ترسل السعودية حاليا رسائل مختلطة للرئيس الأمريكي المنتخب “جو بايدن”؛ فمن ناحية تشير إلى أنها مستعدة للمضي قدما نحو بداية جديدة مع إدارته، ومن ناحية أخرى تضع خطوطا حمراء تدل على أنها تراهن على أن ساكن البيت الأبيض المقبل سيحذر قطع العلاقات مع المملكة رغم الانتقادات التي أعرب عنها أحيانا بلغة حادة خلال حملته الانتخابية.
وتوجد دلالات ترجح صحة هذا الرهان السعودي، مثل ما ردده السفير الأمريكي المتجول للحرية الدينية “صموئيل براونباك” هذا الأسبوع بخصوص السياسة الأمريكية والموقف الذي قد تتبناه إدارة “بايدن”.
فقد سُئل “براونباك” عن سبب منح وزير الخارجية “مايك بومبيو” السعودية إعفاءً رغم أن وزارته صنفت المملكة في تقريرها السنوي عن الحرية الدينية المنشور مؤخرا كـ”دولة مقلقة بشكل خاص”؛ لإخفاقها في احترام حرية الدين، وقوانين الردة والكفر، التي تشمل عقوبة الإعدام.
فأجاب قائلا: “السعودية بلد اعتبرته الإدارة والإدارات السابقة ذا مصلحة استراتيجية، إنها الدولة الخليجية الرئيسية بالطبع، ومصدر رئيسي للتجارة. لدينا الكثير من الإحباط في بعض الأحيان بشأن أفعال السعودية، لكن هناك أيضا مصلحة وطنية هنا، وهذا شيء عليك دائما أن تنظر فيه مرارا وتكرارا في الدبلوماسية. وفي هذه الحالة، اعتبر الوزير أن علينا توفير إعفاء من أجل المصلحة الوطنية”.
إشارات مختلطة
وتشير الأحداث الأخيرة إلى معالم الرهان السعودي؛ حيث يبدو أن المملكة مستعدة لاستيعاب كلا من الرئيس الخاسر “دونالد ترامب” وكذلك “بايدن” عبر الانخراط مع الجهود الأمريكية والكويتية لرفع المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية لقطر التي تقودها السعودية والإمارات منذ 3 أعوام ونصف.
فقد سافر “بومبيو” و”جاريد كوشنر”، صهر “ترامب” ومفاوض الشرق الأوسط، ومسؤولون أمريكيون كبار آخرون إلى الخليج في الأسابيع الأخيرة للضغط من أجل تحقيق اختراق في مأزق الخليج، فضلا عن تحقيق اعتراف السعودية بإسرائيل في أعقاب إقامة تل أبيب علاقات دبلوماسية مع أبوظبي والمنامة.
وقال مسؤولون كويتيون وسعوديون وقطريون إنهم يتقدمون نحو حل، فيما يستعد قادة دول الخليج لعقد قمة في وقت لاحق من هذا الشهر لمجلس التعاون الخليجي. وأشارت الإمارات، إلى جانب البحرين ومصر اللتين انضمتا إلى المقاطعة، إلى دعمهما لإنهاء النزاع.
في الوقت نفسه، ترسل التصرفات السعودية الأخيرة رسالة مفادها أن الاعتراف بإسرائيل وحقوق الإنسان يشكلان خطوطا حمراء لن تتجاوزها المملكة، على الأقل في الوقت الحالي.
خطوط المملكة الحمراء
فقد حكمت السعودية، الأسبوع الماضي، بعد وقت قصير من الزيارات التي قام بها “بومبيو” و”كوشنر”، على “وليد فتيحي”، وهو الطبيب المتدرب في جامعة هارفارد والمواطن السعودي الأمريكي، بالسجن لمدة 6 سنوات بتهمة التغريد على “تويتر” لدعم الثورات العربية عام 2011، وللحصول على الجنسية الأمريكية أثناء الدراسة بالولايات المتحدة دون إذن.
وكان “فتيحي” أُفرج عنه من الحبس الاحتياطي عام 2017، لكن مُنع وأسرته من السفر إلى الخارج.
حدث هذا مع أن إدارة “ترامب” أثارت قضيته مرارا وتكرارا مع السلطات السعودية، بما في ذلك خلال الزيارات الأمريكية الرفيعة المستوى الأخيرة.
وبالمثل، أحالت السعودية إلى محكمة الإرهاب قضية “لجين الهذلول”، وهي واحدة من 12 ناشطة في حقوق المرأة اتُهمن بالتآمر مع منظمات أجنبية معادية للمملكة، عشية قمة مجموعة العشرين الافتراضية الشهر الماضي، التي استضاف فيها الملك “سلمان بن عبدالعزيز” أكبر اقتصادات العالم.
وجاءت هذه الخطوة رغم دعوات متزايدة للإفراج عنهن قبل القمة، حتى إن المحكمة عقدت الجلسة الأولى في قضية “لجين” الأسبوع الماضي في اليوم الذي حددته الأمم المتحدة باعتباره “اليوم العالمي لحقوق الإنسان”.
وفي الوقت نفسه تقريبا، قامت حملة على “تويتر” يُعتقد أن الحكومة تحرض عليها، باتهام ولي العهد السابق ووزير الداخلية المحتجز “محمد بن نايف” بالتآمر للإطاحة بخليفته “محمد بن سلمان”.
وجاءت الحملة استجابة للقلق الذي أعرب عنه البرلمانيون البريطانيون ومحامو “بن نايف” بشأن ظروفه.
موقف الإمارات مختلف
تتناقض تحركات السعودية بشكل صارخ مع تحركات الإمارات التي تبدو موجهة نحو التغييرات المتوقعة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة بمجرد تولي “بايدن” منصبه.
فبعد أن اتخذت الإمارات بالفعل زمام المبادرة التي تسعد كلا من الرئيس الأمريكي الراحل والقادم من خلال كونها أول دولة عربية تعترف بإسرائيل منذ 1994، قالت أبوظبي هذا الأسبوع أيضا إنها بصدد إطلاق مراجعة لتعزيز إطار حقوق الإنسان لديها.
وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية “أنور قرقاش” إن المراجعة ستركز على تمكين المرأة والمساعدات الإنسانية والتسامح الديني وحقوق العمال، لكنه لم يذكر شيئا عن الحقوق السياسية مثل حرية التعبير والإعلام والتجمع، مع إنها أحد محاور انتقادات منظمات حقوق الإنسان للإمارات.
أما السعودية فقد قامت بشئ يناقض ذلك، فيما بدا تحديا لـ”بايدن” ورفضا لضغط إدارة “ترامب”؛ حيث شن رئيس المخابرات السعودية السابق والسفير السابق في بريطانيا والولايات المتحدة، الأمير “تركي بن فيصل”، هجوما عنيفا على (إسرائيل).
وفي حديث الأمير قبل أيام من إعلان المغرب وإسرائيل عن إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، وصف تل أبيب بأنها “آخر القوى الغربية الاستعمارية في الشرق الأوسط”.
وقال إن الفلسطينيين “سُجنوا في معسكرات الاعتقال بموجب اتهامات أمنية واهية، صغارا وكبارا، نساء ورجالا، يتعفنون هناك دون ملاذ للعدالة”.
لم يكن من الواضح ما إذا كانت تصريحات الأمير “تركي” تعكس مشاعر الملك “سلمان” وحده أم رأي ولي العهد “محمد بن سلمان” أيضا، الذي ورد أنه التقى مؤخرا برئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”.
وأظهر استطلاع حديث للرأي العام أن السعوديين منقسمون في مواقفهم تجاه العلاقات والتبادلات التجارية والثقافية مع إسرائيل؛ حيث اعتبر 41% ممن شملهم الاستطلاع في سبتمبر/أيلول أن العلاقات مع (إسرائيل) تطور إيجابي فيما عارضها 54%.
ومع ذلك، قفزت نسبة أولئك الذين فضلوا التبادلات التجارية والرياضية بشكل كبير إلى 37% مقارنة بـ9% فقط في استطلاع قبل 3 أشهر.
وأدلى الأمير “تركي” بتصريحاته بينما كانت المملكة تسعى إلى خفض التوترات مع تركيا، التي تمثل منافسا رئيسيا للقيادة السعودية للعالم الإسلامي، والتي يشابه موقفها المملكة في عدم يقينها بخصوص علاقتها بالولايات المتحدة بمجرد تولي “بايدن” منصبه.
وإذا كانت السعودية تتحرك لرسم خطوط حمراء للولايات المتحدة، في اعتراف ضمني بأن العلاقات مع الولايات المتحدة قد تضطرب، فإن التقارب مع تركيا يشير إلى أن الرياض وأنقرة تريان ميزة في البحث عن مأوى مشترك، لكن هذا المأوى قد يحمل هشاشة في منطقة تتصف بالاضطراب.