دعت منظمات حقوقية دولية، الشركات العاملة في مشروع “نيوم” السعودي، للتوقف عن مشاركتهم في بناء المدينة الواقعة بمحافظة تبوك والتي تقام على حساب أراضي قبيلة الحويطات
وأعربت المنظمات الحقوقية عن تخوفها إزاء الانتهاكات المتكررة التي ترتكبها سلطات آل سعود في حملتها لتهجير بعض أبناء قبيلة الحويطات لصالح مشروع مدينة “نيوم” الذكية.
والشركات التي تقدم استشاراتها وخدماتها لـ”نيوم” التي يشرف عليها ولى العهد محمد بن سلمان، هي: أوليفر وايمان، ماكنزي أند كو، مجموعة بوسطن الاستشارية.
وجاء في الدعوة الحقوقية، أن مشاركة هذه الشركات في هذا المشروع لم تمنع آثاره الضارة بحق حقوق الإنسان لسكان المنطقة، بما في ذلك انتهاك حقّهم في استخدام الأرض والإجراءات العقابية لمن عبّروا سلميًّا عن رفضهم التهجير.
وشددت على ضرورة تحمل الشركات المسؤولية الأخلاقية والقانونية المدرجة تحت الأعمال التجارية وحقوق الإنسان الصادرة عن الأمم المتحدة، سيما أن هذه الانتهاكات تأتي بالتزامن مع حملات قمع أوسع للحقوق المدنية في المملكة.
وذكرتها بالبند المتعلق بالشركات “أن تسعى إلى منع الآثار الضارة بحقوق الإنسان التي ترتبط ارتباطًا مباشرًا بعملياتها أو منتجاتها أو خدماتها في إطار علاقتها التجارية، حتى عندما لا تسهم هي في تلك (13 ب) وأن تشمل مشاورات حقيقية مع الجماعات التي يحتمل تضررها (18 ب)”.
ودعت المنظمات الحقوقية الشركات العاملة لإعادة تقييم مشاركتها في مشروع “نيوم” وإيقافها تمامًا ما دامت لا تتوفر إمكانية التصدي لهذه الآثار الضارة بحقوق الإنسان.
واحتجت قبيلة الحويطات السعودية على مشروع مدينة “نيوم” الضخم الذي يشكل جزءا من الرؤية الاقتصادية (2030) لولي العهد محمد بن سلمان، الأمر الذى يشكل عقبات متتالية أمام المشروع في خضم أزمة انخفاض أسعار النفط.
وأفادت وكالة الأنباء الفرنسية، سابقا، بأن عددا من أفراد قبيلة الحويطات رفضوا عروض التعويضات التي قدمتها لهم السلطات السعودية مقابل ترك منازلهم والرحيل لمكان آخر.
وسبق أن قتلت قوات الأمن السعودي، منتصف إبريل/ نيسان المنصرم، المواطن عبد الرحيم الحويطي الذي نشر سلسلة فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي انتقد فيها إجبار قبيلته على الرحيل من الأرض التي عاشوا فيها لأجيال في موقع المشروع في محافظة تبوك، واصفا إياه بإرهاب دولة آل السعود.
وأكد الحويطي أن معارضته قد تؤدي إلى قتله.
وأعلن الأمن السعودي، لاحقا، مقتل الحويطي في تبادل إطلاق النار مع قوات الأمن، مشيرا إلى العثور على عدد من الأسلحة في منزله، علما أن هناك ملكية السلاح داخل القبيلة.
وأفادت صفحة “معتقلي الرأي” -التي تُعنى بانتهاكات حرية الرأي في المملكة- بأن سلطات آل سعود اعتقلت ثمانية من أبناء قبيلة الحويطات.
وسعت سلطات آل سعود بعد ذلك إلى التضليل الإعلامي وإنكار المعلومات الواردة عن معارضة أبناء قبيلة الحويطات للقرار، عبر الضغط على شخصيات من القبيلة للمشاركة في مهرجان جماهيري يعلنون فيه البراءة من عبد الرحيم الحويطي.
ورغم ذلك، أثار مقتل الحويطي موجة استنكار واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تداول آلاف النشطاء العرب هاشتاغ من قبيل #استشهادعبدالرحيمالحويطي # و#عبد الرحيم _ الحويطي و#الحويطات_ ضد ترحيل_ نيوم.
وقالت المنظمات الحقوقية الدولية إن الانتهاكات السابقة تحصل في إطار حملة قمعية واسعة على الحقوق المدنية وحرية المعارضة السلمية في المملكة والتي تصاعدت خلال السنوات الأخيرة.
ومنذ تولى بن سلمان، ولاية العهد 2017م، تصاعدت حملات الاعتقال التعسفية وطالت مدد الاحتجاز واشتدت قسوة التعذيب وعمليات الإعدام والقتل والملاحقة داخل المملكة وخارجها.
وفي ضوء ما سبق أوصت المنظمات غير الحكومية، الشركات الهندسية الثلاثة، بضرورة إصدار بيان علني مباشرة يندد بالانتهاكات المرتكبة في المملكة، وإعادة النظر في مسؤولياتها القانونية والأخلاقية وفق المبادئ التوجيهية للأعمال التجارية وحقوق الإنسان والتزاماتها الداخلية المعنية بهذا الموضوع.
وأوصتها بضرورة استشارة الجماعات المتأثرة وغيرها من الأطراف المعنية لأجل قياس الآثار الضارة القائمة أو المحتملة بحقوق الإنسان، وأن تعيد تقييم انخراطها في مشروع نيوم وتوقفه ما دامت لا تتوفر إمكانية التصدي لهذه الآثار الضارة بحقوق الإنسان.
وختمت المنظمات الحقوقية: “نؤمن أن هذه الإجراءات تحمل الأثر الإيجابي على الوضع في المنطقة، وأن هذه اللحظة تشكل فرصة جيدة لتبين الشركات التزامها بالقواعد التوجيهية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان كأساس لعملها”.
والمنظمات الموقعة على الدعوة الحقوقية للشركات العاملة في “نيوم” هي: القسط لحقوق الإنسان، أمريكيون لأجل الديموقراطية وحقوق الإنسان في البحرين، مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، سيفيكوس، كودبينك، المركز الأوروبي للديموقراطية وحقوق الإنسان، المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، فريدوم فوروورد، مركز الخليج لحقوق الإنسان، الخدمة الدولية لحقوق الإنسان، جست فورين بوليسي، مجموعة منّا لحقوق الإنسان.
وسيكلّف بناء مدينة “نيوم” 500 مليار دولار، ومن المقرّر أن تقام في شمال غرب البلاد لتطلّ على البحر الأحمر، وستضم سيارات تاكسي طائرة ورجالاً آليين، بحسب السلطات السعودية.
لكن خبراء اقتصاديون تساءلوا عن جدوى المشروع في عصر أسعار النفط المتدنية؟ وعرقلة المشروع الشهر الماضي بعد مقتل الحويطي الذي رفض تسليم أرضه للمشروع.
وقال نشطاء سعوديون إن السلطات الأمنية احتجزت عددا من أفراد القبيلة التي تنتشر فيها ملكية السلاح، بسبب شعارات مناهضة للترحيل ورفضهم التوقيع على أوراق لنقلهم إلى مكان آخر.
ويظهر هذا مقاومة داخلية للحكومة السعودية، في وقت تعاني المملكة من صعوبات اقتصادية بسبب التدهور التاريخي في أسعار النفط والإغلاقات بسبب انتشار فيروس “كورونا”، علاوة على حربها في اليمن والصراع مع إيران.
وقالت “نيوم” إنه سيتوجب على 20 ألف شخص الرحيل والانتقال إلى مكان آخر من أجل إفساح المجال لأعمال البناء.
ويواجه بن سلمان صعوبات في جذب المستثمرين للمدينة، ورأى نشطاء سعوديون أن “نيوم” مصمم لجذب الزوار الأجانب في مملكة محافظة، ولا يتوقع أن يستفيد منه السكان المحليون.
وقال مركز “صوفان” الاستشاري للشؤون الأمنية إن “انخفاض أسعار النفط بشكل قياسي وزيادة الضغوطات الديموغرافية تشكل تحديات كبرى أمام خطط الأمير محمد المستقبلية”.
ورأى المركز أن “الحكومة ستكون لديها أموال أقل لتوزيعها لإرضاء المواطنين السعوديين. وسيؤدي تآكل العقد الاجتماعي بين الحكام والمحكومين إلى مشاكل كبرى خاصة في مجتمع قبلي”.
وكان خبراء ألمانيون، توقعوا في مقالتهما بصحيفة “تاغس شبيغل” الألمانية، انهيار “رؤية 2030” الذى يسعى ولى العهد تطبيقها في المملكة بسبب فيروس “كورونا” والانهيار التاريخي لأسعار النفط والحرب في اليمن والاحتقان داخل الأسرة الحاكمة، والصراع مع إيران، وقالوا إنها “تهدد بتبخر هذه الأحلام في سراب الصحراء”.