نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” مقالا تحليليا لمحرر شؤون الشرق الأوسط أندرو إنغلاند، يقول فيه إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تعود أن يكون في مركز الاهتمام.
ويشير إنغلاند في مقاله، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أنه منذ أن أصبح ابن سلمان الحاكم الفعلي للبلاد قبل عام ونصف، فإن قادة العالم الأقوياء اصطفوا لدعم رؤيته، حيث قطع الكرة الأرضية طولا وعرضا، حاملا معه الوعود والصفقات بمليارات الدولارات.
ويستدرك الكاتب بأن التركيز على ابن سلمان في قمة العشرين، التي ستعقد غدا، سيكون لأسباب مختلفة تماما، فهذه هي المرة الأولى التي يظهر فيها ابن سلمان في مؤتمر دولي بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي.
ويلفت إنغلاند إلى أن “ابن سلمان وصل مبكرا إلى العاصمة الأرجنتينية بيونس أيرس؛ لفحص الوضع، واكتشاف كم باتت صورته وماركته الإصلاحية (قاتلة)، وسيكون التحدي أمام القادة، الذين سيجتمعون في قاعة المؤتمرات المقامة على ضفة نهر يوم الجمعة، هو التحرك بين مواقفهم المتشددة بشأن الجريمة، ومحاولتهم الظهور بمظر البراغماتي الذي يريد إقامة علاقات مع أكبر مصدر للنفط في العالم وحليف عربي”.
ويرى الكاتب أن “من أثنوا على الأمير، البالغ من العمر 33 عاما، قبل أشهر سيشعرون بالحرج، حيث ستحدث بعض المناسبات غير المريحة أثناء المؤتمر الذي سيعقد على مدار يومين، ولا توجد خطط للقاء الأمير مع الرئيس دونالد ترامب، الذي غير موقفه من شجب الجريمة التي اعتبرها أسوأ عملية تستر، إلى رفض تقييم وكالة الاستخبارات الأمريكية حول تورط الأمير بالقتل، فيما لم يستبعد البيت الأبيض نوعا من (التواصل) بين الرئيس وولي العهد، حيث طور الأخير علاقات قوية مع الفئة المحيطة بالرئيس، خاصة صهر الرئيس ومستشاره جارد كوشنر”.
وتنقل الصحيفة عن خبير شؤون الشرق الأوسط في “تشاتام هاوس” نيل كويليام، قوله: “سنرى رقصة دبلوماسية، وكلها عن مشاركته وإرسالة رسالة إلى الوطن بأنه اللعبة الوحيدة في المدينة.. حتى لو تم تجاهلها فإنهم سيحاولون إظهارها بأنها ليست كذلك”.
ويذكر إنغلاند أن رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي، التي اعتبرت زيارة محمد بن سلمان في الربيع مهمة لازدهار بريطانيا، لا تخطط لإجراء لقاء مع ولي العهد، مستدركا بأن داونينغ ستريت قال إن الحكومة لا تريد أن تهيمن علاقاتها مع الأمير محمد على مجمل العلاقات مع المملكة.
ويجد الكاتب أن “مواجهة الأمير مع الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي قاد الحملة ضده بعد مقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، ستكون الأكثر إحراجا، ولم يتهم أردوغان الرجل القوي، الذي ظل على الجانب المضاد للسعودية في نزاعات الشرق الأوسط، ولي العهد مباشرة، إلا أن المسؤولين الأتراك كانوا واضحين في أحاديثهم الخاصة، بأنه هو المسؤول، من خلال التسريبات البطيئة عن اللحظات الأخيرة لخاشقجي، وصور فريق القتل المكون من 15 شخصا، الذين قتلوا الصحافي المعروف وتخلصوا من جثته”.
وتفيد الصحيفة بأنه مع ذلك فإن ولي العهد، الذي ينكر أي علاقة له بالجريمة، طلب مقابلة أردوغان، وكان الرد “سنرى”، بحسب وزير الخارجية جاويش مولود أوغلو، وقال في مقابلة مع صحيفة ألمانية: “في الوقت الحالي لا سبب يدعو للقاء ولي العهد”.
ويبين إنغلاند أنه في الوقت الذي حملت فيه السعودية مجموعة مارقة مسؤولية الجريمة، إلا أن تركيا تعتقد أنها مدبرة، بالإضافة إلى أن هناك عددا كبيرا من الساسة الأوروبيين يعتقدون أن عملية كهذه لم تكن لتتم دون موافقة من القيادة العليا، مشيرا إلى أن قاضيا أرجنتينيا طلب من تركيا ومحكمة الجنايات الدولية معلومات حول اليمن، وعما إذا كان هناك ما يدعو للمضي في تقديم دعوى ضد ولي العهد، بعدما طالبت منظمة “هيومان رايتس ووتش” القاضي بمحاكمة ابن سلمان بسبب جرائم في اليمن، وطلب القاضي من وزارة الخارجية الأرجنتينية توضيح الوضعية الدبلوماسية للمسؤولين الذين سيحضرون القمة.
وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤول في الخارجية، قوله إن الأمير يتمتع بحصانة دبلوماسية والوفد المرافق له، فهو ممثل دولته ولا يمكن اعتقاله، وأضاف أن أي إجراءات قانونية يجب إحالتها إلى المحكمة العليا للنظر فيها.
ويقول الكاتب إن الأمير محمد سيجد حليفا واحدا مستعدا لمقابلته، ألا وهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يخطط لمقابلته على هامش اجتماعات القمة، وقال المتحدث الرئاسي ديمتري بيسكوف: “بالطبع، ستكون مناسبة للحديث على هامش القمة بطريقة أو بأخرى”.
ويعتقد إنغلاند أن “قرار الأمير محمد الخروج في جولة خارجية يعكس ثقته بنفسه، فقد انتشرت شائعات أن الملك سلمان أجبر على الحد من تصرفات ابنه بعد مقتل خاشقجي، لكن الرياض على ما يبدو مصممة لطي صفحة القضية، وكتب خالد السليمان في صحيفة (عطاظ) قائلا إن الأتراك مخطئون في الظن بأن القوى العظمى ستضحي في مصالحها في السعودية، أو تخاطر بزعزعة اقتصادها بسبب هذا الحادث”.
وتنقل الصحيفة عن نائب مدير مركز وودرو ويلسون آرون ديفيد ميللر، قوله إن “الولايات المتحدة تحديدا عادت للتعامل مع السعودية بشكل عادي، من خلال توليفة من المال والنفط، فالتفكير السحري الذي حاولت من خلاله إدارة ترامب رفع وضع السعودية في استراتيجيتها الإقليمية هو مثل الفراشة للهيب النار”
ويختم الكاتب مقاله بالإشارة إلى قول ميللر، إن هناك جرأة من ابن سلمان للذهاب إلى قمة العشرين، تفوقت على وقاحة العمل ذاته، وهو جريمة القتل.