مر عامان على أكبر سلسلة اعتقالات شهدتها السعودية استهدفت علماء ومفكرين ودعاة بارزين وأكاديميين وناشطين وناشطات حقوقيات، لتسجل إحدى أبرز النقاط السوداء والجرائم التي ارتكبها ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
وتمت الاعتقالات، وفقاً لمنظمات حقوقية، من دون أمر قضائي أو مذكرة إلقاء القبض، وهي طريقة تشبه عمليات الاختطاف، ويمنع المعتقل من التواصل مع ذويه أو توكيل محامٍ لمتابعة قضيته.
ولم تكشف السلطات السعودية حتى اليوم عن هوية معظم المعتقلين، ولا عن عددهم، وكل ما يتعلق بأوضاعهم داخل السجون، لكن مغردين سعوديين ومنظمات حقوقية تكفلوا بتلك المهمة، وتابعوا في كل مراحل الاعتقالات نشر معلومات وأسماء المعتقلين، وما تعرضوا له من اعتداءات وتعذيب، ومحاكمات وصلت إلى حد المطالبة بالإعدام.
حملة “سنتان على اعتقالات سبتمبر”
الاثنين 9 سبتمبر 2019، أطلق حساب “معتقلي الرأي”، المعني بمتابعة أخبار المعتقلين في السجون السعودية حملة تغريد تحمل اسم “سنتان على اعتقالات سبتمبر”، تزامناً مع مرور عامين على الحملة والملاحقات التي استهدفت علماء ومفكرين ودعاة بارزين وأكاديميين وناشطات حقوقيات.
ودعا الحساب جميع المغردين على موقع “تويتر” إلى المشاركة في هذه الحملة لنصرة معتقلي الرأي، وذلك منذ ساعات الصباح الأولى وعلى مدار اليوم.
وحفل الحساب بالعديد من التغريدات ضمن وسم “سنتان على اعتقالات سبتمبر”، استجابة لحملة نصرة معتقلي الرأي، مطالبين السلطات السعودية بالإفراج الفوري عن المعتقلين.
وجمع أسماء بعض العلماء البارزين الذين يقبعون في سجون السعودية؛ مثل الشيخ سلمان العودة، وناصر العمر، وعوض القرني، وعلي العمري، وغيرهم، معتبراً أنهم عظماء سيخلدهم التاريخ في صفحاته البيضاء، بينما سجانهم في صفحاته السوداء.
اعتقالات سبتمبر
وشملت حملة الاعتقالات الكبرى التي شنها ولي العهد، محمد بن سلمان، مطلع سبتمبر 2017، مئات من رموز تيار الصحوة؛ من أكاديميين واقتصاديين وكتاب وصحفيين وشعراء وروائيين ومفكرين.
وبدأت الحملة باعتقال الداعيتين سلمان العودة وعوض القرني، لتنطلق بعدها حملة الاعتقالات بسرعة كبيرة لتشمل رموزاً إسلامية بارزة؛ مثل الأكاديمي في المعهد العالي للقضاء عبد العزيز الفوزان، وإمام الحرم المكي صالح آل طالب، والشيخ سفر الحوالي، فضلاً عن ناشطين وناشطات ليبراليين.
واستجاب الكثير من النشطاء والمؤثرين السعوديين لحملة نصرة معتقلي الرأي، وكان أبرز المغردين الصحفي تركي الشلهوب، الذي نشر عبر الوسم شهادة مصورة للمعتقلة السابقة في السجون السعودية، يمنى دساي، وهي تتحدث عن الانتهاكات التي تتعرض النساء لها، وأبرزها إرغامهن على الطلاق، وقطع المياه الدافئة عنهن خلال فصل الشتاء، ومنع مواد التنظيف، وعدم السماح لهن برؤية الشمس.
نجل المعتقل في السجون السعودية والمهدد بالإعدام، سلمان العودة، عبد الله، كتب يقول: “قبيل سنتين من الآن بدأت واحدة من أسوأ فترات القمع والاعتقالات التعسفية في تاريخ البلاد”.
وقال العودة في تغريدته: “والدي اعتُقِل في مثل هذا اليوم، ولأشهر طويلة دون اتصال، عانى فيها ظروفاً صعبة بسبب سلوكيات تعذيبية: منها الحرمان من النوم والعلاج!”.
كذلك دعا نجل الداعية المسن سفر الحوالي، عبد الرحمن، السلطات السعودية إلى إطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والاعتذار لهم وإعادتهم إلى وظائفهم، ودفع تعويض عن مدة سجنهم التعسفي ومحاسبة المتسببين في ذلك.
أيمن العمودي كتب في تغريدة عبر حسابه في “تويتر”: “الشيخ سلمان العودة ما أعظم أنواع الحرية؟ هو ألا تسمح لأحد أن يقتحم دواخلك دون إرادتك، قد يهيمن على جسدك ولكن تظل الروح طليقة ويظل الفكر عصياً على التركيع لغير الله”.
الأكاديمية والمعارضة السعودية مضاوي الرشيد، أكدت أن السلطات السعودية اعتقلت حسن فرحان المالكي؛ لأنه كتب: “محمد بن عبد الوهاب داعية وليس نبياً”.
وأضافت في تغريدتها: “ففضح الإسلام الوهابي وتقديس وليهم وهم من يعترض على تقديس الأولياء”.
لم تقف القائمة عند الدعاة الإسلاميين فحسب، بل شملت المفكرين والاقتصاديين الذين لم يتحدثوا بما يرضي السلطة؛ مثل عصام الزامل وعبد الله المالكي، وجميل فارسي، ومصطفى الحسن الذي أفرج عنه لاحقاً بسبب تدهور حالته الصحية وإصابته بالسرطان.
ويضاف إلى الأسماء السابقة علي أبو الحسن، والمنشد الإسلامي ربيع حافظ، والروائي فواز الغسلان، والصحفيان خالد العلكمي وفهد السنيدي، ورئيس رابطة الصحافة الإسلامية أحمد الصويان، والدكتور يوسف المهوس، عميد كلية العلوم الإنسانية في جامعة حوطة سدير.
الحملة التي أطلقت المنظمات السعودية عليها اسم “حملة سبتمبر”، لا تزال مستمرة حتى بعد مرور عامين كاملين عليها، في ظل اعتقال السلطات شهرياً العشرات من الدعاة الذين لم يتمكنوا من الفرار خارج البلاد.
أعداد كبيرة
ونشر القائمون على حساب “معتقلي الرأي”، في 9 سبتمبر الجاري، قائمة بأسماء المعتقلين الذين عُرفت أسماؤهم في سجون السعودية، وتضم دعاة وناشطين بارزين.
وقال الحساب في تغريدة على صفحته في “تويتر”: “إن القائمة تضم من عُرفت أسماؤهم حتى اللحظة من معتقلي الرأي، منذ سبتمبر 2017 وحتى تاريخ اليوم، والمقدرة بـ110 معتقلين”.
وتقول مصادر سعودية إن السلطات تتحفظ على معظم “معتقلي سبتمبر” في أماكن مجهولة وشقق خاصة تابعة لجهاز أمن الدولة الذي أنشأه بن سلمان ليدير حملات الاعتقال ضد مناوئيه، لكن عدداً منهم يقبعون في سجني الحاير في مدينة الرياض، وذهبان في مدينة جدة، وهما أشهر سجنين سياسيين في البلاد.
أعداد بالآلاف وتعذيب
وفي سبتمبر 2018، كشفت مصادر حقوقية سعودية أن عدد معتقلي الرأي بالمملكة ناهز ثلاثة آلاف معتقل، منذ سبتمبر 2017، من تخصّصات شرعية وقانونية وقضاة وإعلاميين وغيرهم.
وأكدت المصادر، في حديثها لـ”الخليج أونلاين”، أن “السلطات اعتقلت عدداً غير معلوم من النساء، بعضهن يحتجزن مع أطفالهن في سجون لا تحترم أبسط مقومات حقوق الإنسان”.
وشددت المصادر، التي طلبت عدم ذكر أسمائها، على أن المعلومات التي تصلهم بخصوص أحوال المعتقلين داخل السجون “لا تزيد على عُشر عدد المعتقلين الحقيقي”.
كما ذكر “معتقلي الرأي”، العام الماضي، أن “عدد معتقلي الرأي في المملكة وصل إلى 2613، أي بعد سنة من الحملة، وتعرّض عدد من معتقلي سبتمبر للتعذيب الجسدي بالصعق والضرب والتعليق ساعات من الأذرع والسحل بساحات السجن”.
وينتهك الإهمال الصحي لمعتقلي الرأي في السعودية نظام الإجراءات الجزائية، وجميع المواثيق الحقوقية الدولية التي تكفل حقوق المعتقل وتضمن له رعاية صحية تامة.
ويرى مراقبون أن تحرّكات بن سلمان هذه هدفت إلى القضاء على النشاط الدعوي والحقوقي في البلاد بهدف تعزيز قبضته الأمنية، لتيسير تسويق رؤيته الجديدة القائمة على الانفتاح المفرط والمخالف لعادات المجتمع المحافظ وثقافته.
وتعزّز المحاكمات السريّة التي أجرتها السلطات السعودية لعدد من المعتقلين، على غرار الشيخ العودة الذي طالبت النيابة العامة بقتله “تعزيراً”، الشكوك حول نيّة بن سلمان إعدام عدد من المعتقلين خلال الأشهر المقبلة، تمهيداً لتنصيب نفسه حاكماً جديداً للبلاد.