أكد معهد بروكنجز الأميركي للدراسات، أن رئيس الولايات المتحدة جو بايدن نكث بوعده بإنهاء الحرب في اليمن.
فرغم أنه أدرج هذا الأمر كهدف رئيس خلال خطابه الأول في السياسة الخارجية كرئيس، في مخالفة صريحة لنهج سابقيه من الرؤساء إلا أنه لم ينجح في تنفيذ وعده.
مساندة السعودية
وقال المعهد في تحليل نشره موقعه الإلكتروني: إن الرئيس السابق دونالد ترامب، كان قد دعم السعوديين والإماراتيين، حتى أنه استخدم حق النقض الرئاسي لإحباط محاولة الكونغرس إنهاء تورط الولايات المتحدة في الحرب.
وعندما أطلق محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي آنذاك الذي أصبح لاحقا وليا للعهد، حملته العسكرية في اليمن عام 2015، قرر الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما تقديم المساعدة لتخفيف الانتقادات السعودية للاتفاق النووي الإيراني.
بايدن قرر إعطاء الأولوية لليمن من خلال تعيين مبعوث خاص (تيم ليندركينغ)، بالإضافة إلى إلغاء تصنيف ترامب قبل مغادرته البيت الأبيض، جماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية.
وهو ما أدى إلى تضاعف الآمال في أن التركيز الأكبر على الدبلوماسية من الولايات المتحدة قد يدفع أخيرا الحرب المدمرة نحو طريق الحل. ومع ذلك، بعد ثمانية أشهر تقريبا، لم يتغير شيء يذكر.
وفيما صرح بايدن عند فوزه بالرئاسة بأننا “نعمل على تكثيف دبلوماسيتنا لإنهاء الحرب في اليمن”، فإنه لم ينجح بإنهاء الحرب وكذلك في إنهاء تواطؤ واشنطن فيها.
ورغم تصريحه بأنه “سينهي دعم الولايات المتحدة للعمليات الهجومية في اليمن” إلا أن الولايات المتحدة واصلت دعم الحرب السعودية هناك.
ويشير التقرير إلى أن الحرب التي تقودها السعودية على اليمن بحكم التعريف، هي عملية هجومية، حيث تقصف المملكة وتحاصر دولة أخرى.
وبين مارس/آذار 2015 ويوليو/تموز 2021، نفذ السعوديون ما لا يقل عن 23251 غارة جوية أسفرت عن مقتل أو إصابة 18616 مدنيا.
وطالما أن الولايات المتحدة تدعم ماديا وخطابيا حرب السعوديين على اليمن، فإن تأكيد بايدن أن الولايات المتحدة ستنهي دعمها للعمليات الهجومية هو كذبة
والعيب الثاني الحاسم في نهج بايدن هو أنه لم يدع إلى إنهاء فوري للحصار السعودي على اليمن، رغم أن هذا الحصار يمنع بشكل أساسي دخول الوقود إلى ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون.
كما يمنع السعوديون أيضا استخدام مطار صنعاء الدولي. وهكذا لا يمكن أن تكون عمليات الحصار دفاعية؛ فهي عمليات هجومية.
وبالتالي كان يجب أن ينتهي التدخل الأميركي بعد إعلان بايدن في فبراير/شباط أنه سيوقف دعم العمليات الهجومية، وفق الموقع.
وبالإضافة إلى ذلك تعاونت الولايات المتحدة ضمنيا مع الحصار السعودي من خلال عدم تحديه.
وتعلن البحرية الأميركية من حين لآخر أنها اعترضت أسلحة مهربة من إيران، مما يشير إلى دور أكثر نشاطا مما تعترف به الإدارة. ويقول الموقع: إنه يجب على الكونغرس التحقيق.
مساهمة بالكارثة
“بروكنجز” أشار إلى أن التحالف السعودي والحوثيين يستخدمان التجويع كتكتيك، فإن بايدن ومن خلال عدم الإصرار على وقف الحصار، لم يساهم في الكارثة الإنسانية فحسب، بل قدم مشروعية على أن الحصار يشكل شرطا من شروط التفاوض.
وبينما يواصل الدبلوماسيون الحديث، فإن السعوديين يجوعون اليمنيين بشكل نشط من خلال قطع وصول الوقود اللازم لنقل الطعام والماء.
ومن الناحية الفنية يقول الموقع: إن “العدوان السعودي على اليمن يعكس رغبات الرئيس اليمني في المنفى عبد ربه منصور هادي”.
وبعد أن أدى استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء إلى فراره، طلب هادي من السعوديين التدخل، الأمر الذي دفع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى إصدار القرار 2216 في عام 2015.
هذا القرار يشرعن القصف والحصار السعوديين كمحاولة لإعادة هادي كرئيس.
ومع ذلك، وفي حين أن هادي يستحق اللوم على فساده وجهوده لإفساد محاولات حل الصراع، فإن السعوديين يستخدمون هادي وقرار مجلس الأمن رقم 2216 كذريعة مناسبة لتبرير حربهم على الحوثيين.
ومن المفارقات أن تكتيكات السعوديين – وبالتالي الأميركيين – قد دعمت الحوثيين فقط.
وعلى سبيل المثال، يهدف الحصار السعودي إلى معاقبة الحوثيين، لكنه وعلى العكس من ذلك كان له تأثير في تعزيز سيطرتهم.
وفي عام 2015، أنشأت الأمم المتحدة آلية للتحقق والتفتيش لضمان أن الواردات إلى اليمن لا تحتوي على أسلحة إيرانية مهربة موجهة للحوثيين.
وبالإضافة إلى آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش، يعمل السعوديون بشكل روتيني على تأخير أو منع استيراد الوقود عبر ميناء الحديدة.
ويرغب السعوديون من ذلك في منع الحوثيين من الحصول على عائدات من مبيعات الوقود.
ويحد ذلك من كمية الوقود التي يمكن للحوثيين الوصول إليها بسهولة، حيث لم يتم تفريغ أي وقود في الحديدة خلال 11 أسبوعا من أصل 17 أسبوعا منذ أوائل مايو/أيار 2021
ويعني غياب الواردات عن طريق الحديدة أن الوقود يتم استيراده من مينائي عدن والمكلا الخاضعين لسيطرة حكومة هادي، وينقل برا إلى الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون.
وتفرض حكومة هادي ضرائب على واردات الوقود، ويعمل الحوثيون على فرض ضرائب على الوقود مرة أخرى عندما يصل إلى أراضيهم.
هذه الضرائب المتعددة، بالإضافة إلى تكلفة نقل الوقود برا أدت إلى رفع ثمنها بشكل كبير. ويجعل ذلك اليمنيين غير قادرين على تحمل هذه الأسعار.
كما أن ارتفاع أسعار الوقود يرفع أسعار الغذاء والماء، التي يعتمد الكثير منها أيضا على النقل البري.
ولا تستطيع منظمات المساعدة الإنسانية التي تعاني من ضائقة مالية أن تعمل بدون وقود، ناهيك عن اقتصاد اليمن.
ويبدو أن السعوديين وهادي يعتقدون أنهم إذا أجبروا أولئك الذين يعيشون تحت حكم الحوثيين على المعاناة، فسيثورون عليهم ويسقطونهم.
ومع ذلك، فشلت هذه الإستراتيجية نفسها على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية من العقوبات الأميركية على فنزويلا، و40 عاما من العقوبات على إيران، و 60 عاما مثلها على كوبا.
فشل الجهود
وأصدر المبعوث الخاص للأمم المتحدة المنتهية ولايته إلى اليمن مارتن غريفيث تحذيرا شديدا، حيث صرح خلال إحاطة في أغسطس/آب لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أن “المجاعة ليست مجرد مشكلة غذائية، بل هي عرض لانهيار أعمق بكثير”.
ولم يتمكن غريفيث من إحراز أي تقدم أثناء توليه دور المبعوث الخاص. وليس من الواضح كيف تتوقع الأمم المتحدة أن يحقق خليفته هانز جروندبرج أي شيء بموجب الشروط غير الواقعية لقرار مجلس الأمن رقم 2216.
ورغم محاولة سلطنة عمان تنسيق وقف إطلاق النار في يونيو/حزيران 2021، فإن ذلك لم ينجح.
كما ليس لدى المبعوث الخاص لبايدن، تيم ليندركينغ، الكثير لفعله على الرغم من رحلاته العديدة إلى المنطقة.
والسبب في عدم إحراز تقدم هو أنه على الرغم من التزام بايدن بمقاربة أكثر دبلوماسية، تظل الولايات المتحدة عمليا راعيا قويا للمملكة العربية السعودية.
خاصة أن بايدن لم يعامل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على أنه منبوذ كما وعد، وفق المعهد.
وأشاد وزير الخارجية أنتوني بلينكن بمقترح السعوديين بوقف إطلاق النار في مارس/آذار وأدان الحوثيين لرفضهم، متجاهلا أنه كان على المليشيا قبول استسلام كامل لأسلحتهم وأراضيهم.
وليس لدى الحوثيين سبب للموافقة على مثل هذه الشروط، خاصة لأنهم يشعرون أنهم سيفوزون في معركتهم، بحسب تقدير المعهد.
وتندد الولايات المتحدة بصواريخ الحوثيين، لكنها غالبا ما تلتزم الصمت بشأن الغارات الجوية السعودية، والتي تكون بشكل روتيني أكثر فتكا.
ويعكس هذا على الأرجح عدم ارتياح الولايات المتحدة للدعم الذي يتلقاه الحوثيون من إيران.
ومع ذلك، فإن الحوثيين ليسوا دمى إيرانية وستستمر محاولاتهم للسيطرة على اليمن حتى لو سحبت إيران المساعدة التي تقدمها لهم، وفق التقرير.
ومن هنا تأتي ضرورة أن يصر ويضغط بايدن على أن يرفع السعوديون الحصار فورا ودون قيد أو شرط.
كما أكد المعهد أنه يجب أن يطلب من المملكة المتحدة، تقديم قرار جديد لمجلس الأمن، يوفر حوافز لجلب الحوثيين إلى طاولة المفاوضات، لأنه لطالما ظل قرار مجلس الأمن رقم 2216 أساس المفاوضات، سيرفض الحوثيون المشاركة.
ويشبه التقرير الحوثيين بحركة طالبان فهم “ينتهكون حقوق الإنسان بشكل متسلسل، لكن كلاهما يتمتع بشرعية القتال ضد القوة الغازية الأجنبية”.
وعلى الرغم من أن الأميركيين والسعوديين يمتلكون معدات عسكرية متفوقة وموارد أكبر بكثير، فإنهم سيغادرون في النهاية.
في المقابل، فإن طالبان والحوثيين في وطنهم وليس لديهم خيار سوى مواصلة القتال، بحسب المعهد.
وفيما تدعي الحكومة المدعومة من الخارج، الديمقراطية، فإنها ابتليت بالفساد وتفتقر إلى الشرعية.
وفي حالة هادي، فقد ترشح دون معارضة في عام 2012 لمنصب الرئاسة الذي كان من المفترض أن يبقى فيه لمدة عامين.
وفيما يعيش في المنفى في الرياض منذ عام 2015، تقلصت المنطقة التي تسيطر عليها قواته.
ويخلص التقرير إلى أن الرئيس بايدن قال عن أفغانستان: “لا أستطيع ولن أطلب من قواتنا القتال إلى ما لا نهاية في الحرب الأهلية في بلد آخر”، وفي النهاية أنهى تورط واشنطن.
ويقول المعهد: إنه “يجب أن يطبق نفس المنطق في اليمن، حيث لا تزال الولايات المتحدة متورطة في حرب السعوديين العقيمة والكارثية”.