الأشياء السيئة تحدث، ولا يعد ذلك دائما خطأ الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، لكن المشكلة أن تصرفاته غالبا ما تجعلها أكثر سوءا.
ينطبق هذا الحال تماما على علاقة الولايات المتحدة مع حكام المملكة العربية السعودية. ورغم أن “ترامب” ليس أول رئيس أمريكي يظهر احتراما لا داعي له للعائلة المالكة، حيث فعلت عائلة “بوش” ذلك من قبل وكانت على علاقة وثيقة غير عادية مع آل سعود، فإن “ترامب” تجاوز ذلك وتصرف كأنه سكرتير صحفي للمملكة، في أعقاب الهجوم المميت الذي وقع الأسبوع الماضي في بينساكولا، من قبل طيار تابع لسلاح الجو السعودي. حيث قتل الطيار، المتمركز في قاعدة جوية بحرية أمريكية للتدريب، ثلاثة أمريكيين، ويجري الآن التحقيق في الهجوم كعمل إرهابي.
وقال “ترامب” للصحفيين، يوم السبت، إن الملك سيشارك في رعاية عائلات الضحايا، وإنه يشعر بحزن شديد حول ما حدث. لكن ما لم يقله “ترامب” هو إذا ما كان السعوديون قدموا أي ضمانات حول المساعدة في التحقيق، أو تحديد دوافع المشتبه به، وإذا ما كانوا سيجيبون على الأسئلة حول عملية فحص المتدربين.
التحالف طويل الأمد
ومع ذلك، يتعلق السؤال الأكبر بالسبب الذي يجعل الولايات المتحدة متمسكة بعلاقاتها مع الحكومة السعودية.
وكانت الإجابة على هذا السؤال دوما هي النفط، حيث تعد المملكة العربية السعودية واحدة من الدول الكبرى المنتجة للنفط، في حين أن الولايات المتحدة تعد من بين رواد العالم في استهلاك النفط. وقد ترك ذلك الولايات المتحدة عرضة للخطر في بعض الأحيان، على الرغم من أن ذكريات الحظر النفطي في سبعينيات القرن الماضي، والتي أدت إلى طوابير طويلة في المضخات، قد تلاشت في معظمها. وقد دفع هذا الرؤساء الأمريكيين إلى التعهد بتقليل اعتماد البلاد على النفط الأجنبي.
وفي عام 1974، تعهد الرئيس “نيكسون” أنه بحلول نهاية العقد، أي في عام 1980، لن تكوت الولايات المتحدة معتمدة على أي بلد آخر للحصول على الطاقة التي تحتاجها. ورغم ذلك، بحلول عام 1981، زاد استهلاك الولايات المتحدة من النفط الأجنبي. وفي حين وعد الرئيس “ريجان” أن يغير ذلك، فإن خطته لم تنجح أيضا.
وكانت الخلاصة أن هناك ثمانية رؤساء على التوالي وعدوا بإنهاء اعتماد الولايات المتحدة على النفط الأجنبي دون نتائج تذكر. ولكن في عهد الرئيس “باراك أوباما”، بدأ الاتجاه في الانعكاس. وفي الشهر الماضي، وللمرة الأولى، قامت الولايات المتحدة بتصدير النفط بكمية أكبر مما استوردته.
ويعد هذا خبرا عظيما. لكن في حين كان من المفترض أن يكون أحد فوائد انخفاض الاعتماد على النفط الأجنبي هو تخفيف العلاقات السياسية مع الدول التي تنتج هذا النفط، فإن علاقات الولايات المتحدة مع السعودية لا تزال قائمة.
ويعد أحد أسباب ذلك هو أن الولايات المتحدة تدعم السعودية كقوة إقليمية موازنة لطموحات إيران، رغم أنه لا يوجد شيء يجعل السعودية رهانا أفضل لواشنطن من طهران. ويخضع كلا البلدان لسلطة حكومة ديكتاتورية تضطهد النساء والأطفال، وهما يمزقان الشرق الأوسط في حرب بالوكالة بينهما. لذلك، من الناحية الموضوعية، يمكن أن نعتبر كلا البلدين من “الجهات الفاعلة السيئة”.
رهان خطر
ومع ذلك كله، لا توجد أي علامات على أن المملكة تسعى لتحسين سلوكها العدواني. ورغم مرور عام على مقتل الصحفي “جمال خاشقجي”، تواصل الرياض قمع المعارضة وقتل عشرات الآلاف من الأطفال في حرب اليمن.
يقودنا ذلك كله إلى السبب الحقيقي وراء دعم “ترامب” للسعودية، حيث يبدو أن لدى الرئيس الأمريكي ولعا خاصا بالحكام الديكتاتوريين، وهو يحب أن تشتري السعودية أسلحة أمريكية، وقد جاء إلى منصبه مصمما على التراجع عن خطة “أوباما” لتحجيم البرنامج النووي الإيراني. ومع ذلك، لا شيء من هذا يبرر التحالف مع السعودية.
ويعد الخبر السار هنا هو أن كلا الحزبين في الكونجرس يبدوان على استعداد لإعادة النظر في العلاقة. وقد صوت مجلس النواب ومجلس الشيوخ في وقت سابق من هذا العام على إنهاء المساعدات العسكرية الأمريكية للحرب السعودية في اليمن، لكن “ترامب” نقض مشروع القانون. وعلى الرغم من ذلك، قد يخلق هجوم بنساكولا ضغطًا جديدًا. ويظهر ذلك في موقف النائب الجمهوري “مات جايتز”، عن ولاية فلوريدا، الذي دعا لمراجعة العلاقات مع السعودية، مع العلم أنه يعتبر حليفا مقربا من “ترامب”.
ورغم ذلك، لا يعد سلوك “ترامب” مشجعًا. وإذا كان لتصريحاته الأخيرة أي دلالة، فإنه يفضل الإبقاء على الوضع الراهن. لكن من الصعب العثور على أي فضيلة في العلاقات الأمريكية السعودية، ويبدو أن الوقت قد حان للبحث عن نهج جديد.