عادت مجددا إلى الواجهة قضية إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح آل طالب، بعد أن حكمت عليه  محكمة الاستئناف السعودية بالسجن 10 سنوات، في 22 أغسطس/ آب 2022.

وجاء الحكم الجديد بعدما نقضت محكمة الاستئناف قرار المحكمة الجزائية التي قضت ببراءته من التهم المنسوبة إليه.

وكانت السلطات السعودية قد اعتقلت آل طالب في أغسطس 2018، ضمن سلسلة اعتقالات طالت عشرات الدعاة، في حملة بدأت منذ صيف العام 2017.

ووجهت السلطات السعودية إلى الدعاة وقتها اتهامات مختلفة، وقضت بسجن بعضهم سنوات طويلة، كما أفرجت عن قلة منهم وآخرين قضوا في السجن.

 

خطيب شجاع

ومع اعتقال آل طالب لم تصدر السلطات السعودية في حينها أي توضيح عن أسبابه، لكن منظمات حقوقية وحسابات معارضة كشفت أن الخطوة جاءت بعد إلقائه خطبة تحدثت عن ضرورة “إنكار المنكر”، ومقطعا صوتيا انتقد فيه إقامة “هيئة الترفيه السعودية” حفلات تتضمن اختلاطا بين الرجال والنساء.

وقال حساب “معتقلي الرأي” على “تويتر” في 19 أغسطس 2018 إن السلطات السعودية اعتقلت الشيخ صالح آل طالب، مشيرا إلى أن سبب الاعتقال هو خطبة ألقاها عن المنكرات ووجوب إنكارها على فاعلها.

ونقلت قناة “الجزيرة” الإخبارية، خلال مقابلة في 2018، عن الناشط الحقوقي السعودي المعارض يحيى عسيري أن “اعتقال الشيخ صالح ربما كان بسبب خطبته أو لسبب آخر”.

إذ إن السلطات السعودية تستهدف كل شخص مؤثر له حضور جماهيري في الساحة السعودية، وحتى هؤلاء الذين لم يعبروا عن رأي، وفق قوله.

ووفقا للتسجيل المتداول حينها، وقيل إنه كان سببا في اعتقاله، فقد توجه الشيخ صالح آل طالب بصرخة نذير للجميع، متسائلا: “يا أيها المسلمون، ما الذي غيركم حتى بتنا نرى التزاحم على أماكن اللهو والطرب؟”، الأمر الذي أزعج السعودية التي يقودها فعليا ولي العهد محمد بن سلمان.

وتابع متسائلا: “يا أيها المسلمون.. ما الذي حل بكم حتى بتنا نرى النساء والفتيات يتراقصن مع الشباب جنبا إلى جنب في منظر والله تقشعر منه الأبدان وترتجف منه القلوب؟”.

وأردف: “أيها المسلمون.. ما الذي دهاكم؟ فسقت قلوبكم وجفت مشاعركم وتبدلت أحاسيسكم فبتم ترقصون على جثث قتلى حربكم المدافعين عن دينكم ومقدساتكم وبلادكم؟”.

وزاد بالقول: “أيها المسلمون.. ما الذي أصابكم حتى يتهافت على المساجد فئات منكم ليس للصلاة فيها بل للصعود عليها لمشاهدة فاسق يغني وسفيهات وسفهاء يرقصون ويتراقصون؟”.

وتابع مستنكرا: “أنسيتم أم تناسيتم حرمات الله.. أنسيتم أن الذي اعتليتم مبانيه وتراقصتم فوقها هو بيت من بيوت الله؟”.

وفي خطبة أخرى متداولة حذر صالح آل طالب ممن أسماهم “أرباب العلمنة المنافقين والمنافقات، والدواعش والبغاة، والروافض ومثيري الشبهات والشهوات”.

وحذر من “الحفلات الماجنة والدعوات المشبوهة والتبرج والسفور والعري والاختلاط والفساد، ومن بالماء العكر يصطاد”.

 

قاض معروف

ولد الشيخ صالح بن محمد إبراهيم آل طالب في مدينة الرياض في 23 يناير/كانون الثاني 1974، لأسرة محبة للعلم والدين، من قبيلة الفضول من بني لام من طيء، يرجع أصل عائلته إلى حوطة بني تميم.

الشيخ آل طالب متزوج وله من الأبناء اثنان: عبد المجيد وهشام ومن البنات ثلاثة. تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي ضمن مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم في الرياض، هناك وفي جامعة الملك سعود التحق بكلية الشريعة الإسلامية وتخرج فيها عام 1995.

حصل بعدها على درجة الماجستير في المعهد العالي للقضاء ويتقن اللغة الإنجليزية بطلاقة، كما درس الفقه في قسم الفقه المقارن أثناء فترة حصوله على الماجستير وتخرج عام 1998.

رشحته السلطات السعودية للسفر إلى بريطانيا مع ثلاثة قضاة آخرين للحصول على درجة الدكتوراه في القانون الدولي من المملكة المتحدة، نظرا لحاجة المملكة آنذاك لقضاة مؤهلين تأهيلا قانونيا يسمح لهم بتمثيل البلاد دوليا.

رافق ذلك صدور أمر ملكي بتعيينه إماما وخطيبا في المسجد الحرام بمكة المكرمة، وهو ما آثره على السفر.

عين الشيخ آل طالب منذ سن السابعة عشر إماما في مسجد علياء بالرياض، وتتلمذ على يد كبار علماء المسلمين، أبرزهم والده وجده، إضافة إلى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الشيخ عبد العزيز بن محمد السدحان، الشيخ سعد الحميد، الشيخ صالح السدلان وغيرهم، مما خوله ليكون أبرز المؤهلين لإمامة المسجد الحرام.

وعمل الشيخ ثلاث سنوات قاضيا في المحكمة الكبرى والمستعجلة بالرياض، كما عمل في محاكم بمحافظات أخرى، وكان قاضيا في المحكمة الكبرى بمكة المكرمة إلى حين اعتقاله قبل 4 سنوات.

جرى تعيين الشيخ آل طالب قاضيا في المحكمة الجزئية الموجودة بمكة المكرمة قبل أن يصدر أمر ملكي بتعيينه إماما وخطيبا للحرم المكي عام 2004، إلى جانب ذلك حظي بمناصب عدة.

وتولى رئاسة جمعيتي “الحاج والمعتمر الخيرية” بمكة، و”جمعية قرى جنوب مكة الدعوية”، وكذلك شغل منصب رئيس لجنة مكافحة التدخين في المملكة.

وكان عضوا في جمعية “عناية الطبية” التابعة لمنطقة الحرم ومكة، وتولى رئاسة جمعيات عدة لـ”تحفيظ القرآن” حول المملكة.

ولازم أثناء عمله قاضيا في المحكمة الكبرى والمستعجلة بالرياض لمدة ثلاث سنوات، كبار القضاة الشرعيين وهو ما أثرى مرجعيته كقاض بارز لاحقا، عين بعدها قاضيا في محافظة تربة لمدة عامين، ثم نقل قاضيا لمحكمة محافظة رابع لمدة عامين ونصف.

 

داعية نشيط

عرف عن الشيخ صالح آل الطالب أنه كلما أقام في منطقة من المملكة يقدم لها الكثير من الخدمات، ولا سيما الدينية والمجتمعية منها، ويؤسس مدارس تحفيظ للقرآن وجمعيات خيرية إسلامية.

قدم الشيخ صالح الكثير من الأبحاث المكتوبة، التي نشر بعضها متناولة الكثير من المواضيع المختلفة وارتباطها بالدين، وله باسمه كتاب واحد مطبوع بعنوان “أثر المسجد الحرام في نشر الثقافة”، كما يقيم عددا من الدروس والمحاضرات العامة بشكل أسبوعي لطلبة العلم.

في فترة قضائه في رابغ بمدينة مكة عمل قاضيا بالانتداب بمحكمتي بدر وخليص عدة مرات لعدة أشهر أثناء غياب قضاتها، كما سبق انتدابه عدة مرات لعدة أشهر إلى وزارة العدل.

يتميز الشيخ بالكفاءة في عمله القضائي والجلد في حل القضايا، وقد وجه من قبل مجلس القضاء الأعلى لإحدى المحاكم لاختلال العمل فيها وعدم استقراره لسنوات، مما تسبب في إعفاء القضاة الذين قبله وإحالتهم للتقاعد المبكر.

فاستطاع خلال أشهر أن يسير العمل تسييرا حسنا تلقى على إثره شكرا وتقديرا من بعض أعضاء مجلس القضاء الأعلى رغم أن عمره كان 28 سنة.

للشيخ جهد دعوي للمكان الذي يحل به، ففي مدينة رابغ كان له دور في تحريك المناشط الدعوية والتي كانت شبه متوقفة لأسباب يعرفها من عاصر فتنة الحرم من أهل البلد قبل أكثر من عشرين سنة.

فاجتمع عليه شباب البلد وأسس جمعية لتحفيظ القرآن الكريم ومكتبا لدعوة الجاليات ومكتب إفتاء وتوجيه وقام هو بالعمل فيها. كان يقيم عددا من الدروس والمحاضرات العامة الأسبوعية والموسمية.

دراسته للفقه والشريعة وإتقانه للغة الإنجليزية جعلته مؤهلا لتمثيل السعودية في الندوات والمؤتمرات المحلية، العربية والدولية.

فكثيرا ما عمل في المجال الدعوي في الولايات المتحدة الأميركية، محكمة العدل الدولي، مؤتمرات دولية للتحكيم التجاري، القانوني والإلكتروني وغيرها.

وشارك كذلك في مؤتمر الجوانب القانونية للتجارة الإلكترونية بجامعة الدول العربية بمصر، وفي الملتقى القضائي العربي الثاني بمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي.

وكذلك شارك في الملتقى القضائي العربي بالعاصمة المغربية الرباط، وفي دورة بالتحكيم التجاري الدولي نال خلالها شهادة من معهد القانون الدولي بواشنطن.