أظهرت القمة العربية التي عقدت بمدينة جدة السعودية في 19 مايو/أيار 2023، حجم الانقسام وتضارب المصالح بين الدول، وهو ما تجلى بطبيعة ضعف التمثيل على مستوى القادة فيها.

وشهدت قمة جدة غياب 6 زعماء عرب عنها، نتيجة الخلافات بين الدول وتباين المواقف بينها.

وغاب عن القمة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، والعاهل المغربي محمد السادس، ورئيس الإمارات محمد بن زايد، وأمير الكويت نواف الأحمد الجابر الصباح، وسلطان عمان هيثم بن طارق، ورئيس جزر القمر غزالي عثماني، ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، ورئيس لبنان بسبب الشغور الرئاسي.

 

خلافات متشابكة

وبدا حضور رأس النظام السوري بشار الأسد لقمة جدة، وكأنه رتب بإصرار سعودي، بعدما أعادت الرياض علاقاتها مع دمشق في 23 مارس/آذار 2023.

وسرع ذلك من جهود إعادة النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، بقرار من وزراء الخارجية العرب في 7 مايو/أيار 2023، بعد طرده منها عام 2011 لقمعه ثورة السوريين بالحديد والنار.

كما خطف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأضواء، بعد مشاركته في القمة وإلقاء خطاب في الجلسة الافتتاحية حيث قال “للأسف، هناك البعض في العالم، وبينكم هنا، يغضون الطرف عن السجون والضم غير القانوني لروسيا للأراضي الأوكرانية”.

ومنحت زيارة جدة زيلينسكي، وهي الأولى له إلى الشرق الأوسط منذ اندلاع الحرب في بلاده، فرصة لمخاطبة قادة الدول العربية التي يبقى موقفها ضبابيا وغير موحد من الحرب في أوكرانيا، بخلاف حلفائه الأوروبيين والأميركيين.

وقال مسؤول في جامعة الدول العربية لوكالة “فرانس برس” في 19 مايو إن “زيلينسكي يحضر القمة بدعوة من السعودية وليس من الجامعة العربية”، لكن هذا الأمر يبدو أنه زاد من إصرار بعض القادة العرب على عدم حضور القمة.

ففي خطوة مفاجئة، أعلنت الجزائر عن غياب الرئيس تبون عن قمة جدة العربية، على أن يمثله الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمن، والذي سلم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان رئاسة الدوة الـ32 للقمة العربية.

وأرجعت مواقع إعلامية جزائرية غياب تبون، لحضور زيلينسكي، القمة، فيما رأى البعض أنها ردة فعل جزائرية على خلفية عدم مشاركة ولي العهد السعودي في القمة العربية التي احتضنتها الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وأرجعت الرياض، آنذاك، غياب ابن سلمان لأسباب صحية، فيما عزا آنذاك محللون عدم الحضور لرفض الجزائر دور الرياض في إصلاح العلاقات الدبلوماسية مع المغرب.

وذكرت صحيفة “فيدوموستي” الروسية، في 18 مايو/أيار 2023، نقلا عن مصدر دبلوماسي، أن الرئيس الجزائري، سيزور روسيا منتصف يونيو/حزيران 2023.

وتخلفت الجزائر عن إصدار أي بيان يخص الغزو الروسي لأوكرانيا الذي بدأ في 24 فبراير/شباط 2022، أو حتى الدعوة إلى التزام الحلول الدبلوماسية، لأسباب سياسية “قد تكون مرتبطة بطبيعة العلاقات التي تربط الجزائر بموسكو في مجال التعاون العسكري من جهة، ولطبيعة المواقف والعلاقات مع أوروبا من جهة أخرى”.

كما أن هناك توترا في العلاقة بين المغرب والجزائر بسبب النزاع في إقليم الصحراء الغربية، المستعمرة الإسبانية السابقة التي يتصارع حول مصيرها منذ عام 1975 المغرب مع جبهة “البوليساريو” المدعومة من الجزائر.

ويقترح المغرب لحل الأزمة منح حكم ذاتي للإقليم تحت سيادته، فيما تدعو “البوليساريو” إلى إجراء استفتاء تقرير مصير.

ومن نقاط الخلاف الأخرى بين الجزائر والمغرب، التعاون العسكري والأمني بين الرباط وإسرائيل الذي تسارع منذ تطبيعهما الدبلوماسي في ديسمبر/ كانون الأول 2020.

كذلك يؤجج العداء بين القوتين المغاربيتين سباق تسلح، إذ وافقت الولايات المتحدة في 11 أبريل/نيسان 2023، على عقد لبيع 18 راجمة صواريخ من طراز “هيمارس” للمغرب، بينما يعتمد الجيش الجزائري على الأسلحة الروسية خصوصا، إذ تعد موسكو أحد أبرز موردي الأسلحة إلى الجزائر أكبر دول إفريقيا من حيث المساحة.

وحسب وكالة الأنباء الألمانية في 20 مايو، فإن غياب الرئاسي الجزائري عن القمة جاء لتفادي الضغوط العربية وبالذات السعودية لإقناع الجزائر بتطبيع علاقاتها مع جارتها المغرب والبدء بمرحلة مفاوضات من شأنها حل الخلافات بين البلدين في ظل تجاوب مغربي مع تلك النداءات.

على المقلب الآخر الذي يضعف تمثيل المغرب في قمة جدة على مستوى الملك، هو نظر المغرب إلى النظام السوري على أنه “جزء من محور كامل معادي لمصالحها”، يضم كلا من الجزائر وإيران وروسيا، الداعمين لجبهة “البوليساريو”.

كما أن الرباط تنسق مواقفها مع الولايات المتحدة الأميركية التي ترفض التطبيع العربي مع النظام السوري.

 

خلاف إماراتي سعودي

أعطى تخلف رئيس الإمارات ابن زايد عن قمة جدة، مؤشرا جديدا على توتر العلاقة بينه وبين ولي العهد السعودي ابن سلمان.

ونقلت وكالة الأنباء الألمانية، عن مصادر دبلوماسية إرجاعها سبب غياب ابن زايد إلى وجوده خارج بلاده في جولة أوروبية رسمية مقررة مسبقا.

بينما لم تستبعد مصادر أخرى أن يكون سبب تغيبه خلاف سعودي – إماراتي حول سبل إنهاء الحرب في اليمن ومحاولات أبو ظبي دعم التوجه نحو تقسيم اليمن إلى دولتين شمالية وجنوبية على غرار الوضع السابق في تسعينيات القرن العشرين.

ولا سيما أن ابن سلمان غاب عن الاجتماع الذي عقد في أبوظبي في يناير/كانون الثاني 2023، رغم حضور حكام الأردن ومصر وقطر.

كما رأى كثير من المراقبين أن غياب رئيس الإمارات قطع الشك باليقين حول عمق الخلاف السعودي الإماراتي وسط التنافس في النفوذ بأسواق النفط العالمية ليشمل الحرب في السودان حيث تدعم أبو ظبي قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو “حميدتي” ضد الجيش النظامي بقيادة عبد الفتاح البرهان.

ولا سيما أن الرياض وجهت دعوة إلى مجلس السيادة السوداني الذي مثله “دفع الله الحاج”، حيث انتقد في كلمته بالقمة، قوات الدعم السريع ووصفها بـ”القوات المتمردة”، مضيفا “أنها مارست أسوأ أنواع الجرائم من قتل ونهب واغتصاب في انتهاك صارخ للقانون الدولي”.

وتواترت التقارير الصحفية التي تشير إلى تصاعد الخلاف بين الرياض وأبوظبي أخيرا، إذ رأت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها نشر بتاريخ 3 مارس/آذار 2023، أن “الخلافات بين السعودية والإمارات اندلعت في البداية خلف أبواب مغلقة، لكنها بدأت تتسرب بشكل متزايد إلى العلن، مما يهدد بإعادة ترتيب التحالفات في الخليج”.

وكشفت الصحيفة أن مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد آل نهيان، زار السعودية عدة مرات لمقابلة ولي عهدها، لكن مع ذلك فشلت هذه المحاولات في تخفيف التوترات، بحسب مصادر مطلعة.

وذكر مسؤولون ودبلوماسيون سابقون أن المصالحة السريعة بين الرياض والدوحة، أزعجت أبوظبي، التي دفعت في الأصل لعزل قطر وأرادت مواصلة الحصار ضدها، بحسب الصحيفة.

 

رفض حضور الأسد

وشكلت مغادرة أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، لقمة جدة دون إلقاء كلمة فيها الحدث الأبرز.

وقال الديوان الأميري القطري إن الشيخ تميم غادر مدينة جدة بعد ترؤس وفد الدولة المشارك في أعمال الدورة الثانية والثلاثين لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة.

وفي السياق نفسه نقلت وكالة رويترز عن “مسؤول عربي” لم تسمه أن أمير قطر غادر القمة العربية قبل بدء كلمة رئيس النظام السوري.

وأضاف المسؤول أن زيارة أمير قطر للقمة العربية لم تتضمن أي مقابلات ثنائية ولم يلق كلمة، مشيرا إلى أن حضوره كان “زيارة مودة”.

وسبق أن نقل موقع “تلفزيون سوريا” المعارض في تقرير له نشره مطلع أبريل 2023 عن مصدر دبلوماسي عربي لم تسمه، حول موقف قطر من إعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية.

وقال المصدر إن “قطر التي تبنت دعم المعارضة السورية على مدار سنوات، تنسق خطواتها مع الجهات الدولية الفاعلة وغير متحمسة لاتخاذ خطوات منفردة قد تستفز حلفاءها الدوليين في العلاقة مع النظام السوري”.

وأظهرت القمة العربية في جدة ضعف الاتفاق بين إيران والسعودية بعد تطبيع العلاقات بينهما في مارس/ آذار 2023.

وحملت كلمة رئيس مجلس القيادة اليمني رشاد العليمي أمام القمة، اتهاما مباشرا لمليشيات الحوثي بدعم من إيران في التخفيف من معاناة سكان اليمن.

وأعرب العليمي في كلمته عن أمله “في استعادة اليمن مؤسساته وإنهاء انقلاب المليشيات الحوثية المدعومة من النظام الإيراني المستميت من أجل استكمال مشروعه التدميري في المنطقة مع استمرار انقسام منظومتنا العربية وعجزها عن الاستجابة للأزمات والنزاعات المسلحة التي تهدد بانهيار الدولة الوطنية”.

ومضى يقول إن “تجديد الهدنة في اليمن يواجه تعنتا من المليشيات الحوثية دون الاكتراث لمعاناة الملايين من اليمنيين”.

وحمل كلام العليمي رسالة مباشرة إلى نظام الأسد الذي تجمعه علاقة قوية مع الحوثيين ويوفر لها أراضي سوريا، لتلقي التدريبات على الأسلحة بمساعدة من حزب الله اللبناني.

وفي وقت رحب عدد من القادة بحضور الأسد، تجنب العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الترحيب ببشار الأسد شخصيا، واكتفى بالترحيب بـ”عودة سوريا للجامعة العربية”.

وبدا ذلك مؤشرا على امتعاض الملك الأردني من عدم إيفاء نظام الأسد بوعوده عقب تطبيع العلاقات بينهما عام 2021، بما يخص منع عمليات تهريب المخدرات إلى الأردن، حيث باتت عمليات التهريب تشكل تهديدا لأمن الأردن القومي.

ولا تكاد أسابيع تمر حتى تعلن المملكة الأردنية التي تربطها حدود تصل إلى 375 كيلو مترا مع سوريا، دخول الملايين من حبوب المواد المخدرة إليها، وخاصة بعدما أصبح نظام الأسد يدير إنتاج المخدرات، وحول سوريا إلى ممر لتوزيعها وتصديرها إلى العالم بتأكيد الولايات المتحدة والدول الغربية.

ويعد غياب أمير الكويت نواف الأحمد، مبررا نظرا لحالته الصحية التي منعته من الحضور قمة جدة كما العديد من القمم الخليجية والعربية الأخرى، حيث ناب عنه ولي العهد مشعل الأحمد الصباح.

إضافة إلى غياب سلطان عمان هيثم بن طارق، عوضه شقيقه أسعد بن طارق بن تيمور، نائب رئيس الوزراء لشؤون العلاقات والتعاون الدولي، وهو غياب ليس بجديد لسلطان عمان الحالي والسابق عن القمم العربية.