، لأنه مع الأسف لضحالة ثقافته وفهمه للعلاقات الدولية، وحداثة تجربته السياسية، و”شللية” دائرته الاستشارية -التي تحسن فقط تقطيع أجساد المعارضين بالمناشير- لم يدرك أن إيران في النهاية حليفةً للشيطان الأكبر ولإسرائيل، وإن هتفت حناجر قطعانها بموتهما.
كما أن ذاكرته التاريخية لم تسعفه ليدرك أن مشروع إيران التوسعي في المنطقة العربية صنع على أعين أمريكا وإسرائيل، وأن الذي دمر أعداء إيران من شرقها ومن غربها، أفغانستان طالبان وعراق صدام، لن يدمرها قطعاً، بل سيبقيها فزاعة يحلبون بها أموال عربان الخليج، ويقضون بها على التيارات والمشاريع السنية في المنطقة.
وما يراه المراقبون المستقلون هو أن تقرّب ابن سلمان للدولة الصهيونية يتعدى في حقيقته هدف تحجيم النفوذ الإيراني ودرء الخطر الصفوي، إلى الهدف الأهم لهذه الهرولة البلهاء نحو التطبيع الرخيص مع هذا الكيان الغاصب، وهو نتاج طبيعي لوسوسة شيطان المنطقة الأكبر محمد بن زايد وملهمه الصهيوني محمد دحلان، بأن الطريق إلى العرش السعودي يمر بتل أبيب ليس إلا. وأنه في ظل الصراع المحتدم على السلطة في الرياض بين أبناء الأسرة الحاكمة، فلن يفوز بها إلا الأوقح والأكثر استعداداً لبيع الأرض والعرض والدين والكرامة… فكان هذا الصبي هو مطيتهم التي يركبون “وأبو رغالهم” الذي سيقودهم لتدمير مقدسات المسلمين وتصفية قضيتهم الأولى والمحورية، متسلحاً بحلفائه في محور الشر العربي، بعد أن كمم أفواه الأحرار من شعبه، وغيب مفكريهم ورموزهم في غياهب السجون حتى يفعل فعلته الشنعاء دون نكير، ويمرر هذا الزيف للرعاع والمخدوعين، بتزيين من سحرته المتصهينين الذين خلت لهم الساحة ليكشفوا عن سوءاتهم ويتقيؤوا ما في بطونهم ودواخلهم من نتن وعبودية ذليلة، حتى قال قائلهم -أذله الله وأخزاه-: “لك العتبى يا نتنياهو حتى ترضى”.
(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون).