الحديث عن تقدم في الاتصالات بشأن التطبيع بين إسرائيل والسعودية، قابله رفض رئيس المعارضة الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية والعسكرية لبعض بنود الاتفاق، فضلا عن صعوبات جدية وعقبات في واشنطن وتل أبيب.
هكذا كشف تقرير في صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية، وترجمه “الخليج الجديد”، مؤكدة أن الولايات المتحدة والسعودية في المراحل الأولى من المفاوضات بهدف تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب، نافية ما ذكره تقرير صحيفة “وول ستريت جورنال” ذكر أن الولايات المتحدة والسعودية اتفقتا على الخطوط العريضة لاتفاق التطبيع مع إسرائيل.
واستندت “واشنطن بوست” إلى إعلان البيت الأبيض الأربعاء، أنه لا يوجد إطار عمل متفق عليه للتوصل إلى اتفاق تعترف السعودية بموجبه بإسرائيل، وإنه يتعين خوض محادثات كثيرة قبل توقيع مثل هذا الاتفاق.
قبل أن تورد تصريحات للمتحدث باسم الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، قلل فيها من شأن ما ورد حول التوصل لتفاهمات، وقال إنه “لا يزال هناك الكثير من المناقشات التي ستُجرى هنا”.
وأضاف: “ليس هناك اتفاق على مجموعة من المفاوضات، ولا يوجد إطار عمل متفق عليه للتوصل إلى تطبيع أو أي من الاعتبارات الأمنية الأخرى التي لدينا وأصدقاؤنا في المنطقة”.
ويمكن أن يؤدي إنشاء علاقات رسمية بين السعودية وإسرائيل إلى تغيير جذري في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، وسيكون بمثابة فوز كبير في السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن، بينما يستعد لحملة إعادة انتخابه في عام 2024.
وعلى الرغم من أن البلدين كانا تاريخيًا عدوين لدودين، إلا أنهما تعاونا في السنوات الأخيرة بهدوء في المسائل الأمنية والتجارية في جهد مشترك لمواجهة إيران.
وقال بايدن في حدث انتخابي في أواخر يوليو/تموز، بعد يوم من وصول مستشاره للأمن القومي جيك سوليفان، في زيارة رسمية ثانية للسعودية: “هناك تقارب جاري”.
لكن عقبات خطيرة تقف في طريق أي صفقة محتملة، وفق الصحيفة، التي نقلت عن وقال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي، قوله لمجموعة من المراسلين الدوليين، في إشارة إلى الولايات المتحدة والسعودية: “نعلم أن الجانبين جادان للغاية بشأن هذه القضية”، مضيفًا أن إسرائيل تم تحديثها “عن كثب” بشأن تقدم المحادثات، وتتوقع مسودة اتفاق في وقت مبكر في ديسمبر/كانون الأول المقبل.
أوضح هنغبي أن إسرائيل ليست مستعدة لتقديم تنازلات ذات مغزى بشأن قضية الدولة الفلسطينية، التي يُفترض منذ فترة طويلة أنها شرط مسبق لتقارب إقليمي.
وتسعى الرياض للحصول على ضمانات أمنية كبيرة من واشنطن، الأمر الذي قد يؤدي إلى زيادة تورط الولايات المتحدة في صراعات الشرق الأوسط.
وجعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التطبيع مع السعودية “موضوعًا رئيسيًا” في حملته الانتخابية العام الماضي، ووعد بالبناء على “اتفاقيات أبراهام” التي توسطت فيها الولايات المتحدة و”توسيع دائرة السلام”.
وفي عام 2020، أقامت إسرائيل علاقات دبلوماسية مع الإمارات والبحرين والمغرب.
ويبقى الأمل الأمريكي، الذي لم يتحقق حتى الآن، هو أن تحذو دول شرق أوسطية أخرى حذوها، حيث أن توقيع السعودية، قد يدفع الآخرين للحذو حذوها.
ويشيد منتقدو ترامب بالاتفاقات بين إسرائيل والدول العربية حتى مع استمرار عدم تحقيق الهدف الأصلي للسلام الفلسطيني
لكن يبدو أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يقود “صفقة صعبة”، وفق وصف “واشنطن بوست”، التي قالت إنه يسعى للحصول على ذخيرة أمريكية واتفاق أمني جماعي على غرار حلف الناتو مع واشنطن.
مثل هذا الاتفاق سيلزم الولايات المتحدة بالرد عسكريًا في حالة وقوع هجوم على الأراضي السعودية.
وفي عام 2019، تعرض اثنان من حقول النفط الرئيسية السعودية للقصف من قبل الحوثيين، وهم جماعة متمردة تدعمها إيران في اليمن.
وتريد السعودية أيضًا المساعدة في تطوير برنامج نووي مدني، على الرغم من وجود خلافات حول الدور الذي يمكن أن تلعبه الولايات المتحدة.
وتسعى الرياض إلى تخصيب وقود اليورانيوم الخاص بها، بينما تفضل واشنطن صفقة مماثلة لتلك التي أبرمتها مع الإمارات، التي تستورد وقود المفاعلات.
بينما قال السعوديون إنهم يفضلون التعاون في مجال الطاقة النووية مع الولايات المتحدة، وهناك آخرون يحتمل أن يكونوا على استعداد للمساعدة، بما في ذلك منافسون مثل الصين وروسيا.
وما هو أقل وضوحا هو ما ستكون الرياض مستعدة لقبوله نيابة عن الفلسطينيين.
بالتزامن، شدد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، على اعتزامه معارضة أي اتفاق لتطبيع بلاده مع السعودية يسمح للسعودية تخصيب اليورانيوم على أراضيها.
ومن شأن هذا الرفض العلني من قبل زعيم المعارضة الإسرائيلية، التأثير على المناقشات الدائرة حاليا داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي بشأن تلبية المطالب السعودية للتطبيع مع إسرائيل، والتي تتضمن أيضا على الحصول على أسلحة متطورة وضمانات أمنية أمريكية.
وحذر لابيد، خلال حديثه مع وفد من الحزب الديمقراطي الأمريكي زار تل أبيب الخميس، أن خطوة تخصيب السعودية لليورانيوم سيعرض أمن إسرائيل للخطر.
وتعاونت السعودية مع الولايات المتحدة في المجال النووي لعدة سنوات، بل وقّعت مذكرة تفاهم حول الموضوع عام 2008، إلا أن التقدم توقف خلال فترة دونالد ترامب، رغم الدفء الذي طبع العلاقة بين الرياض وواشنطن.
وسيكون مطلب السعودية تخصيب اليورانيوم داخل المملكة أمرا صعبا لكي توافق عليه الولايات المتحدة التي لا تريد أن تمتلك الرياض تكنولوجيا تخصيب أو معالجة يمكن أن تساعد على إنتاج القنبلة النووية
وتريد من الرياض التوقيع على بروتوكولات إضافية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بشكل يمنحها سلطة رقابة على عمل السعودية النووي.
وأشار مسؤولون إسرائيليون كذلك، إلى أنهم لن يكونوا مستعدين لتلبية المتطلبات السعودية لإقامة دولة فلسطينية.
وكان وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، قد أعاد التأكيد على هذا المطلب في يونيو/حزيران الماضي، رغم أنه قال إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل سيكون “في مصلحة المنطقة”.
الجدير بالذكر أن بن فرحان لم يشر إلى دولة فلسطينية بحدود 1967، والتي كانت أساس مبادرة السلام السعودية في عام 2002.
كما أشارت إسرائيل إلى أنها لن تتنازل عن الوضع النهائي للقدس، حيث يطالب الفلسطينيون بالقدس الشرقية المحتلة عاصمة لهم.
والأحد الماضي، قال وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، لموقع “إيلاف” الإخباري السعودي، إن القضية الفلسطينية لن تكون عقبة أمام السلام مع السعودية، مضيفًا أن إسرائيل ستتخذ خطوات لتحسين الاقتصاد الفلسطيني.
وأضاف: “هذا السلام سيغير العلاقة بين العالمين اليهودي والإسلامي”.
وتتزامن الدبلوماسية المكوكية التي قام بها مسؤولو بايدن إلى السعودية في الأسابيع الأخيرة مع فتور في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية.
وزادت الإدارة الأمريكية بشكل غير عادي في انتقادها لخطط نتنياهو المثيرة للجدل لإصلاح القضاء الإسرائيلي، وأدانت مرارًا شركائه المتشددين في التحالف، ومن بينهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الناشط الاستيطاني السابق الذي دافع بقوة عن ضم الضفة الغربية، المنطقة يعتبرها الفلسطينيون جزءا من دولتهم المستقبلية.
ومؤخرا، خصص سموتريتش مليارات الشواكل لتوسيع المستوطنات اليهودية في الأراضي المحتلة، الأمر الذي سيجعل حل الدولتين، وهو حجر الزاوية في السياسة الخارجية الأمريكية، مستحيلًا فعليًا.
والثلاثاء الماضي، أوقف سموتريتش تحويل مئات الملايين من الشواكل المخصصة للبلدات الفلسطينية في إسرائيل، مدعيا أن الأموال “تذهب في كثير من الأحيان إلى المنظمات الإجرامية والإرهابية.
وجعلت سلسلة الحملات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية، وظهور جماعات فلسطينية مسلحة جديدة، العام الماضي من أكثر الأعوام دموية في المنطقة، منذ عقود.
وأمام ذلك يقول هنغبي: “من أجل التطبيع مع السعودية، عليها دفع ثمن أمن إسرائيل”، مضيفا أن “الصفقة ستسمح بمزيد من الاستثمار السعودي في مشاريع البنية التحتية الفلسطينية”.
لكن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، قال في إفادة صحفية الأسبوع الماضي، إن “الفوائد الاقتصادية لم تعد كافية للشعب الفلسطيني”.
وأضاف أن إقامة الدولة لا تزال الهدف الأساسي للفلسطينيين.
واستبعد المالكي إمكانية إحياء محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية “في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية”، لكنه قال إن السلطة الفلسطينية ترحب بمشاركة السعودية، وكذلك الصين، التي “تريد زيادة وجودها في منطقتنا لتزيد من وزن موقفها السياسي”.
وتوسطت الصين في انفراج بين السعودية وإيران في مارس/آذار، وهو ما يقول الخبراء إنه كان بمثابة دعوة لليقظة للولايات المتحدة، مما يسلط الضوء على دورها المتضائل في الشرق الأوسط.
يقول الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ومستشار رؤساء الوزراء ألون بينكاس: “لقد رأت إسرائيل أنه بمجرد تدخل الصينيين، أجبرت الولايات المتحدة على التدخل”.
ويضيف أنه “من خلال القيام بدفعة منسقة من أجل صفقة سعودية إسرائيلية، ربما تأمل واشنطن أيضًا في تخفيف تأثير اليمين المتطرف في إسرائيل، مما قد يجبر الحكومة على التراجع عن إصلاحها القضائي وإبطاء التوسع في المستوطنات”.
ويتابع: “لا أحد يتوقع قيام دولة فلسطينية الأسبوع المقبل، ولكن الحديث عن هذه الصفقة قد يخدم غرض رفع مرآة أمام نتنياهو، لمحاولة إقناعه بالتوقف”.
ويجب أن تتم الموافقة على أي اتفاق بأغلبية الثلثين في مجلس الشيوخ الأمريكي، حيث من المرجح أن يعارض الجمهوريون منح بايدن فوزًا هائلاً قبل الانتخابات.
الأمر ذاته ذكره دبلوماسيون، قالوا إنهم لا يتوقعون تقديم نتنياهو تنازلات بشأن القدس، خاصة بعد اعتراف ترامب بها كعاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها.
كما قللوا من فرص تجميد الاستيطان، وإمكانية تقديم الحكومة اليمنية تنازلات منطقية.