بعد أسبوعين من اغتيال الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي، داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، أرسل ولي العهد فريقا آخر من (فرقة النمر)، مكونا من 50 شخصا، إلى مدينة تورنتو الكندية لاغتيال الجبري”.
ورد هذا في الدعوى القضائية المرفوعة ضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من قبل وزير الدولة، وضابط الاستخبارات السعودية السابق سعد الجبري، الذي يعيش حاليا في كندا وتسعى الرياض إلى استعادته بأي طريقة.
في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، استدعت محكمة أميركية ولي العهد السعودي و9 آخرين، في قضية سعد الجبري الذي اتهمهم بمحاولة اغتياله.
وقالت شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأميركية: إن “محكمة واشنطن أرسلت مذكرات استدعاء محمد بن سلمان وآخرين، بالإضافة لمؤسسة مسك الخيرية، في الدعوى القضائية التي رفعها الوزير السعودي السابق سعد الجبري ضدهم، متهما إياهم بإرسال فريق لقتله في كندا على غرار جريمة مقتل خاشقجي”.
و”فرقة النمر”، عبارة عن تشكيلة سيئة السمعة، مكونة من ضباط ورجال استخبارات سعوديين، تم اختيارهم على الفرازة، لتنفيذ مهام قذرة (اغتيالات)، بأمر مباشر من ابن سلمان.
تشكيلة الرعب
في 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وفق مصدر سعودي، تم وصفه أنه “مقرب من الاستخبارات السعودية”، كشف موقع “ميدل إيست آي” البريطاني عن تشكيلة فرقة اغتيالات تعمل بتوجيه مباشر من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وقال الموقع: إن “الفرقة تسمى (النمر)، وهي معروفة جيدا لدى أجهزة استخبارات الولايات المتحدة، وتشكلت قبل أكثر من عام مضى، وتتألف من 50 عنصرا من أمهر العملاء الاستخباراتيين والعسكريين في المملكة”.
وذكر أن “مهمة فرقة النمر، تتمثل في اغتيال المعارضين السعوديين خفية، داخل المملكة وعلى الأراضي الأجنبية، بطريقة لا تلاحظها وسائل الإعلام أو المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان”.
وأورد أن سبب تسمية الفرقة بالنمر، نسبة إلى اللواء أحمد عسيري، نائب رئيس المخابرات السعودية السابق، الذي تمت إقالته إثر ضغوطات دولية مكثفة على المملكة بعد مقتل خاشقجي”
عسيري كان يعرف بين زملائه بـ “نمر الجنوب”، كما أطلقت عليه وسائل الإعلام السعودية لقب “الوحش” في أعقاب انطلاقة حرب التحالف (على اليمن)، وهو اللقب الذي نال استحسانه.
ووفقا لوسائل إعلام دولية، ضمت فرقة النمر 50 فردا من أفضل العناصر الاستخباراتية والعسكرية في المملكة، وجندت المجموعة من أفرع مختلفة من الأجهزة الأمنية السعودية، وأعضاؤها من ذوي الخبرة وموالين لولي العهد في الرياض.
ومن الأسماء البارزة في “فرقة النمر”، الذين شاركوا في قتل الصحفي جمال خاشقجي، سعود عبد العزيز الصالح، وخالد إبراهيم عبد العزيز القاسم، ومشعل فهد السيد، وإبراهيم حمد عبد الرحمن الحميد، وصلاح محمد علي الطبيقي (الذي قام بتقطيع جثة خاشقجي).
أيضا من أعضاء الفرقة محمد سعد حسين الزهراني، ومشعل سعد محمد البستاني، ووليد عبد الله محمد الشهري، وذعار غالب الحربي، وماهر عبدالعزيز مطرب، وسيف سعد القحطاني.
وتعد عملية قتل وتقطيع الصحفي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، داخل قنصلية بلاده بإسطنبول، من أشهر عمليات الاغتيال التي نفذتها هذه الفرقة حتى الآن، وهزت الرأي العام العالمي.
وفق وسائل إعلام غربية عديدة، فإن اغتيال خاشقجي لم يكن عملية القتل الوحيدة التي ارتكبتها تلك الفرقة التي تبدو طريقة عملها ونوع العمليات المعتمدة في تنفيذ جرائمها مثيرة للاهتمام.
تاريخ أسود
في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، نشرت صحيفة “فز جلياد” الروسية، تقريرا عن أنشطة “فرقة النمر” الخاصة التابعة لولي العهد السعودي، والمتورطة في عدد من الجرائم والانتهاكات بحق المعارضين السياسيين، حيث وصفت الصحيفة عمليات هذه الفرقة بأنها “تاريخ أسود”.
وأوردت الصحيفة أن هذه الفرقة المحاطة بسياج من السرية، مرجح أن “يكون اللواء أحمد عسيري هو المسؤول عن فكرة تشكيلها، وهي مجموعة مكونة من أفراد من الحرس السعودي ومن الأجهزة السعودية الخاصة”.
كما نسب التقرير جريمة القتل الهمجية بحق خاشقجي، إلى فرقة النمر، موضحا أن تلك الجريمة “ليست الوحيدة التي ارتكبتها القوات الخاصة السعودية، بل إن السعودية كلفت وحدة خاصة (فرقة النمر) للقيام بتصفية مثل هذه الشخصيات، موضحا أن طريقة عمل هذه الفرقة، ونوع العمليات المعتمدة في تنفيذ جرائمها تعد مثيرة للاهتمام”.
وأشار التقرير أن “فرقة النمر” ظهرت في مناسبات عديدة قبل مقتل خاشقجي، وأوضح أن “المدون السعودي عمر عبد العزيز المقيم في كندا سبق أن تلقى دعوة لزيارة القنصلية السعودية في فانكوفر للحصول على جواز سفر جديد، لكن راودته الشكوك، وبعد مفاوضات مع موظفي القنصلية قرر عدم الذهاب إليها، مما أنقذ حياته منهم”.
كما وجهت اتهامات لهذه الفرقة أنها وراء اغتيال الأمير السعودي منصور بن مقرن، عندما حاول الفرار من البلاد على متن طائرته الشخصية، إلا أن “فرقة النمر” قامت باستهداف الطائرة، وإسقاطها.
وفي 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، تحطمت مروحية سعودية كان على متنها عدد من المسؤولين السعوديين البارزين، بينهم الأمير منصور بن مقرن نائب أمير منطقة عسير في جنوب غرب المملكة قرب الحدود مع اليمن.
الأمير المقتول كان على خلاف مع ابن عمه محمد بن سلمان، الذي قام بإعفائه من منصبه كنائب أمير منطقة عسير عام 2015، ومن بعدها انخرط في الجبهة الداخلية لأمراء آل سعود الذين كانوا يتحفظون على صعود الأمير الشاب، ووصوله إلى منصب ولي ولي عهد المملكة، إلى أن أصبح وليا للعهد والآمر الناهي في البلاد.
عهد الطاغية
وهو ما أكدته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية بتاريخ 10 أغسطس/ آب 2020، في تقريرها عن فرقة “النمر” وجرائمها المروعة، عندما وصفت ولي عهد المملكة الأمير محمد بن سلمان، بأنه “طاغية لا يرحم”.
ذكرت الصحيفة أن رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب صرح في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بأنه تحدث مع “ابن سلمان” حول اختفاء “خاشقجي” بعد دخوله القنصلية، لينفي له الأخير صحة أخبار مقتل الصحفي السعودي، في نفس اليوم الذي وصلت فيه فرقة قتل ثانية إلى كندا، لتستهدف سعد الجابري، ضابط الاستخبارات السعودية السابق.
وفي 7 أغسطس/ آب 2020، رفع الجبري دعوى قضائية مستندة إلى أدلة ووثائق، ضد محمد بن سلمان، يتهمه بملاحقته ومحاولة اغتياله من خلال فرقة النمر سيئة السمعة.
وورد في دعوى الجبري أنه في يوليو/تموز 2018، نجح ولي العهد ابن سلمان ووكلاؤه في زرع برنامج تجسس في هاتف الجبري، بعد تلقيه رسالة مع ملف فيديو على تطبيق واتساب من صحفي سعودي كان يعرفه في المملكة.
واحتوى ملف الفيديو برامج تجسس سمحت بالوصول إلى المعلومات على هاتف الجبري، وربما حتى موقعه بشكل دقيق.
وذكر أنه في أكتوبر/تشرين الأول 2018، وبعد أقل من أسبوعين من عملية قتل خاشقجي، سافرت فرقة النمر إلى كندا من أجل تصفية الجبري.
وأن عناصر هذه الفرقة حاولوا دخول مطار أونتاريو الدولي المندي عبر أكشاك منفصلة، وأنكروا معرفتهم ببعضهم بعضا، ما أثار شكوك مسؤولي أمن الحدود الذين حولوهم من أجل إجراء فحص مدقق، لكن سلطات المطار وجدت في إحدى حقائبهم صورة تجمع أفراد الفرقة.
وحدث أنه قبيل وصول فرقة النمر إلى كندا، أرسل مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي “إف بي آي” (FBI) للسلطات الكندية، معلومات استخباراتية بموعد وصول الفرقة إلى كندا.
وأصيب أعضاء الفرقة بالذعر لعدم استعدادهم لهذا التحقيق غير المتوقع، فطلبوا استدعاء محامي السفارة السعودية، لكن المحامي نصح المجموعة بالادعاء أنها سافرت إلى كندا للتحضير لزيارة وفد سعودي رفيع المستوى، والقبول بترحيلهم لتفادي مزيد من التحقيق.
وفي هذا الصدد يقول الكاتب الروسي “يفغيني كروتيكوف”: إنه من الواضح أن “فرقة النمر” ارتكبت كثيرا من الأخطاء في تنفيذ جرائمها”، وأشار إلى أن “المخابرات السعودية لم تلجأ إلى مثل هذه الأساليب، قبل تأسيس فرقة النمر”.