عبد الرحمن بن خلدون
اعلم أنّ العدوان على النّاس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها، لما يرونه حينئذ من أنّ غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم، وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السّعي في ذلك.
وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرّعايا عن السّعي في الاكتساب، فإذا كان الاعتداء كثيرًا عامًّا في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك لذهابه بالآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها، وإن كان الاعتداء يسيرًا كان الانقباض عن الكسب على نسبته.
والعمران ووفوره ونفاق أسواقه إنّما هو بالأعمال وسعي النّاس في المصالح والمكاسب ذاهبين وجائين، فإذا قعد النّاس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران وانتفضت الأحوال وتفرق النّاس في الآفاق من غير تلك الدولة في طلب الرّزق فيما خرج عن نطاقها، فخفّ ساكن القطر وخلت دياره وخرجت أمصاره واختلّ باختلاله حال الدّولة والسّلطان!