اتخذت المملكة العربية السعودية خطوة بدت وكأنها خطوة غير مباشرة نحو تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد، وذلك بعد شهور قليلة من فتح ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، باب التعامل مع دمشق مجدداً.
الخطوة السعودية جاءت عبر صحيفة “إندبندنت” عربية المملوكة للرياض، والتي نشرت تقريراً، الاثنين 12 أكتوبر، بعنوان “دمشق تعيد وصل الحبل المقطوع بينها وبين السعودية والإمارات”.
وحمل التقرير ما يشبه الدعوة لإعادة تطبيع العلاقات بين المملكة ونظام بشار الأسد بعد سنوات من القطيعة بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها بحق السوريين.
وقالت الصحيفة إن “الكابل الضوئي” أول كابل قُطع خلال فترة الحرب في سوريا، وإبان الحراك الشعبي عام 2011، ومثّلت عودته إشارة ثانية في اتجاه بدء تفعيل التعاون العربي المتوقف.
وكانت الإشارة الأولى بحسب الصحيفة هي سماح الرياض بمرور شاحنات البضائع السورية عبر أراضيها بعد فتح معبر (نصيب) الحدودي جنوبي البلاد بين دمشق وعمّان، في 27 سبتمبر الماضي.
وزعمت الصحيفة أن الشارع السوري يعبر عن ترحيبه بهذا التطور “مع تردد أنباء عن حلحلة دبلوماسية تلوح في المنظور القريب بين النظام السوري ودول عربية وخليجية”. كما نقلت عن عضو في برلمان النظام تعبيره عن أمله بضرورة تفعيل موقف عربي موحد وأن يكون ذلك قريباً.
على خُطا الإمارات
الإمارات التي دعمت الانتفاضة الشعبية السورية ضد الأسد وسحبت سفيرها من دمشق وطالبت بإسقاط رأس النظام عادت، في نهاية 2018، لتفتح سفارتها بدمشق مجدداً، لتفتح بذلك طريقاً أمام من يرغبون في إعادة علاقاتهم بحليف إيران الأبرز في العالم العربي.
وفي أبريل الماضي، كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أن ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، قام بمحاولات مضنية لدفع رئيس النظام السوري بشار الأسد لإنهاء وقف إطلاق النار مع القوات المعارضة المدعومة من تركيا في محافظة إدلب.
وتحدث التقرير عن تعهّد بن زايد بدفع 3 مليارات لنظام الأسد، فضلاً عن تفاصيل بشأن دعم عسكري واستخباراتي وتقني قدمته فعلاً له خلال العامين الماضيين.
وفي 2 يونيو الماضي، كشف موقع “أوريان 21” الفرنسي عن معلومات بشأن الدعم الذي تقدمه الحكومة الإماراتية للنظام السوري، مؤكداً أن التقارب بين الجانبين يتجاوز مجرد تطبيع العلاقات الدبلوماسية.
وقال الموقع إن معلومات استمدها من تحقيق أجرته لجنة “العدالة والحرية للجميع” الفرنسية (غير الحكومية) تكشف وجود مساعدات لإعادة الإعمار وشراكات عسكرية وأمنية بين الجانبين.
وكما تبدو الرياض سائرة خلف أبوظبي فيما يتعلق بتطبيع العلاقات مع دولة الاحتلال، فإنها تبدو أيضاً كذلك فيما يتعلق بعودة التعامل مع نظام الأسد.
فقد تحدث تقرير “إندبندنت عربية” عن مشاركة وفد تابع للنظام السوري في اجتماع لاتحاد الصحفيين العرب بالعاصمة السعودية الرياض نهاية 2019، لتكون المرة الأولى التي تستقبل فيها المملكة شخصية محسوبة على نظام الأسد بشكل علني.
وأشارت إلى لقاء “ودي” جمع مندوب السعودية لدى مجلس الأمن الدولي، عبد الله المعلمي، بنظيره سفير النظام بشار الجعفري في حفل دبلوماسي، تحضيراً لرئاسة السعودية اجتماع مجموعة العشرين، في فبراير الماضي، “ما أعطى بصيص أمل بالسير نحو تغيير قادم”، وفق تعبيرها.
وقد أهاب الائتلاف السوري (المعارض)، في بيان أصدره يوم 6 أكتوبر الجاري، بـ”ضرورة البقاء على الإجماع العربي في مقاطعة النظام”.
تحجيم تركيا
تقرير “ميدل إيست آي” قال إن محاولات أبوظبي إعادة تدوير نظام الأسد تهدف بالأساس لاستنزاف القوة العسكرية التركية التي تخوض معارك مع المسلحين الأكراد الموجودين على حدودها مع سوريا من جهة، وإلهاء أنقرة عن الأزمة الليبية من جهة أخرى.
بل إن التقرير نقل عن مصادر رفيعة لم يسمها أن دافع بن زايد الرئيسي لضرب الجيش التركي في إدلب هو تخفيف الضغط عن حليف أبوظبي في ليبيا اللواء خليفة حفتر.
وكانت السعودية قد استدعت سفيرها من دمشق، في أغسطس 2011، ثم أعلنت في مارس 2012، إغلاق سفارتها في دمشق وسحب جميع الدبلوماسيين والعاملين فيها.
لكن أوضاع المملكة بعد العام 2016 لم تعد كما كانت قبلها وعلى كافة الصعد؛ إذ يتبنى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، المسيطر الفعلي على مقاليد الأمور، سياسة تتسق إلى حد التطابق مع سياسات أبوظبي.
وكما هو معلوم فإن أنقرة تتعامل مع الأكراد السوريين الذين يحاولون إقامة دولة جديدة على حدودها بوصفهم خطراً وجودياً، وقد شنت عمليات عسكرية واسعة خلال العامين الماضيين لطردهم بعيداً عن حدودها، وقد نجحت في ذلك بشكل كبير.
ونهاية أغسطس الماضي، نقلت وكالة “الأناضول” التركية أن الإمارات قدمت منذ عامين ونصف العام دعماً استخباراتياً كبيراً للمسلحين الأكراد شرقي سوريا.
وأكدت الوكالة أنها حصلت على معلومات من “مصادر موثوقة” تفيد بأن مسؤولين إماراتيين أجروا، في نهاية 2017، لقاءات سرية مع قادة وحدات حماية الشعب الكردية (بي كا كا) في سوريا، وتعهدوا بتقديم الدعم له.
لعب على المكشوف
المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو يرى أن هذه الخطوة تدخل ضمن مخطط استراتيجي واضح؛ مشيراً إلى أن أبوظبي والرياض لم تكونا صادقتين في رفضهما استمرار نظام الأسد في الحكم.
وفي تصريح لـ”الخليج أونلاين” قال أوغلو إن هناك سياسة خفية للرياض وأبوظبي وعواصم خليجية أخرى نحو دعم الأنظمة الاستبدادية أملاً في إنهاء الربيع العربي، بدليل ما حدث في مصر، وأيضاً عبر تفتيت فصائل المعارضة السورية.
الجديد في الأمر، يضيف يوسف أوغلو، هو الدور الاستراتيجي الذي أصبحت تقوم به “إسرائيل” بمعاونة الإمارات (علناً) والسعودية (سرّاً)، بهدف تعويم فكرة التطبيع، وإزالة حواجز ضم مزيد من الأراضي، وهو التغير الذي كشف كذبة فكرة الممانعة.
وأضاف يوسف أوغلو: “ما يحدث حالياً يؤكد أن دول الممانعة مثل إيران وسوريا هي من أكبر داعمي المشروع الإسرائيلي في المنطقة، فإيران أكبر داعم لتفتيت العراق وغيره من الدول، وهذا بالطبع يخدم مصلحة الاحتلال. سوريا سلّمت الجولان تسليماً لإسرائيل، ومن ثم فهذه الدول بالنهاية كلها تحمي دولة الاحتلال وتخدم مخططاته ومخططات واشنطن”.
وبناء على ما سبق يمكن القول إن اللعب حالياً أصبح على المكشوف؛ فالإمارات تمارس تطبيعاً غير مسبوق لكونه يقدم خدمات مجانية للاحتلال، والسعودية أيضاً تتجه نحو تطبيع مماثل قبيل الانتخابات الأمريكية المرتقبة، بحسب المحلل التركي.
أجندات أمريكية إسرائيلية
ويرى المحلل التركي أن ما يحدث حالياً “سلام مقابل استسلام” وليس سلاماً مقابل سلام” كما يشيع محور التطبيع، كما أنه محاولة لترسيخ الدول التي تخدم المشروع الإسرائيلي، ومن ضمن ذلك سوريا وإيران، مقابل هجوم شرس على دولة تركيا.
ولفت يوسف أوغلو إلى أن أكبر شاهد على استعداء تركيا لصالح “إسرائيل” هو دعوات مقاطعة تركيا ومنتجاتها التي بدأت تخرج من دول خليجية مستهلكة تمهيداً لاستبدالها بمنتجات إسرائيلية.
كما أن محاولة شرعنة نظام الأسد -وفق الكاتب التركي- أو إعادة تدويره، ربما يكون بناء على تعليمات من واشنطن؛ حيث إن سوريا ولبنان تمثلان أهمية كبيرة في موضوع غاز شرق المتوسط، ومن ثم فإن الولايات المتحدة و”إسرائيل” تحاولان تثبيت أنظمة تابعة لهما يمكنها ترسيم الحدود البحرية بما يجعلها قادرة على قضم جزء كبير من حقوق العرب في هذا الغاز.
هذا الأمر سينتهي بحرب أكبر وليس بسلام أوسع كما يزعمون؛ لأن هناك دولاً كبرى في المنطقة مثل تركيا لن تقبل بتمرير مثل هذه المخططات، كما يقول يوسف أوغلو.
وأشار المحلل التركي إلى أن دولاً مثل مصر ولبنان ليست صادقة في تحركاتها بشأن غاز شرق المتوسط، وإنما هي تخدم أجندات الدول الاستعمارية التي تعمل بكل جد لإخراج تركيا من معادلتي الاقتصاد والسياسة العربيتين.
وفي ديسمبر 2018، أعادت الإمارات افتتاح سفارتها في دمشق، ما أغضب جهات دولية ومدنية، كما هاتف ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، رأسَ النظام بشار الأسد، لأول مرة، في مارس الماضي، بعد تفشي فيروس كورونا.
ولاحقاً، أرسل بن زايد مساعدات طبية في إطار ذلك، رغم التحذير الأمريكي من التعامل مع النظام في ظل العقوبات الأمريكية الموسعة المفروضة عليه وعلى داعميه، وتلتها في تطبيع العلاقات مملكة البحرين.