نشرت صحيفة “بوبليكو” الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن الوضع الحرج الذي تمر به المملكة العربية السعودية منذ صعود ولي العهد محمد بن سلمان إلى الحكم.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إن الرياض لطالما حافظت على سياسة خارجية سرية قوامها الحذر والاحتراز مع شركائها. لكن بعد تعيينه وليا للعهد، عرّض محمد بن سلمان الاستقرار الإقليمي والدولي للمملكة للخطر، بسبب انتهاجه لسياسة عدوانية تعتمد على دعم الولايات المتحدة وإسرائيل.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، شهدت السياسة الخارجية السعودية تغييرا جذريا زاد من سوء الأوضاع، ولم يؤثر ذلك على البلاد فحسب؛ بل شمل منطقة الشرق الأوسط أيضا. فقد صممت السياسة الخارجية السعودية بطريقة تكتيكية تتماشى تماما مع الظروف التي تعيشها المملكة، لكن مع وصول ابن سلمان إلى سدة الحكم تغيرت أوضاع المملكة 180 درجة وأصبحت سياستها أكثر عدوانية.
وأوضحت الصحيفة أن هذه التطورات أثارت حفيظة الكثير من الأمراء الذين يتطلعون لخلافة العرش، خاصة أن ابن سلمان يحاول احتكار السلطة. وفي جولته الأخيرة التي نقلته إلى قمة مجموعة العشرين في بوينس آيريس، وزار قبلها العديد من الدول العربية، اتخذ ابن سلمان سلسلة من الإجراءات الوقائية داخل البلاد من بينها ارسال وحدات عسكرية إلى الرياض لإحباط أي عملية انقلاب قد تنفذ ضده.
وأفادت الصحيفة بأن قضية اغتيال الصحفي جمال خاشقجي تمثل قمة جبل جليدي ضخم من الأحداث التي هزت المملكة، لعل أبرزها التدخل العسكري السعودي في البحرين، والدعم السعودي لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، إلى جانب الحصار المفروض على قطر، وإيقاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، والخلاف مع كندا حول حقوق الإنسان، وحرب اليمن.
وفي ظل حكم ابن سلمان، تحولت السعودية إلى أكبر بؤرة لانعدام الاستقرار في المنطقة بدعم من حليفها الجديد إسرائيل. وفي حين يدعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن السعوديين يمثلون مصدر الاستقرار، يُظهر الواقع بوضوح عكس ذلك تماما.
وأضافت الصحيفة أن السياسة الخارجية التكتيكية القديمة قد سمحت للمملكة العربية السعودية بالصمود في خضم موجات الاضطراب التي اجتاحت مختلف أقطار الشرق الأوسط. وفي الوقت الراهن، يعتبر العديد من الأمراء، خاصة أبناء عمومة ابن سلمان، أن الطريق الذي سلكه ابن سلمان يشكل خطرا حقيقيا على البلاد والعائلة المالكة.
وبينت الصحيفة أنه على مدى عقود، سمحت الرياض لدول عربية مثل سوريا والعراق ومصر أن تأخذ بزمام المبادرة في السياسة الخارجية. لكن هذه البلدان الثلاثة عانت عدة أزمات خلال السنوات الأخيرة مما جعل ابن سلمان يسعى لاستبدالها. وفي الواقع، إن مداخيل النفط الضخمة لن تدوم طويلا، وسرعان ما ستنضب آبار الذهب الأسود في غضون عقد أو عقدين. وفي هذه الحالة، سيكون من الصعب على المملكة الاستمرار في انتهاج السياسة العدوانية الحالية على المدى المتوسط بعد أن تخلت عن سياستها التقليدية.
وأشارت الصحيفة إلى أن ابن سلمان تحالف بشكل وثيق مع إسرائيل في مشروعه الجديد. وكان لنتنياهو دور حاسم في عدم الإيقاع بابن سلمان في قضية اغتيال خاشقجي. “ولكن التحالف القائم بين هذين السياسيّين يشكل خطرا على الاستقرار الإقليمي. وخلال العقود الماضية، منح السعوديون حلفاءهم ثقة كبيرة في كل أمور الحرب، مثلما حدث خلال غزو الكويت سنة 1990، أو بعد الثورة الإيرانية سنة 1979. أما الآن، قام ابن سلمان بفتح مسار عسكري أقحم السعودية مباشرة في النزاعات الإقليمية، كما هو الحال في اليمن”.
ونوهت الصحيفة إلى أن صفقات الأسلحة الضخمة الموقعة بين السعودية والولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى، تشير إلى أن ابن سلمان سوف يستمر على نفس المنوال. ومن الواضح أن الأمير على استعداد لتعزيز مكانة المملكة كقوة مهيمنة في المنطقة، على الرغم من وجود شكوك في قدرته على تحقيق ذلك.
وأوردت الصحيفة أنه بعد الثورات العربية الفاشلة تدخلت السعودية بالفعل في البحرين سنة 2011، حيث ساهم جيشها في إجهاض هذه الثورات. كما أدركت الرياض أنها لا يمكن أن تثق في إدارة أوباما، التي لم تحرك ساكنا لإنقاذ الرئيس المصري السابق حسني مبارك. كما بذلت السعودية جهدا كبيرا لتسليح المعارضين في سوريا، وخاصة الجهاديين، على الرغم من أنها تعرضت في النهاية لانتكاسة خطيرة مع انتصار الأسد. وقد تدخلت السعودية مع الولايات المتحدة وإسرائيل في سوريا إلى أن قلب الأسد، الموازين بمساعدة روسيا وإيران.
وبينت الصحيفة أن التقدم الحوثي في اليمن سنة 2015، بالإضافة إلى وفاة الملك عبد الله، مكّن ابن سلمان من إقحام بلاده في نزاع عسكري مباشر ومكثف، هو الأول من نوعه في تاريخ المملكة العربية السعودية، والذي تسبب في سقوط عشرات الآلاف من الضحايا. وقد حافظ ابن سلمان على استمرار هذا النزاع بفضل الدعم العسكري الذي يتلقاه من الولايات المتحدة والدعم السياسي من قبل إسرائيل.
وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن اضطهاد ابن سلمان للأمراء السعوديين الآخرين والتدخل خارج حدود بلاده، كان من بين العوامل التي أوقعته في مأزق وأثرت على صورته داخل البلاد وخارجها، ليكتسب بذلك مزيدا من الأعداء. وخلال الربيع الماضي، صرح ترامب بأن نظام الرياض “لا يمكن أن يستمر حتى أسبوعين في غياب حماية الولايات المتحدة”.