واصلت أسهم عملاق النفط السعودي “أرامكو” خسائرها للجلسة الثانية على التوالي بعد اغتيال الجنرال الإيراني وقائد فيلق القدس قاسم سليماني، وتصاعد التهديدات الأمريكية الإيرانية، متجاهلة القفزة الكبيرة في أسعار النفط وتخطيها حاجز الـ70 دولارا للبرميل.

وصعدت العقود الآجلة لخام برنت إلى 70.74 دولار للبرميل وسجلت 70.25 دولار في الساعة 0551 بتوقيت غرينتش، مرتفعة 1.65 دولار بما يعادل 2.4 بالمئة عن تسوية الجمعة.

وخسرت أسهم أرامكو نحو 11 بالمئة منذ تسجيل ذروة 38.70 ريال، بعد أن هبطت في أول جلسة تداول بعد اغتيال سليماني، الأحد، 1.7 بالمئة إلى 34.6 ريال، واستمر الهبوط عند افتتاح الجلسة الثانية على التوالي إلى 34.45 ريال.

ومع تصاعد التوترات الأمريكية الإيرانية تثار تساؤلات حول مدى انعكاس ذلك على الاقتصاد السعودي؟ ولماذا لم تستفد أرامكو من ارتفاع أسعار النفط؟ وهل تدفع الشركة السعودية ثمن اغتيال سليماني الثمن إذا أصبحت هدفا لأي ضربات إيرانية متوقعة سواء باستهداف منشآت نفطية أو ناقلات نفط تابعة لها؟

 

خسائر أولية

وكان المؤشر العام للبورصة السعودية قد أنهى أول جلسة تعاملات بعد اغتيال سليماني على تراجع بنسبة 2.4 بالمئة، وفقد رأس المال السوقي نحو 44.81 مليار دولار بنهاية تعاملات الأحد.

وقفزت تكلفة التأمين على ديون السعودية من خطر التخلف عن السداد أكثر من 16 بالمئة منذ اغتيال سليماني يوم الجمعة في ضربة جوية أمريكية، وبلغت عقود مقايضة مخاطر الائتمان لخمس سنوات 64 نقطة أساس في المعاملات المبكرة اليوم الاثنين، ارتفاعا من 55 في الثاني من كانون الثاني/ يناير، وفقا لبيانات آي.أتش.أس ماركت.

وعن توقعاته لمدى تأثير اغتيال سليماني وتصاعد التوترات الأمريكية الإيرانية على الاقتصاد السعودي عامة وشركة أرامكو خاصة، قال الخبير الاقتصادي، والمهتم بشؤون النفط والطاقة، مصطفى بازركان، إن العوامل الجيوسياسية أصبحت مثل التخطيط للعبة البليارد أو السنوكر.

 

“قلق التصعيد”

وأكد بازركان، في حديثه لـ”عربي21″، إن التوتر الجيوسياسي أصبح الآن سيد الموقف، مستطردا: “صحيح حتى هذه الساعة ليس له علاقة مباشرة بإنتاج ومنشآت النفط ولكن أسعار النفط تأثرت به بعد أن تخطت حاجز الـ70 دولارا للبرميل”.

وأضاف: “كما أن اللون الأحمر طغى على مؤشرات البورصات العالمية ومنها الخليجية أيضا كظاهرة عامة، وعاد الذهب ملاذا آمنا وارتفع في تعاملات صباح الإثنين لأعلى مستوى منذ 7 سنوات بسبب اندفاع المستثمرين”.

وأشار بازركان، إلى أن أسواق النفط ستواصل تذبذبها خلال الفترة المقبلة بسبب الحذر من رد الفعل الإيراني المحتمل، وترقب الرد الأمريكي على أي ضربة إيرانية.

 

“لعبة البليارد”

وتابع: “دعني أستعير تعبيرا جديدا أطرحه لأول مرة وهو أن العوامل الجيوسياسية صارت مثل التخطيط للعبة البليارد أو السنوكر، ليس التفكير بأول ضربة ولكن معها الضربات اللاحقة وردود فعل الخصم”.

وأوضح أن “أسعار النفط الحالية مريحة لأسواق النفط وكل الشركات النفطية ترحب بذلك ومنها شركة أرامكو، لكن استمرار هذا المستوى من الأسعار فإنه يعرقل وعود الرئيس ترامب بتوفير مصادر نفط وغاز رخيصة للمواطن الأمريكي”.

وأردف: “لذلك فإن أي تحرك أو رد فعل إيراني على مقتل سليماني لابد أن يكون محسوبا بدقة ولن يستهدف أي شخصية أو منشأة أو هدف أمريكي. وإن استهدف أهداف أخرى فالسؤال: هل ستكون الضربة إيرانية التنفيذ أم على يد حلفاء إيران؟”، مؤكدا أن الموقف الأمريكي واضح ببدء تنفيذ استراتيجية جديدة لمواجهة إيران وأذرعها في المنطقة.

 

احتمالاً الرد

ومن ناحيته، أكد الخبير في شؤون النفط والطاقة، نهاد إسماعيل، أن الوضع خطير جدا وكل التوقعات تشير إلى استعداد إيران للرد، متسائلا: “هل سيتم إشعال حرب ناقلات في الخليج؟ وهل سيتم تعطيل الملاحة في مضيق هرمز الذي من خلاله يتم شحن 18 مليون برميل يوميا أو 30 بالمائة من النفط المنقول بحرا”.

ورجح إسماعيل في حديثه لـ”عربي21″، أن تصل أسعار النفط إلى مستويات أواسط 2014 أي فوق الـ100 دولار أو الـ150 دولارا للبرميل، حال استهدفت إيران ممرات ملاحية أو ناقلات النفط بمياه الخليج أو حتى منشآت نفط سعودية كما حدث في أيلول/سبتمبر الماضي، عندما تم استهداف مجمع البقيق والخريص.

 

وتابع: “نظريا أرامكو تستفيد بالفعل من ارتفاع الأسعار العالمية للنفط، وكذلك الاقتصاد السعودي، لكنها ستدفع ثمنا باهظا إذا تم استهداف مرافقها أو منشآتها النفطية، أو عجزت الشركة السعودية عن تصدير نفطها”.

 

“كف عفريت”

وقال إسماعيل، إن “أسعار النفط على كف عفريت، ومن الصعب التنبؤ بدقة ما سيحدث إلا بعد أن نعرف هل إيران فعلا قادرة على الرد وعلى أي أهداف قد تعرقل إمدادات النفط العالمية أم لا”، لافتا إلى أن أي تصعيد عسكري في منطقة حساسة مثل الخليج سيكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد السعودي والخليجي وكافة اقتصاديات المنطقة والعالم أجمع.

وأردف: “هناك توقعات باستهداف مواقع حيوية غير عسكرية مثل ميناء جبل علي، ومطار دبي، والمركز المالي في دبي، وحتى رأس تنورة السعودي، لأن إيران –بحسب تعبيره- سوف تتجنب أهداف أمريكية عسكرية مباشرة خوفا من رد أمريكي شديد”.

وأضاف: “من مصلحة الجميع إعادة النظر وتقليل اللغة التصعيدية، خاصة أن اقتصاديات المنطقة مرت بفترة طويلة من أسعار نفط دون الـ70 دولارا للبرميل، وهو ما أثر على الإيرادات النفطية للدول المنتجة، ما نتج عنه نمو اقتصادي بطيء”.

 

“تحذير خليجي”

يشار إلى أن مجلس التعاون الخليجي، دعا في بيان له، الاثنين، إلى التهدئة وعدم التصعيد، على خلفية اغتيال سليماني في قصف أمريكي بالعراق.

وقال الأمين العام للمجلس عبد اللطيف الزياني، إن “دول التعاون تابعت بقلق واهتمام بالغين الأحداث والتطورات الخطيرة في العراق”.

ودعا الزياني، الأطراف المعنية إلى “التهدئة وعدم التصعيد وتغليب الحلول السياسية للأزمات لتجنيب المنطقة المتوترة أصلا، وشعوبها أية تداعيات سلبية على أمنها واستقرارها”.

وأهاب بالمجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لخفض التصعيد في المنطقة الحيوية للعالم.