أورد موقع “ميدل إيست آي” قصصا لثلاثة من 14 سعوديا تم اعتقالهم وإخفاؤهم قسريا بسبب آراء لهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، رغم استخدامهم أسماء مستعارة خلال نقاشاتهم التي ركزت على تدهور الحريات والحقوق المدنية في المملكة.
“لينا الشريف”، “أسماء السبيعي”، “عبدالله جيلان”، 3 من هؤلاء المعتقلين والذين وجهت إليهم السلطات السعودية اتهامات بالإرهاب وتمويله لمجرد حديثهم عبر مواقع التواصل عن مشكلات المجتمع السعودي.
وقال التقرير، الذي كتبته “دانيا العقاد”، المحررة بالموقع، وترجمه “الخليج الجديد”، إن هؤلاء كانوا يعرفون أن ما يفعلونه كان محفوفًا بالمخاطر، لكن كان هناك شعور سائد لديهم بأنهم كانوا يسعون إلى مهمة راقية لتحسين مجتمعهم من خلال تسليط الضوء على إخفاقاته، ودعم الفئات الأكثر ضعفاً، ودعم بعضهم البعض، وجمعهم قدر من الإيمان بأن هناك أمانًا في استخدام الأسماء المستعارة، لكن هذا الأمان في الحقيقة كان زائفا.
ويشير التقرير إلى أن العدد الحقيقي للمعتقلين بهذه الطريقة قد يقدر بالمئات، لكن ذويهم وأصدقائهم لا يجرؤون على الكلام، خوفا من انتقام السلطات.
لينا الشريف
كانت طبيبة شابة في إحدى المستشفيات بالرياض، يتملكها الحنق على ما يدور حولها في مجتمعها والذي كان انعكاسا للوضع في المملكة من حيث تداعي الحقوق المدنية وغيره، وكانت تغرد وتتفاعل باسم مستعار.
وخلال إحدى الدردشات في غرفة بها نحو 1000 مستمع وكان موضوعها عن خطورة المعارضة في السعودية وسبل وأدها، قال أحد المشاركين إن هناك معارضة تدعي أنها طبيبة في الخارج، لكننا نعرف أنها تعمل بمستشفى في الرياض، وسنصل إليها قريبا.
كان هذا بداية الخطر، وتم تنبيه الطبيبة الشابة بالفعل، لكنها لم تكترث ولم تتصور أن الأمر جدي، لكن التهديدات توالت لها عبر الإنترنت مع التحذير نفسه: “نحن قادمون من أجلك”، ما دفعها للتعاقد مع ممثل قانوني أوصته بالتحرك فور القبض عليها ونشر قصتها.
في الرياض، كانت “لينا” تعمل في غ رفة الطوارئ حيث كانت تعالج ضحايا وحشية الشرطة والعنف المنزلي، أخبرت صديقتها “العنود”، والتي درست القانون، عن كيفية تقاعس السلطات عن التحقيق في تلك القضايا أو محاسبة أي شخص.
كانت “لينا” مرعوبة من هذا الوضع، لكنها لم تستطع التحدث عن ذلك علانية.
لكنها، وفي خضم أزمة كورونا، ومع شعورها بالاشمئزاز من صمتها، بدأت تتكلم باسم مستعار عبر مواقع التواصل، حتى جاء أواخر مايو/أيار 2021، عندما اقتحمت قوة من أمن الدولة منزلها واعتقلوها وهي مكبلة، وتم إخفاؤها قسريا لمدة 4 أشهر.
وفي سبتمبر/أيلول 2021، ورداً على بلاغ أرسلته مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، كشفت الحكومة السعودية أنها محتجزة في سجن الحائر، وهو منشأة ذات إجراءات أمنية قصوى تبلغ مساحتها 19 مليون قدم مربع تديرها السعودية.
وقد تم اعتقالها بموجب مادتين من قانون مكافحة الإرهاب وتمويل الإرهاب، وهو قانون مثير للجدل تم وضعه أيضًا مع صعود ولي العهد “محمد بن سلمان” إلى السلطة.
ومنذ ذلك الحين، لم يتم الإفراج عن مزيد من المعلومات عنها.
أسماء السبيعي
كانت “أسماء السبيعي” ناشطة على “تويتر” تكتب، كغيرها، في مسائل العنف الأسري وعنف السلطات أيضا، لكن معظم المناقشات التي اشتركت فيها كانت عن مناهضة العنف المنزلي والقضايا النسوية.
أيضا، داهم جهاز أمن الدولة منزل “أسماء السبيعي” في يونيو/حزيران 2021، وتم اقتيادها وإخفاؤها قسريا أيضا، وكشفت الحكومة السعودية عن احتجازها كذلك بسجن الحائر، وذلك في يناير/كانون الثاني 2022.
وقد ظهرت “أسماء السبيعي” في تقرير في يونيو 2022 أذاعته قناة “إم بي سي” السعودية ضمن سجينات داخل سجن الحائر، وهي تغني على المسرح، وكان ذلك ضمن حملة إعلامية لتلميع السلطات وتبييض ما يحدث داخل السجون السعودية.
عبد الله جيلان
وفي اليوم التالي من الحكم على طالبة الدكتوراه “سلمى الشهاب”، في أغسطس/آب الماضي، وكان حكما صادما من حيث مدته الطويلة، حيث تم معاقبتها بالسجن 45 عاما بسبب تغريدات لها، قال أحد أصدقاء “عبد الله جيلان” إنه سمع أن محاكمته ستبدأ، لذلك كان مرعوبا من أن يتم معاقبته بأحكام مطولة على غرار “سلمى الشهاب”.
وقال صديقه، الذي يدعى “ناصر” إن “جيلان” كان بسيطا، ومكتئبا مما يمر به العالم العربي، لاسيما فلسطين واليمن، ولم يكن مهتما فقط بحقوق الإنسان، ولكن بحقوق الحيوان أيضا.
وأضاف “ناصر” أن “عبد الله” كان يحلم بأن يكون ممارسا صحيا في المملكة، وذهب إلى جامعة ويست تشيستر في بنسلفانيا في منحة سعودية لدراسة الصحة العامة. وأثناء وجوده هناك، التقى بخطيبته التي كانت تدرس أيضًا في الخارج.
ويقر “ناصر” أن “عبد الله” كان مخدوعا في “محمد بن سلمان” حيث كان متفائلا في البداية بهذا الشاب ووعوده بالإصلاح، وعندما عاد “جيلان” إلى السعودية فشل في الحصول على عمل، حيث رفضوا شهادته التي تحصل عليها في انجلترا، فعمل سائقا في “أوبر”، ما جعله يشعر بالإحباط والغضب، وبدأ يتوجه نحو مواقع التواصل وينفس فيها عن غضبه من البيروقراطية والفساد في السعودية، كالعادة باسم مستعار.
ولا يزال من غير الواضح كيف تمكنت السلطات السعودية من التوصل إلى “جيلان” عبر حسابه الذي كان يضم حوالي 400 متابع وقت اعتقاله، لا يمكن لأحد أن يقول بالضبط كيف تم التعرف عليهم، قياسا إلى أن كل ما فعلوه على الإنترنت كان يتم بأسماء مستعارة.
لكن هناك نظريات وشكوك، تفاقمت بعد إدانة موظف سابق في “تويتر” سرب بيانات 6000 مستخدم إلى السلطات السعودية في عام 2015 مقابل مبالغ نقدية وهدايا باهظة الثمن.
ويُعتقد أن تلك التسريبات أدت إلى الاختفاء القسري في مارس/آذار 2018، لـ”عبدالرحمن السدحان”، موظف الهلال الأحمر الذي كان يغرد دون الكشف عن هويته، والصحفي “تركي بن عبدالعزيز الجاسر”.
“السدحان”، الذي تقول عائلته إنه تعرض للتعذيب أثناء الاحتجاز، حُكم عليه منذ ذلك الحين بالسجن 20 عامًا.
تعذيب بقضيب كهربائي
المهم أنه بطريقة ما، حددت السلطات السعودية هوية “عبد الله جيلان”.
وفي مساء يوم 12 مايو 2021، اختطفه 20 من عملاء أمن الدولة يرتدون ثيابا مدنية من منزل والدته في المدينة المنورة، حيث وصلوا في قافلة مؤلفة من ست سيارات وأشاعوا الرعب في المكان.
أخذوا جميع الأجهزة الإلكترونية في المنزل، بما في ذلك الهاتف المحمول لوالدته، بينما شهد واحد على الأقل من شقيقي “جيلان” الصغار سناً الفوضى.
ومنذ ذلك اليوم، كان خائفًا جدًا من العودة إلى المنزل.
بعد الاعتقال، أرسلت خطيبة “جيلان”، المقيمة في انجلترا، رسائل نصية إلى والدة “جيلان”، في محاولة لمعرفة ما حدث له، وتلقت رسالة مفادها أن “عبد الله” بخير، وفقًا لمجموعة “مينا” لحقوق الإنسان التي وثقت قضيته.
لكن بعد ذلك، تم تحذير الفتاة من أنه سيتم الإبلاغ عنها ومنعها من دخول السعودية نتيجة نشاطها على الإنترنت.
وقد علمت عائلة “جيلان” أنه محتجز في سجن تديره المباحث في المدينة المنورة، حيث تعرض في مناسبتين منفصلتين للتعذيب بقضيب ينبعث منه حوالي 360 فولت من الكهرباء أثناء استجوابه.
تم تقييده ووضعه في الحبس الانفرادي، ثم نُقل لاحقًا إلى سجن آخر تديره المباحث في ذبحان.
ورداً على شكوى مقدمة لمجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة، قالت السلطات السعودية في يوليو / تموز 2021 إن “جيلان” اعتُقل بموجب قانون مكافحة الإرهاب وتمويل الإرهاب لعام 2017.
هل ستصمت المعارضة؟
وإذا كان اعتقال “عبد الله جيلان” يهدف لإسكات المعارضة فهذا لم ينجح، على ما يبدو مع صديقه “ناصر” الذي قال: “بصراحة، قبل اعتقاله، كنت مهتمًا بحقوق الإنسان، لكنني كنت مشغولًا أيضًا بحياتي، ولكن بعد ذلك، انخرطت بعمق حقًا في المسائل الحقوقية”.
أصدقاء لينا الشريف الذين كانوا داخل المملكة عندما اختفت عانوا أيضًا من تداعيات كبيرة في حياتهم.
وقالت كاتبة التقرير: “أخبرني اثنان منهم أنهما هربا من المملكة خلال العام الماضي خوفًا من أن يتم القبض عليهما أيضًا، إما بسبب نشاطهما على وسائل التواصل الاجتماعي أو مناصرتهما لينا”.
وقالت إحدى هؤلاء وتدعى “حصة”، إنها اضطرت إلى الهروب بسرعة في رحلة ليلية، حيث غير اعتقال “لينا” مجرى حياتها.