قالت مجلة “ذا إيكونوميست” إن “الزواج غير السعيد” بين السعودية والولايات المتحدة “سيستمر بحكم الضرورة خلال السنوات المقبلة”، رغم التوتر الكبير في العلاقات، والذي تفجر إثر قرار تحالف “أوبك+”، الذي تتزعمه المملكة، بخفض ضخم لإنتاج النفط، وصفته واشنطن بأنه قرار قصير النظر ويضر الأسواق بما فيها الأسواق الأمريكية.
وترى المجلة أن الطلاق قد يكون وقع بين الرياض وواشنطن، لكنه طلاق قابل للتكرار ولا يعني الانفصال التام، ففي مجال الدبلوماسية يكون الانفصال شيئا صعبا للغاية.
وبالتالي، بحسب التقرير، فإن الانهيار التام للعلاقات أمر غير مرجح تماما رغم “تآكل” صفقة “النفط مقابل الأمن” التي دعمت علاقة واشنطن بالرياض على مدى عقود.
وقال التقرير إنه “لا أحد يعرف ما الذي سيحل محلها” في إشارة إلى “النفط مقابل الأمن” التي رسخت علاقات الولايات المتحدة بدول الخليج العربي.
ويرى التقرير أن الديمقراطيين في واشنطن يبدو أنهم مصممون على التخلي عن شريكهم، طوال 77 عاما، وبدورها تشعر دول الخليج بالغضب من “لهجة أمريكا الساخرة البعيدة عن الاحترام”، على حد قول المجلة.
ولطالما أكدت السعودية أن قرار “أوبك+” الأخير “اقتصادي بحت ولا دوافع سياسية له”، ردا على تأكيدات الديمقراطيين بأن الرياض تهدف من وراء القرار إلى مساعدة الجمهوريين بالانتخابات النصفية، لأن ارتفاع أسعار النفط يضر بالإدارة الحالية.
ووقفت دول الخليج الأخرى في صف السعودية وأصدرت بيانات تدعم الرياض.
وقالت الكويت والبحرين، وكلاهما عضوان في تحالف “أوبك+” وشريكان للولايات المتحدة، إنهما يتفقان على خفض الإنتاج.
وحتى الإمارات، التي تختلف أحيانا مع السعودية بشأن سياسة النفط، قدمت دعما علنيا للرياض.
وعلى هامش مؤتمر عُقد في أبوظبي خلال وقت سابق من هذا الشهر، كان أحد المسؤولين التنفيذيين الإماراتيين في مجال الطاقة غاضبا من ردة فعل واشنطن على خفض إنتاج الخام.
ويعتقد المسؤول أن ذلك ينم عن خطاب من الحقبة الاستعمارية. وقال متذمرا: “من هذا؟ من هو جو بايدن؟ هذه هي مواردنا”.
وقال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، “عبدالخالق عبدالله”، أن على الديمقراطيين أن “يستيقظوا” ويقبلوا أن الخليج بات “مستعدا لقول لا لأمريكا”.
وينقل التقرير عن المحلل السعودي “علي الشهابي” قوله إن السعودية قد تلجأ للخروج من “أوبك” وتشكيل تحالف أصغر من لاعبين أو ثلاثة من منتجي النفط الرئيسيين في العالم، إذا شعرت أن واشنطن ستتحرك ضد “أوبك”.
في سياق متصل، يقول “مارتن إنديك”، الزميل في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، المستشار السابق لشؤون الشرق الأوسط للرئيس الأمريكي الأسبق، “باراك أوباما”، إن ولي العهد السعودي، الأمير “محمد بن سلمان”، تراجع عن التزامه لـ”بايدن” بتوفير نفط إضافي.
ويضيف: “كان هذا هو الالتزام الذي قطعه ولي العهد عندما كان الرئيس (بايدن) هناك. لكن كان هناك اتفاق على عدم الإعلان عن التفاصيل. لم يفوا بهذا الالتزام”، كما يقول “إنديك” في حديثه عبر الإنترنت لفعالية ترعاها مؤسسة “كارنيجي للسلام الدولي”.
ووصف “إنديك” عدم استعداد السعودية للنظر في الصورة الأكبر أو علاقتها مع الولايات المتحدة على أنها مسألة “إشكالية للغاية”.
ويشير تقرير “ذا إيكونميست” إلى أن السعوديين وجيرانهم لا يرغبون في التنازل عن المليارات من العائدات لمساعدة حزب “بايدن” في الفوز ببضعة أصوات إضافية.
ويأمل بعض المسؤولين الخليجيين، بحسب التقرير، أن تؤدي رئاسة “دونالد ترامب” المحتملة عام 2025 إلى تقوية العلاقات مع واشنطن، ومع ذلك، فإن جناحه في الحزب الجمهوري ليس حريصا على حماية دول الخليج النفطية.
على الرغم من إحباطاتها من الولايات المتحدة، لكن دول الخليج ليس لديها بديل جيد، إذ لا يمكن لروسيا أن تقوم بدور الحامي والمورد للأسلحة.
ومع تعثر جيشه في أوكرانيا، يحتاج “بوتين” إلى أي أسلحة يمكن أن ينتجها اقتصاده الذي تعيقه العقوبات بتأثير معاركه الخاصة. كما لا تقدم روسيا سوى القليل من الآفاق للتجارة والاستثمار.
وتعتبر الصين شريكا أكثر فائدة، حيث لا تنزعج من مسائل حقوق الإنسان، كما أن بكين مصدر كبير للاستثمار، لكنها غير معنية بضمان أمن الخليج. والصين مثل روسيا، تحافظ على علاقات ودية مع إيران، الخصم اللدود لدول الخليج العربي.
لذلك، فإن أمريكا ودول الخليج “عالقون مع بعضهم البعض بتعاسة” في الوقت الحالي على الأقل.