في ظل تراجع أسعار النفط إلى ما دون الـ50 دولاراً للبرميل، والتداعيات الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا المستجد، وإجراءات التقشف التي اتخذتها السلطات السعودية لمواجهة العجز المالي، لا تزال المملكة تخوضاً حرباً في اليمن تكلف خزينتها مليارات الدولارات شهرياً.

وبعد السنوات الخمس من حرب اليمن، والتي كلفت السعودية مليارات الدولارات، باتت المملكة أقرب من أي وقت مضى لإنهاء الحرب في اليمن، خاصة في ظل الحالة الاقتصادية الاستثنائية التي تمر بها البلاد.

وشهرياً تنفق السعودية قرابة الـ120 مليار دولار لتغطية نفقات الحرب في اليمن، وفق تقديرات مجلة “فوربس” الأمريكية، ولكن مع خطط التقشف التي اتخذتها المملكة في الفترة الأخيرة، وفرضها لضرائب جديدة على مواطنيها، والاستدانة لتغطية العجز، لا يعرف كيف ستغطي تلك الميزانية الباهظة.

ولم يعلن الجيش السعودي أي خطوة تدلل على تراجعه في الحرب باليمن بسبب التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا، أو يعلن حتى تهدئة مؤقتة لالتقاط الأنفاس، وهو ما يطرح تساؤلات حول قدرة السعودية على تغطية تكاليف هذه الحرب شهرياً.

 

عجز واستدانة

وتجمعت الأرقام والحقائق التي تظهر وجود تراجع كبير في الميزانية السعودية؛ حيث سجلت عجزاً بلغ 109.2 مليارات ريال (نحو 29.12 مليار دولار) في الربع الثاني من العام الحالي، مع تضرر الخزانة العامة من هبوط أسعار النفط.

وبلغ إجمالي الإيرادات في الربع الثاني، وفق تقرير لوزارة المالية السعودية نشر، الثلاثاء (28 يوليو)، 133.9 مليار ريال، مقابل المصروفات عند 243.18 مليار ريال، إضافة إلى تراجع الإيرادات النفطية لأكبر مصدر للنفط في العالم بنسبة 45% على أساس سنوي في الربع الثاني إلى 95.7 مليار ريال (نحو 25.5 مليار دولار)، في حين هبط مجمل الإيرادات 49% إلى 133.9 مليار ريال (نحو 36 مليار دولار).

كما انخفض مجمل النفقات في الربع الثاني 17% على أساس سنوي إلى 243.2 مليار ريال (نحو 65 مليار دولار)، وهو ما يضع التساؤلات حول جدوى استمرار الحرب في اليمن وأثرها على الميزانية.

وخلال فترة جائحة كورونا اتخذت السعودية العديد من إجراءات التقشف لمواجهة تراجع أسعار النفط، لتوفير نحو 100 مليار ريال سعودي (الدولار = 3.76 ريالات سعودية)

وشملت إجراءات التقشف إلغاء أو تمديداً أو تأجيلاً لبعض بنود النفقات التشغيلية والرأسمالية لعدد من الجهات الحكومية، وخفض اعتمادات عدد من مبادرات برامج تحقيق الرؤية والمشاريع الكبرى للعام المالي الحالي، بالإضافة إلى إيقاف بدل غلاء المعيشة، ورفع نسبة ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15%.

وأمام استمرار حرب اليمن والإنفاق عليها بمليارات الدولارات شهرياً، تتجه السعودية إلى اقتراض 220 مليار ريال (80 مليار دولار) خلال العام الجاري، وذلك بسبب التداعيات التي ترتبت على جائحة كورونا، وفق تصريح سابق لوزير المالية السعودي محمد الجدعان، (في مايو الماضي).

ورغم الأرقام والحقائق التي تظهر خسارة السعودية مليارات الدولارات في حرب اليمن، ووجود تراجع في ميزانيتها، خاصة مع أزمة كورونا وتراجع أسعار النفط، فإن الحرب التي تواصل القتال فيها لم تحقق أي تقدم يذكر على الأرض، بل زادت التكلفة الاقتصادية والبشرية على السعودية.

ولم يشعر المواطن السعودي، أو حليف المملكة التي دخلت الحرب من أجله، بأي انتصارات جاءت بها تلك الحرب، حيث بات الأول -خاصة سكان المناطق المتاخمة للحدود مع اليمن- مهدداً بحياته بسبب الصواريخ الباليستية التي تطلقها مليشيا الحوثي بشكل متسمر.

وعلى الصعيد اليمني الداخلي لم تقدم الحرب المتواصلة للحكومة الشرعية اليمنية، برئاسة منصور عبد ربه منصور هادي، الذي خسر مزيداً من المدن وذهابت إلى المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً.

 

تراجع الإيرادات

الباحث في الشأن الاقتصادي اليمني عبد الواحد العوبلي، يؤكد أن قرار الحرب السعودية في اليمن يعد سياسياً، ويتعلق بـ”الخطط الاستعمارية للسعودية في اليمن، ولأجل تنفيذ هذه الخطط فالنظام السعودي على استعداد لتسخير الموارد اللازمة”.

وإيرادات السعودية من النفط والغاز، وفق حديث العوبلي لـ”الخليج أونلاين”، لا تخضع للمساءلة، إضافة لعدم وجود شفافية في ذلك الملف، حيث ما يصل لموازنة الحكومة السعودية هو “ببساطة ما تسمح الأسرة الحاكمة في السعودية بإنفاقه على الشعب وليس ما تحصل عليه السعودية فعلياً كإيرادات”.

وتأثرت الإيرادات السعودية، كما يؤكد العوبلي، بشكل محدود خلال شهري مارس وأبريل 2020؛ بسبب انخفاض أسعار النفط التي عادت لتتجاوز حاجز الـ40 دولاراً للبرميل، خاصة مع تكلفه إنتاج النفط المنخفضة في السعودية بأقل من 3 دولارات للبرميل الواحد.

ويستدرك بالقول: “بخلاف ذلك، فمن سيتأثر بأي انخفاض في الإيرادات أو أي عجز في موازنة الحكومة السعودية هو المواطن والمقيم في السعودية؛ عبر تحمل أعباء الإجراءات التقشفية التي اتخذتها الحكومة عبر رفع الضرائب والجمارك والرسوم، والتي تسببت في رفع أسعار السلع والخدمات”.

وتستفيد السعودية، كما يوضح العوبلي، من الاقتصادي اليمني بشكل مباشر من خلال سيطرتها على القرار السياسي للبلاد، بحكم أن الانهيار المستمر في سعر الريال اليمني يفقد الناس ثقتهم به ويجعل ملايين اليمنيين يتجهون نحو التعامل بالريال السعودي.

ويعطي تعامل اليمينيين بالريال السعودي حكومة المملكة، كما يرى الباحث الاقتصادي اليمني، السعودية فرصة أكبر لطباعة مزيد من الأوراق النقدية من العملة السعودية لتغطية العجز الحاصل في ميزانيتها.

 

استيراد الأسلحة

وإلى جانب الخسائر السياسية والعسكرية والاقتصادية لحرب اليمن، تلقت السعودية الكثير من الانتقادات الدولية؛ بسبب عمليات القصف التي تصيب مدنيين وتقتل أطفالاً، وفق تقديرات الأمم المتحدة.

العديد من دول العالم قررت وقف تصدير الأسلحة إلى السعودية استجابة لمطالبات برلمانية ولمؤسسات حقوقية؛ بسبب ما تقول إنه انتهاكات ارتكبها التحالف ضد المدنيين في اليمن، وهو ما عانت منه المملكة لسنوات.

وبشكل عام، تتصدر السعودية قائمة مستوردي السلاح في المنطقة، بحسب معهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، وتأتي الولايات المتحدة على رأس قائمة مصدري السلاح للمملكة بمبيعات تجاوزت 43 مليار دولار، ما بين 2015 و2017.

وشملت هذه المبيعات معدات وأسلحة عسكرية ومروحيات وسفناً حربية ودبابات آبراهامز، إضافة إلى طائرات حربية، كما وقعت السعودية صفقة مع الولايات المتحدة لتوريد كميات مختلفة من المنظومات الصاروخية الدفاعية ومعدات تابعة لها.

وبلغ حجم الإنفاق العسكري السعودي هذا العام 67 ملياراً و600 مليون دولار، متصدرة بذلك قائمة الجيوش الخليجية، وتصنّف السعودية ضمن أكثر 3 دول إنفاقاً على جيوشها في عام 2019، إلى جانب الولايات المتحدة والصين.

وتمتلك السعودية، وفقاً للتقرير الجديد، 879 طائرة في قواتها الجوية؛ بينها 270 مقاتلة، و82 طائرة هجومية، و283 هليكوبتر، و34 طائرة هليكوبتر هجومية، و208 طائرات تدريب، و49 طائرة نقل، و13 طائرة مهام خاصة.

وأمام تلك الحقائق تبقى التساؤلات مطروحة حول: كيف يمكن للسعودية تغطية ميزانية الحرب غالية الثمن في ظل زيادة الدين العام، وتوجهها إلى اقتراض ملايين الدولارات، وزيادة مدة فيروس كورونا المستجد؟