بقلم: ناصر العربي
في يوم 22 فبراير كتبت الأستاذة أريج السدحان أخت المعتقل المخفي قسريًّا المواطن عبد الرحمن السدحان أنه أتصل أخيرًا بأهله بعد انقطاع دام ثلاث سنوات. لم يكن أحد يعلم إلى تلك اللحظة أن عبد الرحمن كان على قيد الحياة، وما إذا كان مرميًّا في السجون السعودية التي يشرف عليها جهاز أمن الدولة بقيادة الفريق عبدالعزيز الهويريني، وأشارت المكالمة التي جمعته بعائلته إلى أن السلطات السعودية أخبرته بأنه سوف يتم الإفراج عنه قريبًا ولا توجد عليه تهم.
ما كتبته الأستاذ أريج رفع سقف الأمل لدينا كمواطنين بأننا نمر بمرحلة إفراجات عن بعض المعتقلين. حقيقة، كنت ولا زلت – أنا وغيري – نحمل قلبًا أبيضًا ونصدق أكاذيب السلطة، خصوصًا أن عبد الرحمن أبلغ أهله أن السلطات أعلمته أن موعد خروجه سيكون خلال أسابيع. على إثر هذا الخبر ظهرت بارقة أمل وحسن ظن بأن السلطة لربما لديها شيء من الرشد والعقلانية، وأنه يكفي ما حدث للسدحان خلال غيابه القسري طيلة السنوات الماضية، لكن الفاجعة كانت هذا الأسبوع بصدور حكم ظالم وجائر ولا يليق بحق عبد الرحمن ولا بأي مواطن.
حكموا على عبد الرحمن بالسجن 20 سنةً. هل نتخيل ماذا تعني 20 سنة؟ هل نستوعب ماذا يعني أن يمكث إنسان في السجن 20 سنة؟ ولماذا؟ وبأي قانون أو شريعة أو عرف أو نظام توزع الأحكام على الأبرياء بهذه الطريقة؟ من الذي لديه الجرأة كي يوزع صكوك الحرمان من الحياة التي وهبت للإنسان بتقييده في زنزانة وحرمانه من ممارسة حياته الطبيعية؟ أخبروني ماذا فعل السدحان؟
حقيقية لا شيء، لكن هي أخلاق السلطة الحالية متمثلة في محمد بن سلمان الذي تنعكس تصرفاته على جل أجهزة الدولة الأمنية، ابتداءً من النيابة العامة إلى سجون المباحث. محمد بن سلمان الآمر والمشرف الأول والأخير على اغتيال المرحوم جمال خاشقجي لم يستوعب شيء البتة، بل زاد بطشًا بعد اغتيال جمال، وهو مندفع لإرسال رسالة متوحشة بأنه “القوي الذي لا يهاب أحدًا” وبأنه عند كل ورطة سوف يجد طريقًا للخروج من الأزمة.
وللأسف فإن الإحساس بالآدمية والإنسانية حول حماية حقوق المواطنين هي آخر ما يفكر به محمد بن سلمان، فلطالما كانت السعودية دولة مستبدة، ولكن كان في أجهزة الدولة توازنات، فلم نكن نسمع عن الأحكام الطويلة بالسجن إلّا في السنوات الأخيرة، وربما كانت في عهد فيصل ثم محمد بن نايف، وها هم والآن يذوقون من نفس الكأس.
فالسعي الحثيث لإسكات الناس وتكميم الأفواه بالقوة والقمع هي الطريقة الوحيدة المرسومة في عقل محمد بن سلمان، هو يتخيل أنه بهذه الطريقة سوف يجعل الشعب – البالغ عدده 23 مليون نسمة – عبدًا وتابعًا له، ويريد القول بأنه لا توجد خيارات أخرى، وقد قالها صراحةً في كلمته خلال مؤتمر الاستثمار سنة 2017م “سوف ندمرهم اليوم وفورًا”. وهذا خطاب شخص يدعي أنه يحارب التطرف وأنه مع قيم التسامح، ولكن عن أي تسامح يتحدث محمد بن سلمان؟
التناقض الذي لا يبرح العقل: كيف يصدر بحق قتلة جمال خاشقجي أحكام 5 سنوات وبعضهم براءة، في حين أن صاحب حساب ساخر في توتير – إن صح أن الحساب له أصلًا – يصدر بحقه حكم 20 سنة، والقتلة وسيدهم طلقاء ولا أحد يتجرأ على أن يسأل!
لماذا هذا التناقض؟ الحكم على المواطن عبد الرحمن السدحان بالسجن 20 سنة، وعلى غيره من المواطنين في تهم ملفقة بالسجن لمدة طويلة هو مؤشر على أن الحكومة الحالية لا تقدر حياة الإنسان ولا تمتلك الإحساس بقيمة الحياة. وهذه الأنظمة ترى أن المواطنين عبء عليها، لهذا هي تسعى للتخلص ممن ليس على مزاجها عبر السجن والقتل والاغتيال النفسي والمعنوي، وربما التصفية الجسدية إذا تطلب الأمر كما حدث مع جمال خاشقجي، عبد الله الحامد، صالح الشيحي، وغيرهم كثيرون ما زالوا مهددين بالاغتيال البطيء والمنهج.
إن سياسات الأحكام التي تصدرها الحكومة السعودية في الحقيقة ظالمة وليس لها أي شرعية أخلاقية أو قانونية بل هي تساهم في تأكيد السمعة السيئة عن هذا النظام، وأن هذه السياسات التي تطلق العنان لنفسها في إصدار أحكام جائرة في حق مواطنيها تؤكد فشل النظام في حماية مواطنيه وتؤكد العملية الممنهجة لتحويل الوطن إلى سجن كبير.
عبد الرحمن السدحان وغيره ممن تبتلعهم زنازين السجن لا يستحقون كل هذا العناء ولا يستحق أهلهم تبعات هذا الظلم والقهر الاجتماعي نتيجة سياسات الحكومة المتسلطة على حياة الناس. وهذه السياسات القهرية تساهم في خلق أزمة عميقة في وجدان المواطن نحو السلطة، وسوف تتحول تراكمات هذه السياسة إلى حشد موقف معادي للسلطة وفضح فسادها وقمعيتها والوصول لقناعة بأنها ويجب أن ترحل.
الحرية للعبد الرحمن السدحان ولكل المعتقلين والخزي والعار على الحكومة.