أعلنت السعودية مؤخرا عن إدانة 8 مدعى عليهم بأحكام شملت الإعدام بحق 5 منهم بتهمة قتل الصحفي “جمال خاشقجي”. ومع ذلك، تحدثت وسائل الإعلام الغربية عن تبرئة “سعود القحطاني”، أحد كبار مساعدي ولي العهد “محمد بن سلمان”. وتقول القصة السائدة، التي تنشرها وسائل الإعلام الغربية، إن السعوديين الخمسة الذين يواجهون الموت بسبب هذه الجريمة هم مجرد “كبش فداء” لكبار المسؤولين الذين نظموا الجريمة، ومنهم ولي العهد السعودي نفسه. ورغم أن الإعلان عن نتائج القضية كان يهدف في الأساس لإخراج المملكة من ظل الجريمة، فإن الكثيرين يستخدمون هذه الأحكام الآن كدليل إضافي على فساد نظام العدالة في المملكة.
ومر أكثر من عام على مقتل “خاشقجي” في إسطنبول، وهو مواطن سعودي وصحفي سابق كان يعيش في الولايات المتحدة ويساهم في أعمدة صحيفة “واشنطن بوست”. ولا تزال تلك الجريمة هي النظارة الرئيسية التي يرى من خلالها الكثيرون في العالم المملكة العربية السعودية. وتوجد الكثير من قضايا حقوق الإنسان المقلقة في المملكة، ولكن قضية “خاشقجي” على وجه التحديد ظلت عالقة في الأذهان نظرا لتركيز وسائل الإعلام الأمريكية عليها، وأيضا لأن الحكايات الوحشية حول عملية القتل كانت مفصلة للغاية.
تداعيات كارثية
وبعد القتل مباشرةً، واجه ولي العهد والحكومة إحراجا كبيرا عندما تجنبت أكبر الأسماء التجارية في العالم مؤتمر التمويل السنوي الطموح في المملكة عام 2018. ولا تزال المملكة تكافح من أجل إصلاح صورتها التي تشوهت بعد مقتل “خاشقجي”، ومن غير المرجح أن يساعد الحكم على 5 أفراد بالإعدام في جريمة لم يأمروا بها في إصلاح ذلك.
ورغم ذلك، تمكنت السعودية من جذب أسماء مالية كبيرة إلى البلاد من خلال الوعود بصفقات كبيرة، بما في ذلك تلك المتعلقة بالاكتتاب العام الأولي لشركة النفط الوطنية “أرامكو”. وترأس الرؤساء التنفيذيون للمؤسسات المالية، مثل “بلاك روك” و”بلاك ستون جروب”، المؤتمر الاستثماري للمملكة. وحضر غالبا كل بنك استثماري دولي كبير كمراقب للاكتتاب العام في “أرامكو”.
ومع ذلك، تم تهميش هذه البنوك في وقت لاحق من الاكتتاب العام، لذلك فمن غير الواضح ما إذا كانت مؤسسات “جولدمان ساكس” و”جي بي مورجان” و”سيتي بنك” ستتجه مجددا إلى السوق السعودية بغض النظر عن مقدار الأموال التي يتم استخدامها لجذبهم. وكان وادي السيليكون أكثر انفصالا عن المملكة نسبيا على مدار الـ 14 شهرا الماضية، حيث تجنبت العديد من الشركات الارتباط العام بالمملكة مع الاستمرار في قبول الأموال السعودية بهدوء.
وفي الوقت نفسه، يبدو أن استراتيجية العلاقات العامة السعودية قد تحولت إلى عالم الترفيه، حيث يمكن شراء التأثير بسهولة. ويعمل العديد من الموسيقيين والرياضيين والمشاهير، الذين يؤدون أو يتنافسون أو يظهرون في المملكة، يعملون على الترويج للتقدم الاجتماعي للمملكة أمام العالم، كما يعملون على استرضاء أعداد كبيرة من الشباب الذين يعاني الكثيرين منهم من البطالة.
وفي الواقع، كما نعرف الآن من عارضة الأزياء العالمية الشهيرة “إميلي راتاجكوفسكي”، تتلقى الشخصيات المؤثرة أموالا من 6 أرقام (بالملايين) للظهور في السعودية. وكجزء من سعيها لتصبح وجهة سياحية عالمية رائدة، تدفع المملكة المشاهير والمؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي للمجيء إلى المملكة لحضور سلسلة من المهرجانات الموسيقية والرياضية التي تقيمها بشكل مستمر تقريبًا منذ شهر أكتوبر/تشرين الأول. ويتم دفع أصحاب التأثير لنشر صورهم على وسائل التواصل الاجتماعي من المملكة. ورفضت “إميلي” هذا العرض، لأنها قالت إنها تعارض انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة.
ورفض بعض المشاهير الآخرين أيضًا، من بينهم “نيكي ميناج”، الظهور أو أداء العروض في السعودية مقابل مبالغ كبيرة كجزء من حملة المملكة للدعاية واسترضاء الشباب. ومنذ بضعة أسابيع، كتب مغني الراب “ليل وين” تغريدة، وحذفها بعد ذلك، وجاء فيها: “لن أذهب إلى الرياض مرة أخرى”. وكانت هناك شائعات بأنه تم توقيفه لحيازته مخدرات عندما وصل لتقديم عرض مع آخرين.
وقبل شهرين، واجهت مجموعة “WWE” للمصارعة تأخرا في في دفع أموالها، وتم منعها من مغادرة البلاد بعد حدثٍ بارز. ويقوم المزيد من النجوم الذين تستأجرهم السعودية أو تسعى لذلك بانتقادها علنًا أو بينهم وبين الآخرين. ومؤخرا، تم نشر مقطع فيديو بالإنجليزية على “واتساب” تظهر فيه امرأة شابة وصفت المستويات العالية من المضايقات الجنسية والاعتداءات التي واجهتها هي وشابات أخريات في مهرجان “إم دي إل بيست” في الرياض.
صورة مزيفة
والحقيقة هي أن هذه الصورة التقدمية التي تدفع بها السعودية حول نفسها ليست حقيقية. وبالمثل، فإن الإدانات في محاكمة قتل “خاشقجي” ليست دليلًا على تحقيق العدالة. وليس لدى المملكة سلطة قضائية مستقلة، ويعني هذا أن المحكمة تقرر، لكنها تقرر ما يريده الملك وابنه. وفي الحالات التي يكون فيها للنظام الملكي مصلحة، تعمل المحكمة دائما على تحقيق أغراض النظام. ولهذا السبب، عندما ينظر الأجانب إلى هذه الأحكام، فإنه يرون مجموعة من “أكباش الفداء” التي يتم التضحية بها للسجن أو الموت، حتى يتمكن كبار مساعدي الأمير والأمير نفسه من الإفلات من العقاب.
وفي نهاية المطاف، يعد كل هذا سيئا بالنسبة للتجارة والاستثمار في المملكة. وقد يختار العديد من المديرين التنفيذيين الذين يقودون الشركات الدولية تجاهل هذه الأمور الأخلاقية، لكنهم لا يتجاهلون الأرباح. وهم لا يحبون العمل في البلدان التي لا يثقون فيها بسيادة القانون، ولا تفيد معهم هنا استراتيجيات العلاقات العامة.