في الأيام الأخيرة عادت مقالات الرأي تشغل بال واهتمام المصريين من جديد، بعدما خيم على منصات التواصل الاجتماعي مقالان لكاتبين مصريين يختلفان بالرأي والتوجه، لكنهما يتحدان في الإقامة بالخارج.

ومن أهم نقاط الاختلاف بين عماد الدين أديب وحافظ الميرازي تبرز النظرة إلى النظام السعودي وحاكمه الفعلي الحالي محمد بن سلمان، الذي يعده كثير من المصريين “الكفيل” الذي يمد عبد الفتاح السيسي بالمال ويدعم بقاء نظامه الديكتاتوري.

لكن هذا الكفيل في مقتبل العمر، ومنذ توليه منصبه قبل عدة سنوات وهو متورط في ممارسات اندفاعية أوقعته في كثير من الفضائح ووضعت كثيرا من علامات الاستفهام بشأن مستقبله السياسي.

ومنذ أيام تتصاعد التقارير والتكهنات بشأن وجود خلافات غير معلنة بين ابن سلمان والسيسي، ومن أبرز معالمها عدم مشاركة الأول في قمة العلمين العربية المصغرة التي حضرها قادة الإمارات والعراق والأردن والبحرين إلى جانب السيسي.

وهذه ليست المرة الأولى التي يجري الحديث فيها عن خلافات مماثلة، بل عرفت العلاقة بين الرجلين القمعيين أزمة أكبر عام 2016، وصلت حد اتخاذ إجراءت علنية، لكن جرى تدارك الأمر بتنازلات لاحقة.

 

أديب والميرازي

في 24 أغسطس/ آب 2022، كتب الإعلامي المصري البارز المقيم بأميركا حافظ الميرازي مقالا لموقع المنصة الإلكتروني، تحت عنوان “حين يغضب الكفيل السعودي من مصر”.

قال فيه: “كتب أحد المصريين (يقصد عماد الدين أديب)، الذين أتخمهم الأرز السعودي منذ عرفوا مذاقه وهم في مصر عند نهاية السبعينيات، وعرفوا متى يمكنهم إغضاب وإرضاء الحاكم في القاهرة”.

وأضاف: “مهما تقارب معهم، طالما كانت هذه إرادة حاكم الرياض، ويعدد الأسباب التي تطيح بالأنظمة العربية، ويندب حظ العرب لعدم وجود انتقال سلمي للسلطة عندهم مقارنة بالغرب”.

وأوضح الميرازي أن “المقال سعودي التمويل تزامن مع غياب الكفيل السعودي عن حضور قمة العلمين المصرية، التي استضافت زعماء أربع دول عربية هي الإمارات والبحرين والعراق والأردن”.

وعقب أن ذلك يرجع إلى أن “مصر متفقة مع الإمارات على عودة سوريا الأسد إلى الصف العربي.. وهو موقف لم يتغير، لكنه يتوارى كلما زاد الضغط السعودي رافضا له ولأي تقارب مع إيران”.

وشدد الميرازي على أن “الكفيل السعودي بقيادته الشابة الجديدة لا يعرف تقبيل أو (بوس اللحى) عند أي خلاف مع أي حليف أو تابع، فطالما كان لديه أرز يملك منحه أو منعه، فهو لا يتردد في قطع الأرزاق وربما حتى الأعناق، إن لم يحصل على تبعية كاملة”.

واستشهد الكاتب المصري بما حدث مع رئيس وزراء لبنان الأسبق سعد الحريري، الذي احتجزه ابن سلمان في الرياض حتى أجبره على الاستقالة عام 2017.

وكذلك ما حدث مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، الذي أجبر أيضا على التخلي من منصبه من الرياض في 2022.

واختتم متسائلا: “هل يتصرف الكفيل السعودي بناء على هذه النصيحة بأنه غير مستعد لمواصلة تمويل المشروع المصري، وأنه حان وقت دعوة القائم عليه (الجيش) إلى قهوة المصارحة والانصراف؟

وتابع: أم أن ما يمكن أن يحدث مع زعيم لليمن أو لبنان لايمكن فعله مع مصر لأنها أكبر من أن يسقط حاكمها نتيجة فيديو أو مقال أو فنجان قهوة مع كفيل غاضب ومتهور؟”.

وفي 14 أغسطس 2022، كتب الكاتب عماد الدين أديب المقيم في جدة، والمحسوب إعلاميا على السعودية، مقالا رصد فيه “14 سببا لسقوط الحكام والأنظمة”.

ونشر المقال في موقع “أساس ميديا” اللبناني الممول من السعودية، وحظي بضجة كبيرة؛ لأن ما كتبه أديب يكاد ينطبق على نظام السيسي دون أن يذكره، ويختمه بتأكيد سقوطه قبل منتصف 2023.

وأثار مقال أديب تساؤلات عما دفعه للكتابة عن أسباب سقوط الحكام والأنظمة الآن؟ ولمن يوجه كلامه في المقال؟ ولمن يبيع بضاعته؟ ولماذا حدد موعد سقوط الأنظمة بدقة قبل منتصف 2023؟ وهل لديه معلومات؟

وكان أديب قد كتب مقالا سابقا في يونيو/ حزيران 2022 في صيغة تبدو كتهديد من نظام السيسي أن نظامه في أزمة، وأنه ما لم يتدخل الخليج فورا سينهار النظام ومن ثم المنطقة أوائل 2023.

ما زاد الجدل عن وجود تباينات بين النظامين المصري والسعودي في مجموعة من القضايا والملفات.

 

غياب غامض

وأثار غياب السعودية عن قمة “العلمين” الأخيرة في مصر عاصفة من التساؤلات، خاصة وأن القمة أطلقت لمناقشة الأمن العربي، مع حديث عن الموقف العربي العام من نظام الأسد في سوريا، والسعي إلى دمجه مرة أخرى في المنظومة العربية.

وبينما كانت المدينة المصرية الساحلية تستضيف في 22 أغسطس 2022 قادة الإمارات والبحرين والعراق والأردن، تصدر هاشتاغ “العلمين السعودية” مواقع التواصل الاجتماعي.

إذ غرد الصحفي المصري جمال سلطان قائلا: “اجتماع خماسي غامض ومفاجئ شهدته مصر اليوم، بين قادة: مصر والإمارات والبحرين والأردن والعراق، عنوانه: مناقشة تعزيز التعاون المشترك”.

وأضاف أن “قمة القاهرة المفاجئة غاب عنها قادة السعودية وقطر والكويت، فهل نحن أمام بداية تشكل محاور جديدة في المنطقة ؟!”.

من جانبه، كتب السياسي المصري الدكتور مصطفى جاويش، “مدينة العلمين الجديدة تشهد اليوم اجتماع قمة يشمل مصر والإمارات والبحرين والأردن والعراق، الهدف الإقليمي بات واضحا! ولكن ما هو سر غياب السعودية؟”

ولم يلفت غياب السعودية عن قمة العلمين أنظار السياسيين والإعلاميين فقط، بل وصل الأمر إلى إسرائيل، حيث أظهر الإعلام العبري فضوله من غياب الرياض عن القمة العربية رغم حضور الإمارات والبحرين والعراق والأردن.

وكتبت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، إن “عدم وصول أي مسؤول سعودي إلى القمة التي عقدها السيسي مثير للتساؤلات”.

 

خلافات سابقة

ومع أن السعودية أحد جناحي طرفين إقليميين داعمين لعبد الفتاح السيسي، لكن هذا لم يمنع اندلاع خلافات متعددة بين النظامين طوال السنوات الماضية.

أشدها وأشرسها ما كان في أكتوبر/ تشرين الأول 2016، عندما اندلعت حالة من توتر العلاقات بين البلدين لتصل إلى حالة من “الحرب الإعلامية”، بعد تصويت القاهرة في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الروسي حول سوريا.

وقتها أعلنت شركة “أرامكو” السعودية وقف شحنات البترول الخاصة بالقاهرة، ليتبعها مغادرة السفير السعودي أحمد قطان القاهرة، كما ذكرت وسائل الإعلام آنذاك.

وقتها شن الإعلامي المصري التابع للنظام أحمد موسى حملة شرسة ضد السعودية، وقال في برنامجه ” إن مصر عصية ولن تركع، والسيسي رئيس البلاد حمل الكثير من أجل مصر”.

وحينها أكد أيضا الكاتب المصري إبراهيم عيسى التابع للنظام، والمعروف بمناهضته للمملكة، أن “السعودية لا تطيق موقفا سياديا مستقلا لمصر”.

فيما ذهب الإعلامي يوسف الحسيني إلى أبعد من ذلك، إذ هاجم ابن سلمان شخصيا، وحذر في برنامجه في تعليقه على قطع البترول عن مصر قائلا: “هي مصر بتتشد ودنها! إحنا لو رفعنا إيدينا بس.. الولد هيعيط لأبوه”، وهو ما عده السعوديون “إهانة بالغة”.

 

“صحيح عيل”

ومن أبرز المناوشات ما كان في ديسمبر/ كانون الأول 2018، حيث كشفت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن تفاصيل برقية سرية، أرسلها السفير الإماراتي في مصر “جمعة مبارك الجنيبي” إلى وزير الدولة للشؤون الخارجية آنذاك “أنور قرقاش” حول زيارة ولي العهد السعودي “محمد بن سلمان” لمصر آنذاك.

وذكرت الصحيفة أن الجانب السعودي رفض مشاركة أفراد أمن مصريين بتأمين موكب ابن سلمان خلال تنقلاته في مصر.

وورد في الوثيقة أن وزير الخارجية السعودي (آنذاك) عادل الجبير وجه انتقادات كبيرة لوزير الخارجية المصري سامح شكري، وعده أداة تعيق تقدم العلاقات السعودية المصرية.

وكشفت الصحيفة عن تصرف غريب قام به ابن سلمان، أدى لغضب السيسي، موضحة أن الأخير أعد حفلة في دار الأوبرا تكريما للضيف السعودي، وعند تلاقي الموكبين بالقرب من مقر الحفل تفاجأ السيسي بانفصال موكب ابن سلمان قبل دخول الدار.

وأتبعت أنه بعد “دخول السيسي القاعة انتظر طويلا، واستفسر الجانب المصري من الجانب السعودي. فجرى إبلاغه بأن الأمير ذهب إلى الفندق”، وهو “مريح شوية”.

وأفاد مقربون من السيسي أنه اغتاظ حينها لهذا التصرف وغادر القاعة قائلا: “صحيح عيل” في إشارة إلى تصرفاته الطفولية.

وأوضحت الصحيفة اللبنانية أن الموقف ليس مجرد حالة غضب سقط فيها رئيس النظام المصري، بل هو انطباع راسخ لديه أن ولي العهد السعودي مجرد عيل “فتى صغير” لا خبرة لديه.

 

مناورة محدودة

وفي قراءته للمشهد قال الباحث في العلاقات الدولية عزيز بن عمر، إن “السياسة السعودية اتسمت في السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ بداية عهد محمد بن سلمان، بالاندفاع القوي، والخطوات غير المحسوبة في كثير من الأحيان”.

وأضاف أن  ذلك “حدث مع رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري، ومع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وهو ما ذكره الكاتب حافظ الميرازي في مقالته، وهذا عين الحقيقة، لأنها مواقف رسمت طبيعة فكر الأمير وشكل قراراته”.

وتابع: “مع ذلك بالإسقاط على مصر فإن السيسي ليس كالحريري أو عبد ربه، ووضعية مصر ليست كغيرها، ولا يمكن صياغة الأحداث على أساس التطابق، واضح أن الرياض انقلبت على موقفها من القاهرة وصار بينهما خلاف، لكن نستطيع أن نقول أنها تباينات عابرة، وليست حتى كأزمة عام 2016، إنما أخف وطأة”.

فعدم حضور السعودية لقمة العلمين، يوضح بن عمر، “قد يحمل دلالة على تباينات واختلافات، لكن لا نستطيع أن نصفه بالمقاطعة والعقاب للقاهرة، لمجموعة من الاعتبارات”.

أولها أن قمة العلمين ليست قمة دولية كبيرة، أو حدثا إقليميا بارزا، لكنها قمة محدودة جمعت بعض الدول المتوحدة في موقفها من نظام الأسد، على رأسها مصر، التي لم تغير موقفها أبدا من إعادة دمج الأسد في الجامعة العربية، يوضح الباحث.

وأكمل: “بينما تظل السعودية وقطر على موقفهم الثابت من رفض ذلك الطرح، وحتى في أشد أوجه الخلاف بين الدوحة والرياض، وأقرب درجات التوافق بين القاهرة والرياض، ظل الوضع على ما هو عليه من حيث علاقة كل فريق بالنظام السوري”.

واستدرك بن عمر: “لكن بالنسبة للوضع الحالي فإن هناك خلافات قد تبدو أكثر جوهرية، وهي الأزمة الاقتصادية ومحاولة حصول القاهرة على أموال أكثر من الخليج وصندوق النقد الدولي، وهنا مربط الفرس، لأن المساعدات الخليجية باتت أكثر محدودية من ذي قبل”.

ومضى يقول: وربما هذا ما دفع القاهرة لدق ناقوس الخطر، وأن تهديد نظامها تهديد لأمن الخليج ككل، والسيسي لا يملك كثيرا من أوراق المناورة في الفترة الحالية تسمح له بإغضاب الرياض وأبوظبي، بل هو يدفع بكل السبل لتحسين العلاقات، وفتح البلاد أمام المستثمرين الخليجيين للحصول على أكبر قدر من القروض والمساعدات.

وأكد أن “هذا الأمر هو الذي سيكون فارقا حقا في طبيعة العلاقات بين الجانبين خلال السنوات اللاحقة”.