أثارت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى قطر، وإجراؤه مباحثات سياسية واقتصادية مع أميرها تميم بن حمد آل ثاني، تساؤلات عن مدى انعكاسها على العلاقة بين دول الخليج وطهران، وتحديدا مع السعودية.
زيارة رئيسي في 21 و22 فبراير/ شباط 2022، هي الأولى من نوعها لرئيس إيراني منذ 11 عاما، وجاءت بدعوة من أمير قطر، لحضور قمة “منتدى الدول المصدرة للغاز” التي تحتضنها الدوحة، إذ ناقش الجانبان آخر التطورات والملفات الإقليمية والعلاقات الثنائية.
وقال رئيسي خلال مؤتمر صحفي مشترك في الدوحة مع أمير قطر: “علينا أن نضمن تقوية علاقاتنا لتحسين التعاون الإقليمي”، فيما أكد أمير قطر أن بلاده تتابع عن كثب المحادثات (الخاصة بالملف النووي) في فيينا، ومستعدة لتقديم “أي دعم من شأنه ضمان الاستقرار الإقليمي”.
“فرصة ذهبية”
وعن أهمية الزيارة، اعتبر عبدالله سهرابي مساعد وزير الخارجية الإيراني خلال تصريح لوكالة “إرنا” الإيرانية في 22 فبراير 2022، أنها “فرصة ذهبية وخاصة لتطوير العلاقات مع دول الخليج”.
وأوضح أن الزيارة “تبلور الحكومة الثالثة عشرة وطبيعة رؤية رئيسي لموضوع الجيران والتي بدأت بصورة إستراتيجية ودقيقة”، مؤكدا أن “حصيلة هذا النهج نراها بوضوح خلال الأشهر الستة الماضية منذ بدء مهام الحكومة الثالثة عشرة (في أغسطس/آب 2021)”.
وتابع مساعد الخارجية: أن “التقارب الثقافي والاجتماعي والعلاقات العريقة بين بلدنا والبلدان الجارة يعد على الدوام فرصة للجانبين وتهديدا للذين لا يطيقون رؤية الأمن والاستقرار في المنطقة”.
واعتبر سهرابي أن “قطر تتصرف بحنكة وذكاء سياسي في طبيعة رؤيتها للمنطقة والعالم وللعلاقات السياسية والأنشطة الاقتصادية”، مشيرا إلى أن القطريين يمتلكون المعرفة الكافية تجاه الطاقات والمكانة الجيوسياسية والجيواقتصادية لإيران”.
وقبل ذلك، أكد سفير طهران في الدوحة حميد دهقاني خلال مؤتمر صحفي في مقر السفارة الإيرانية أن إيران منذ انتخاب رئيسي أعلنت عن “مشروع سياسة حسن الجوار، ومد جسور التواصل مع الأشقاء”.
وأضاف أن طهران لها علاقات على مستوى إستراتيجي مع دول المنطقة وتحديدا قطر.
وأضاف دهقاني أن “بلاده تتشارك مع قطر عددا من الملفات المشتركة على غرار الملف الفلسطيني والموضوع الأفغاني، وكلاهما يهدفان لتعزيز الحوار الإيجابي مع الجميع لضمان الاستقرار في المنطقة”.
وأشار السفير الإيراني إلى أن بلاده وقفت مع قطر خلال فترة الحصار الذي فرض عليها من السعودية والإمارات والبحرين ومصر، وهي أيضا رحبت بفكرة المصالحة بين دول الخليج.
واستطرد دهقاني، قائلا: “نرحب بأي جهد لتعزيز الحوار بين إيران وعدد من دول المنطقة على غرار السعودية، وتقريب وجهات النظر”.
استقرار المنطقة
وفي السياق ذاته، قال أستاذ العلوم السياسية القطري علي أبو الهيل خلال تصريحات صحفية في 21 فبراير 2022 إن “العلاقة القطرية الإيرانية اقتصادية إستراتيجية لأن قطر تشترك مع إيران في حقول غاز الشمال”.
وأضاف أبو الهيل: “أما سياسيا فبعد المصالحة الخليجية، أطلقت قطر دعوات للوساطة بين إيران وأميركا من ناحية وبين طهران ودول الخليج من ناحية ثانية، ونجحت في ذلك حيث اجتمع الأميركيون في فيينا ولا تزال المفاوضات جارية بينهما”.
وأكد المحلل السياسي أن “قطر خففت التوتر كثيرا بين السعودية وإيران، واجتمع الطرفان في بغداد، وقبل شهرين تقريبا اجتمع السعوديون والإيرانيون أيضا في العاصمة الأردنية عمّان، ولا مناص بين طهران ودول الخليج لأن البديل سيكون مدمرا”.
ونوه أبو الهيل إلى أنه “في زيارة الشيخ تميم الأخيرة إلى واشنطن (31 يناير/ كانون الثاني 2022) بدعوة من الرئيس جو بايدن لمناقشة ملف الغاز إلى أوروبا، تحدث الطرفان أيضا عن الاتفاق النووي، وضرورة عودة أميركا ودول 5+1 إلى الاتفاق النووي الإيراني لأنه الأصلح”.
وعلى الوتيرة ذاتها، كتبت صحيفة العرب القطرية بافتتاحيتها في 21 فبراير أن “لقاء أمير قطر، والرئيس الإيراني يمكن أن يدشن مرحلة جديدة من العلاقات بين طهران ودول الخليج في العموم، اتساقا مع رؤية الدوحة بشأن تسخير علاقاتها بمختلف عواصم الدول الشقيقة والصديقة، لتصب في صالح استقرار محيطها العربي”.
وأشارت إلى أن “تصريحات أمير قطر ورئيسي، تحمل الكثير من المعاني الهادفة إلى ترسيخ الاستقرار في عموم الخليج، خاصة تجديد الأمير التأكيد على أن الحوار هو السبيل الأمثل لحل جميع الخلافات ومواجهة مختلف التحديات التي تمر بها المنطقة”.
وفي هذا المجال، تضيف الصحفية، أن “الأوساط السياسية والدبلوماسية اهتمت بتجديد الأمير استعداد دولة قطر لتقديم أي مساعدة ممكنة في سبيل التوصل إلى اتفاق ينهي الخلاف ويضمن أمن واستقرار المنطقة”.
فيما أكد رئيس إيران من جانبه أن بلاده تبحث عن التطور النوعي وفتح آفاق جديدة مع دولة قطر بشكل خاص، ومع دول الجوار في الخليج والمنطقة بشكل عام، متطلعا لمزيد من التعاون معها، وفق قول الصحيفة.
آمال إيرانية
وتسعى إيران لتفعيل الدبلوماسية مع الخليج عبر قطر، إذ قال رئيسي في تصريحات نقلها التلفزيون الرسمي قبل مغادرته، إن زيارته تعد خطوة لتفعيل أولوية دول الجوار في السياسة الخارجية، وإنه يأمل أن تسهم هذه الزيارة في تعزيز العلاقات مع الدول الخليجية.
وأضاف أن “هذه الزيارة تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع دولة قطر الصديقة والشقيقة، وللمشاركة في قمة الدول المصدرة للغاز”.
وأشار إلى أن “إيران من مؤسسي منتدى الدول المصدرة للغاز، ومن أهم ثلاث دول في هذا المجال”.
وكانت التوترات بين السعودية وإيران قد تزايدت بعد اعتداء وقع عام 2019 على منشآت نفطية سعودية، أدى إلى توقف نصف الإنتاج النفطي السعودي لفترة وجيزة، وحملت الرياض طهران مسؤولية الهجوم، غير أن الأخيرة نفت صحة هذا الاتهام.
وخلال الأشهر الماضية سعى الطرفان إلى إجراء حوارات في العاصمة العراقية بغداد من أجل تخفيف التوتر وإعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وكانت الرياض عقدت ببغداد خمس جولات تفاوض مع طهران، أربع منها قبل وصول الرئيس المحافظ إبراهيم رئيسي إلى سدة السلطة في إيران، لكن جميع جولات الحوار لم تحقق أي تقدم في مسار تطبيع علاقات البلدين، باستثناء تخفيف حدة الخطاب العدائي بينهما.
وبدأت الرياض وطهران المباحثات المباشرة في أبريل/نيسان 2021 لاحتواء التوترات، بينما تجري القوى العالمية مفاوضات لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع إيران.
وحثت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في الخليج القوى العالمية المشاركة في المحادثات النووية على تناول برنامج إيران للصواريخ وشبكة وكلائها في المنطقة.
وتتمتع قطر بعلاقات جيدة مع إيران التي تشترك معها في حقل غاز عملاق.
ودعمت طهران الدوحة، بعد أن فرضت السعودية وحلفاؤها العرب مقاطعة على قطر في منتصف 2017.
وعقب زيارته إلى دولة قطر، كشفت وسائل إعلام إيرانية، في 22 فبراير 2022 أن إبراهيم رئيسي سيجري في الشهر ذاته زيارة وصفتها بـ”المهمة” إلى الإمارات.
ونقلت شبكة “إيران بالعربي”، عن مصادر إيرانية وصفتها بـ”المطلعة”، قولها إن “الرئيس إبراهيم رئيسي سيلتقي خلال زيارته الإمارات كبار المسؤولين وسيناقش سبل تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين”.