استيقظ العالم العربي من المحيط إلى الخليج، فجر السبت (7 مارس 2020)، على أنباء واردة من السعودية تتحدث عن اعتقال السلطات الرسمية لكبار أمراء العائلة الحاكمة، في مشهد أشبه بـ”زلزال” ضرب المملكة، وفق مراقبين.

وكان لافتاً خروج صحيفتي “وول ستريت جورنال” و”نيويورك تايمز” بخبر اعتقال السلطات السعودية للأمير أحمد بن عبد العزيز، آخر السديريين السبعة، وأصغر أشقاء الملك سلمان، إل جانب ولي العهد السابق محمد بن نايف، خاصة أن الرجلين يرتبطان بعلاقات قوية مع المؤسستين العسكرية والأمنية بحكم توليهما سابقاً مناصب حكومية، أبرزها وزارة الداخلية، التي تتحكم في مفاصل المملكة كافة.

كما يُنظر إلى الأميرين أحمد وبن نايف على أنهما مرشحان بقوة للعرش وخلافة سلمان بدلاً من نجل الأخير محمد بن سلمان، الذي صعد إلى ولاية العهد صيف عام 2017، وسط استياء داخل العائلة الحاكمة، كما أوردت تقارير غربية.

وكشف بن سلمان عن وجه آخر خلافاً لما ظهر به وقت تنصيبه ولياً للعهد؛ عندما قبل يد محمد بن نايف، وخر ساجداً نحو قدمه، وبدا خجولاً متواضعاً أمام ابن عمه، إلا أن المشهد اختلف برمته بعد عامين ونصف العام، إذ قبض عليه الحرس الملكي ووضعه في مخيم صحراوي.

وإضافة إلى الأميرين السابقين شملت الاعتقالات الأخيرة، وفق وسائل إعلام دولية، وزير الداخلية الحالي سعود بن نايف، ووالده عبد العزيز بن سعود بن نايف، ونواف بن نايف، إضافة إلى نايف نجل الأمير أحمد.

وتفتح الاعتقالات المدوية التي نفذها الحرس الملكي السعودي الباب على مصراعيه لتساؤلات من كل اتجاه حول تداعيات هذا الحدث ومآلاته، وماذا يخطط “بن سلمان” تجاه الرجلين القويين، خاصة أن الأول يمضي قدماً غير آبهٍ بموجة الاستياء داخل الأسرة، ويصر على إزاحة كل من يعترض طريقه نحو كرسي الحكم.

تهم خطيرة

ومع التزام السلطات السعودية الصمت تجاه ما يجرى داخل المملكة، اتجهت الأنظار إلى وسائل الإعلام العالمية لمعرفة ما يدور في البلد الذي انتهج سياسة عدوانية منذ تولي الملك سلمان الحكم خلفاً لشقيقه الراحل الملك عبد الله.

“وول ستريت جورنال” نقلت عن مصادر لم تسمها أن الأميرين القويين يواجهان اتهامات بـ”الخيانة العظمى”، مشيرة إلى العقوبة المتوقعة بالسجن مدى الحياة، وقد تصل إلى الإعدام.

ويرى مصدر سعودي، بحسب الوكالة، أن الاعتقالات تمثل “رسالة تحذير” لجميع الأمراء “للكف عن التذمر والانصياع للأوامر”، فضلاً عن الحفاظ على دعم ولي العهد.

أما وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية فقد نقلت عن مصدر لم تسمه قوله إن الديوان الملكي السعودي أبلغ العائلة المالكة بنية الأمير أحمد وولي العهد السابق الانقلاب على الملك سلمان، وهو ما أدى إلى اعتقالهما.

بدوره كشف المعارض السعودي محمد القحطاني لـ”الخليج أونلاين”، تفاصيل جديدة عن اعتقال أمراء كبار في العائلة الحاكمة، مشيراً إلى وصول معلومات لدى بن سلمان تفيد بوجود دعوات نُقلت من داخل المؤسسة العسكرية من قِبل قيادات إلى الأميرين أحمد وبن نايف بضرورة تنفيذ انقلاب عسكري.

وقال القحطاني: “كثُر الحديث داخل المؤسسة العسكرية والدعوات التي يتم توجيهها إلى الأمراء الذين تم اعتقالهم، حتى وصلت تلك الدعوات إلى ولي العهد، الذي سارع واعتقل الأميرين أحمد وبن نايف وزج بهما في السجن”.

وبعد حديث القحطاني لـ”الخليج أونلاين”، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن “اعتقالات جرت في صفوف ضباط بوزارتي الداخلية والدفاع في السعودية”؛ بتهمة محاولة انقلاب في البلاد.

من جانبها ذكرت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن قوات الأمن السعودية تنشر الحواجز الأمنية على جمع طرقات العاصمة الرياض؛ خشية وقوع اضطرابات عقب الاعتقالات التي طالت الأمراء.

محاكمات مرتقبة

يقول المنطق؛ في حال أراد بن سلمان الاستمرار بإبقاء عمه وابن عمه خلف القضبان فإن الحديث في الفترة المقبلة سيدور حول محاكمات مرتقبة للأميرين، لكي يُضفي صبغة قانونية على توقيفهما والتذرع بأن الأمر بات الآن بيد القضاء، بحسب مراقبين للمشهد السعودي.

غير أن المحاكمات التي أجرتها السلطات السعودية في عهد بن سلمان للمعتقلين الذين زج بهم في السجون طغى عليها الغموض وأحيطت بسرية كاملة، مفتقرة لأدنى معايير النزاهة والعدالة والشفافية، كما وصفتها منظمات حقوقية دولية.

ومن بين تلك الحالات، محاكمة المتهمين بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول التركية (أكتوبر 2018)، وتقطيع جثته إرباً إرباً، وإحراقها لاحقاً، بحسب وثائقي لقناة “الجزيرة” الإخبارية.

ولم تُعلن النيابة السعودية أسماء الأشخاص الـ11 الذين مثلوا أمام القضاة، ومن الذين حكم عليهم بالإعدام أو بالسجن لـ24 عاماً، كما لم تخرج صورة واحدة لأي من جلسات المحاكمة التي ذهب إليها بن سلمان مضطراً في ضوء الضغط الدولي بضرورة محاسبة مرتكبي الجريمة.

في الوقت نفسه كان الوضوح سيد الموقف بشأن الثلاثي الكبير المتهم في القضية والمقرب من بن سلمان، وهنا يدور الحديث حول براءة أحمد عسيري (نائب رئيس الاستخبارات سابقاً)، وسعود القحطاني (مستشار سابق بالديوان الملكي)، ومحمد العتيبي (قنصل السعودية في إسطنبول وقت ارتكاب الجريمة).

كما تعيش السعودية، منذ سبتمبر 2017؛ أي الموجة الأولى من الاعتقالات التي استهدفت الدعاة والعلماء مروراً بالقبض على الأمراء والوزراء ورجال الأعمال (نوفمبر 2017)، ووصولاً إلى اعتقال الناشطات ومعتقلي الرأي وحرية التعبير (مايو 2018)، على وقع محاكمات وجلسات لا يُعرف موعد انعقادها ونتائجها سوى القليلين.

وطالت الاعتقالات شخصيات عربية من بينها قيادات في حماس، أبرزها ممثلها في المملكة محمد الخضري ونجله هاني، حيث يحاكمان إلى جانب آخرين بتهمة دعم المقاومة الفلسطينية والسعي في الأعمال الخيرية، بحسب حساب “معتقلي الرأي” المهتم بشؤون المعتقلين في المملكة، وذلك بعد توقيف دام نحو عام بلا أي أساس قانوني وبعيداً عن أي اتهام رسمي.

وتعكس المحاكمات في السعودية مشهداً بوليسياً يثير تساؤلات حول مدى صحة الاتهامات الموجهة للمعتقلين والغاية من عقدها، وسط إجماع من المحللين والخبراء على أن الرسالة الأبرز من وراء ذلك إيصال رسالة واضحة مفادها أن السجن مصير كل من ينتقد السلطة الحالية ورجلها القوي محمد بن سلمان.

ما المتوقع؟

وفرضت كل الأحداث التي طفت على السطح بعهد بن سلمان على الأخير التعامل بقوة و”الضرب بيد من حديد” وإزاحة كل من ينتقده، وتغييب أي معارض له خلف القضبان.

ومع الثمن الباهظ الذي يدفعه بن سلمان فإن ولي العهد الشاب لن يخرج عن الطريق الذي رسمه باستخدام القوة وتطويع القضاء لأجل استمراره “مهما كلف الأمر من ثمن”، وهو ما يترتب عليه ضمنياً إبقاء وزيري الداخلية السابقين رهن الاعتقال والحكم عليهما بالسجن لفترة طويلة.

كما أن ذلك قد يعني أن الأميرين لن يطلق سراحهما، وقد لا يخرجان من السجن إلا إلى القبر، مثلما فعل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي قاد انقلاباً عسكرياً، صيف عام 2013، عندما كان وزيراً للدفاع، على محمد مرسي، أول رئيس منتخب ديمقراطياً في تاريخ البلاد.

وزج السيسي بـ”مرسي” في السجن واستخدم القضاء لمحاكمته بجملة من الاتهامات قالت منظمات حقوقية دولية إنها “زائفة”، واستمرت لسنوات، قبل أن يتوفى داخل قاعة المحكمة بعد سلسلة طويلة من الإهمال الطبي وعدم السماح لأقاربه ومحاميه بالالتقاء به، رغم حديث الرئيس الراحل عن خطر جدي يُهدد حياته.