عندما كان مرشحا رئاسيا، أعرب “جو بايدن” عن غضبه الشديد من الدور الذي لعبه ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” في مقتل الصحفي “جمال خاشقجي”، وتعهد “بايدن” بـ”جعل السعودية تدفع الثمن” وتحويلها إلى “دولة منبوذة”، لكن أثبتت الأيام أن هذه الكلمات كانت مجرد وعود جوفاء، لم تصمد أمام مصالح السياسة، حيث بدأت مؤخرا حملة لإعادة تأهيل صورة “بن سلمان”.
وقبل أيام، زار “بن سلمان” تركيا للمرة الأولى منذ مقتل “خاشقجي” وتقطيعه في القنصلية السعودية باسطنبول عام 2018. ولتمهيد الطريق لزيارة “بن سلمان” إلى تركيا، وافق الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” على نقل محاكمة المتورطين في قضية “خاشقجي” إلى السعودية، الأمر الذي أغلق القضية فعليًا.
وبسبب المصالح النفطية والرغبة في توسيع خياراتها الدبلوماسية، أصبحت العلاقات السعودية مع روسيا والصين أفضل من أي وقت مضى. في غضون ذلك، سيشهد الشهر المقبل أهم الخطوات لكسر عزلة “بن سلمان” حيث يحل “بايدن” ضيفا على المملكة، ومن المتوقع عقد لقاء مباشر بين “بن سلمان” و”بايدن”.
ومن الواضح أن أطرافا عديدة في المجتمع الدولي قررت أن العلاقات مع السعودية أكبر من أن تفشل، فلا تكاد هناك مقاومة تذكر لمشروع إعادة تأهيل “بن سلمان”.
وبالرغم أن العديد من الرؤساء ورؤساء الوزراء وكبار رجال الأعمال، رفضوا زيارة السعودية لحضور قمة دافوس الصحراء في 2018. فقد عاد العديد من هذه الشخصيات إلى القمة في العام التالي، بما في ذلك رؤساء “بلاك روك”، “بلاك ستون”، و”إتش إس بي سي”.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أصبحت السعودية رئيسة لمجموعة العشرين مع انعقاد القمة هناك، وإن كان ذلك فعليًا في نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بسبب الوباء.
ووجدت السعودية أيضًا شركاء راغبين جدًا في تعزيز العلاقة معها مثل روسيا والصين. وفي مجموعة العشرين بالأرجنتين في ديسمبر/كانون الأول 2018، بعد شهر من مقتل “خاشقجي”، اقترب الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” من “بن سلمان” في وقت كان الكثير من المجتمع الدولي يبتعد عنه.
وشهدت العلاقات السعودية الروسية صعودًا وهبوطًا، لكن مع تنامي شكوك السعودية بشأن التزام الولايات المتحدة بأمنها – والتي تفاقمت بسبب تدهور العلاقات بين “بن سلمان” و”بايدن” – تقدمت روسيا لإثبات أن الرياض لديها خيارات أخرى غير الولايات المتحدة حيث قام “بوتين” بزيارة للسعودية في أكتوبر/تشرين الأول 2019. وبحسب ما ورد تحدث “بن سلمان” عدة مرات مع “بوتين” منذ الغزو الروسي لأوكرانيا، في الوقت الذي رفض فيه الأمير السعودي التحدث مع “بايدن”.
وبالمثل، برزت الصين كشريك مهم آخر على استعداد للتغاضي عن انتهاكات حقوق الإنسان السعودية وتوفير بديل لسياسة “التحوط” السعودية بعيدا عن الولايات المتحدة. وبعد أقل من عام على مقتل “خاشقجي”، زار “بن سلمان” الصين كجزء من جولة في آسيا. وبحلول عام 2021، كانت السعودية أكبر مصدر لواردات الصين من النفط.
وتعكس جولة ولي العهد الإقليمية الأسبوع الماضي (شملت مصر والأردن وتركيا) محاولة لإثبات أن السعودية لاعب إقليمي مهم، وكان أكثر لقاء لافت هو لقاء ولي العهد السعودي مع “أردوغان” الذي شن بنفسه حملة ضد الانتهاكات السعودية بسبب مقتل “خاشقجي”.
وعكس ذلك الاجتماع “حقبة جديدة” في العلاقات السعودية التركية بعد إغلاق ملف “خاشقجي”. ومن الواضح أن “بن سلمان” أراد إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة لتفعل الشيء نفسه.
في غضون ذلك، تشعر إسرائيل بالقلق من أن استمرار توتر العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، وترى أن ذلك يضر بمصالحها الخاصة، لذلك تمارس إسرائيل ضغوطا على إدارة “بايدن” لإصلاح العلاقات وتأمل أن تساعد زيارة “بايدن” إلى السعودية أيضًا في تحسين العلاقات الإسرائيلية السعودية.
ويركز الجزء الأخير من الجهد السعودي لإخراج “بن سلمان” من العزلة على الولايات المتحدة. وتعتبر سلسلة “ليف جولف” الجديدة الممولة سعوديًا، والتي تسعى لجذب أفضل اللاعبين من “بي جي إيه” إلى بطولات من شأنها أن تدفع جوائز بالملايين، جزءًا محسوبًا من هذا الجهد. لكن الحدث الرئيسي هو زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية الشهر المقبل.
ويعتقد السعوديون أن هذه الزيارة ستكون بمثابة إغلاق لصفحة مريرة من العلاقات الأمريكية السعودية ويعتبرونها اعترافًا أمريكيًا بأن تعليقات “بايدن” المتعصبة حول “بن سلمان” كانت بلا مبرر – وأن السعودية مهمة جدًا بحيث لا يمكن تجاهلها.
وكتب الأمير “تركي الفيصل”، السفير السعودي السابق في الولايات المتحدة، في تقرير له: “إن الشعبية المتدهورة لبايدن هي التي تدفعه إلينا الآن.. يأمل الرئيس الأمريكي أن يعزز شرعيته من خلال لقائه مع ولي عهدنا”.
ويتزايد الضغط داخل إدارة “بايدن” لإصلاح العلاقات مع السعودية بسبب أزمة النفط الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا. ولولا حرب أوكرانيا، كان من المحتمل ألا يقوم “بايدن” بهذه الرحلة. وبحسب ما ورد رفض في البداية بغضب فكرة لقاء مع “بن سلمان” ويبدو أن ردوده اللاحقة حول الرحلة تشير إلى أنه ما زال متضاربا.
وسيحاول “بايدن” إخراج أكبر قدر ممكن من المكاسب من الاجتماع مع “بن سلمان” ويرجح أن يضغط على السعوديين لضخ المزيد من النفط، والتقارب مع إسرائيل، ودعم جهود الغرب ضد روسيا بشأن أوكرانيا؛ والتعاون مع دول الخليج الأخرى وإسرائيل في احتواء إيران.
ونأمل أن يضغط “بايدن” على “بن سلمان” بشأن ملفات انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة، بما في ذلك اعتقال العديد من مزدوجي الجنسية الأمريكية والسعودية.
لكن الخلاصة السعودية من الاجتماع ستكون بالتأكيد هي الانتهاء بنجاح من عملية إعادة تأهيل “بن سلمان” بعد الإفلات من أي محاسبة أو مساءلة بشأن جريمة قتل “خاشقجي”.