على مقربة من مسجد “محمد بن عبدالوهاب”، مؤسس “المذهب الوهابي”، في مدينة الدرعية، رقص سعوديون لمدة شهرٍ على إيقاعات موسيقية غربية وعربية.

هذا المشهد بات مألوفًا بالسعودية في الآونة الأخيرة، ويأتي بعد نحو 3 قرون من تحالف “الدرعية”، الذي تأسست به المملكة، واستمدت منه شرعيتها ومذهبها الديني، والمعروف بـ”ميثاق الدرعية”.

في عام 1744 وقع “محمد بن عبدالوهاب” و”محمد بن سعود” (مؤسس الدولة السعودية الأولى) هذا “الميثاق”، الذي تتخذ الدولة السعودية الثالثة (الحالية) من صيغته التزامًا بأحكام الشريعة الإسلامية.

ذلك الاتفاق اصطدم، مؤخرًا، بتحولات اجتماعية يشهد فيها قطاع “الترفيه” بالمملكة تطورات ضخمة غير مسبوقة منذ تأسيس هيئة خاصة بالترفيه، عام 2016، والتي نزعت، وفق منتقدين، الرداء الديني الذي طالما تمسكت به المملكة.

بينما تنفي السلطات حدوث تجاوزات تنتقص من المكانة الدينية للمملكة، التي توجد بها أكثر الأماكن قدسية للمسلمين، لا سيما في مدينتي مكة والمدينة المنورة.

وتواجه تلك التحولات غضبًا مكتومًا ونداءات تحذيرية وانتقادات ومخاوف من طمس الهوية الثقافية والمساس بالقيم والتقاليد والعادات في المملكة، وفق معارضين.

وربطت تقارير إعلامية بين توجهات التحرر في المملكة وحادث طعن، غير مسبوق في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، تعرض له أحد أعضاء فرقة موسيقية، في مؤشر على رفض داخلي مكبوت.

بالمقابل، تشهد فعاليات الهيئة العامة للترفيه ترحيبًا “من جمهور كبير”، بحسب السلطات السعودية.

 

حملة “اعتقالات”

تتزامن جرعة الترفيه المكثفة في السعودية، مع حملة “اعتقالات” شملت ناشطين ورجال دين، أغلبهم ممن دعوا في الأساس إلى تلك الإصلاحات، بجانب آخرين انتقدوا الهيئة العامة للترفيه، وفق تقارير حقوقية.

ولا تفصح السلطات عن أعداد “المعتقلين” في سجونها على خلفية حرية الرأي، ولا تسمح للمؤسسات الحقوقية بزيارتهم أو الاطلاع على أوضاعهم، ما يُثير شكوكًا كثيرة في هذا الملف.

ووفق التجمع الحقوقي “معتقلي الرأي”، على “تويتر”، فإن “حصيلة من تم معرفة أسمائهم من معتقلي الرأي منذ سبتمبر/أيلول 2017 ارتفعت إلى أكثر من 110 شخصيات، إضافة إلى نحو 50 من المقيمين الفلسطينيين، وعدد آخر من المقيمين من جنسيات أخرى”.

وفي 2017، بدأت السعودية حملة اعتقالات استهدفت شخصيات أكاديمية ودينية بارزة منهم: “سلمان العودة”، “ناصر العمر”، “عوض القرني”، “علي العمري”، إضافة إلى اعتقال شعراء ومفكّرين منذ سنوات، لمخالفتهم رأي السلطة الحاكمة.

 

توطين للترفيه

ضمن رؤيتها التنموية “السعودية 2030″، تستهدف المملكة زيادة مساهمة قطاع الترفيه من إجمالي الناتج المحلي من 3%إلى 6%.

وقال ولي العهد، “محمد بن سلمان”، عام 2017، إن المملكة تستهدف توطين 50%من قطاع الترفيه، إذ ينفق المواطنون السعوديون سنويًا 22 مليار دولار على الترفيه في الخارج.

وأعلنت هيئة الترفيه، في فبراير/شباط 2018، أنها تنوي استثمار 64 مليار دولار في القطاع الترفيهي، خلال السنوات العشر المقبلة.

 

“تغريب” المملكة

اتخذت سياسة الترفيه الأخيرة في السعودية توجهات نحو “تغريب المملكة” على النمط الغربي أو في بلدان مجاورة ذات نزعة تحررية، مثل مصر ولبنان، وفق منتقدين.

وتخلل ذلك، سلسلة قرارات بالتخلي عن قوانين وأعراف رسمية، اعتمدتها المملكة على مدار عقود، مثل السماح بحفلات عائلية غنائية مختلطة، وإتاحة وظائف للنساء كانت حكرًا على الرجال، وبث حفلات غنائية على التليفزيون الرسمي.

ففي مطلع نوفمبر/تشرين الأول 2019 استضافت السعودية، لأول مرة، مباراة استعراضية لمصارعة نسائية حرة بالعاصمة الرياض.

وأظهرت صورًا أن المصارعتين كانتا ترتديان حُلة رياضية طويلة الأكمام والسراويل، تماشيًا مع سياسة المملكة بشأن طبيعة ملابس النساء الأجنبيات.

وفي يونيو/حزيران 2019، ضجَّت مواقع التواصل الاجتماعي بمقاطع مصورة تتحدث عن افتتاح أول “ديسكو” (ملهى ليلي) “حلال” في مدينة جدة، يتبع ملهى “وايت دبي”، في الإمارات، ما أثار جدلاً واسعًا عبر فيه مغردون عن استيائهم.

والمقصود بـ”الملهى الحلال”، وفق ما نُقل في تلك المقاطع، هو “عدم تقديم مشروبات كحولية أو ارتداء ملابس قصيرة”، مع اشتراط عدم التصوير أو دخول من هم أقل من 18 عامًا.

وفي مارس/آذار 2018، أعلنت المملكة إقرار أول لائحة لترخيص دور العرض السينمائي، بعد حظر دام أكثر من 3 عقود.

وآنذاك، تداول مغردون سعوديون صورًا لتذاكر حفل المطرب المصري، “تامر حسني”، بمدينة الملك عبدالله الاقتصادية (غرب)، وكُتب عليها “ممنوع الرقص والتمايل”، في الحفل الأول لحسني بالمملكة.

ونهاية الشهر ذاته، نظمت المملكة “أسبوع الموضة العربي”، في الرياض، للمرة الأولى في تاريخها.

وفي فبراير/شباط 2018، بدأ في السعودية أول عرض “أوبرا”، تحت عنوان “عنتر وعبلة”، في تظاهرة شهدت نفاد التذاكر في أوّل أيام العرض.

وأقيم العرض غداة إعلان المملكة البدء في بناء دار للأوبرا، في سابقة بتاريخ السعودية.

كما انطلق في الشهر نفسه بالرياض، أول مهرجان لموسيقى الجاز.

وفي يناير/كانون الثاني 2018، بدأت العائلات السعودية دخول الملاعب الرياضية، لأول مرة.

وأعلنت الهيئة العامة للرياضة جاهزية 3 ملاعب في كل من جدة والرياض والدمام لاستقبال العائلات.

 

مواسم الترفيه

في فبراير/شباط 2019، أطلقت السعودية برنامج “مواسم 2019″، ويتضمن 11 موسمًا ترفيهيًا، ضمن مساعٍ لـ”تحويل المملكة إلى إحدى أهم الوجهات السياحية في العالم”.

ومنذ انطلاقها في مارس/آذار 2019، قدمت مواسم الترفيه مئات العروض الفنية والرياضية والثقافية، واستقطبت ملايين الزائرين من داخل المملكة وخارجها، بحسب تقارير رسمية.

ومنتصف ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلنت الهيئة أن عدد زوار موسم الرياض (بين 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي وأواخر يناير/كانون الثاني 2020) سيبلغ 10 ملايين و300 ألف زائر، و206 آلاف سائح.

 

تحرش وتوقيفات

ألقت الشرطة السعودية القبض على 24 مشتبهًا بهم بالتحرش، في فعالية ترفيهة أقيمت في الرياض، وفق بيان، أواخر ديسمبر/كانون الأول 2019.

ولفتت الشرطة إلى أن هذا الإجراء جاء عقب تداول مقاطع فيديو في وسائل التواصل الاجتماعي أظهرت تحرش مجموعة من الأشخاص بعدد من حضور تلك الفعالية الترفيهة.