دخلت الحرب التي تخوضها السعودية والإمارات في اليمن مرحلة جديدة من التصعيد، بإعلان مليشيا الحوثي أنها قصفت مطار أبها (جنوب المملكة) بصاروخ “كروز” الموجه، لأول مرة منذ بدء الصراع.
وأقرت الرياض بالهجوم، لكنها لم تؤكد نوعية الصاروخ، وقالت إنها تعمل على تحديد نوعه، خاصة أنه أسفر- وفق تصريح المتحدث الرسمي باسم قوات التحالف في اليمن، تركي المالكي- عن إصابة 26 شخصاً مدنياً من المسافرين من جنسيات مختلفة، من بينهم 3 نساء (يمنية، وهندية، وسعودية) وطفلان سعوديان، ونُقلت 8 حالات منها إلى المستشفى.
وعادةً ما يستخدم الحوثيون صواريخ مصنوعة محلياً أو طائرات من دون طيار تقول تقارير غربية إنها “إيرانية الصنع”، لكن وصول هذا النوع من الصواريخ إلى يد الحوثيين قد يشكل نقطة تحول في مسار الحرب المستمرة منذ مارس 2015.
فلصاروخ “كروز” قدرة عالية على المناورة والدقة العالية في إصابة الهدف بهامش خطأ لا يتجاوز متراً ونصفاً، كما أنه قادرٌ على حمل 450 كيلوغراماً متفجراً أو حتى رؤوس نووية لمئات الكيلومترات بدقة عالية.
كما يتميز أيضاً بأنه صغير الحجم ويمكن إطلاقه من أي مكان، حيث يعادل وزن سيارة صغيرة وطوله لا يتجاوز 5.5 متر، ما يتيح له سهولة التنقل، ويصل مداه إلى 2500 كم.
ما سر الفشل؟
والسؤال الكبير هو: كيف لصاروخ “أمريكي الصنع” أن يصل إلى يد الحوثيين، في وقت يفرض التحالف السعودي – الإماراتي حصاراً شاملاً على اليمن مدعوم من واشنطن.
وحتى اليوم لم تستطع السعودية حسم عملياتها العسكرية في اليمن، التي قالت في مارس 2015 إنها ستستمر أشهراً فقط، كما باتت أيضاً غير قادرة على حماية مدنها من الصواريخ الحوثية وسط عجز المنظومات الدفاعية الصاروخية على الرغم من حداثتها.
ففي بداية عملية “عاصفة الحزم” كانت السعودية تفتخر بأنه من المستحيل أن يهدد الحوثيون أراضيها، بعد أن سيطر التحالف الذي شكلته على كامل الأجواء والمياه اليمنية ودمر المواقع التقليدية للدفاع الجوي وقواعد الصواريخ.
غير أنه بعد سنوات من العمليات العسكرية المكثفة تغيرت المعادلة، بل وبات الحوثيون هم أصحاب المبادرة، وبأسلحة لم تكن في اليمن حتى في زمن الدولة الواحدة أيام الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح.
أسلحة على شكل دفعات
وفي هذا الصدد يقول المحلل العسكري حاتم الفلاحي: إن “الحوثي كان لديه من البداية الكثير من المفاجآت، ولكنه لا يريد استخدام ما لديه من أسلحة سابقاً مرة واحدة، وإنما يحاول أن يستخدم الأدوات التي لديه للضغط على السعودية حتى تنسحب من الملف اليمني أو على الأقل أن توقف غاراتها على اليمن”.
وأشار، في حديثه إلى أن “استخدام الحوثي لأسلحته على شكل دفعات فمرة يستخدمون صواريخ كروز ومرة صواريخ قصير المدى، ومرة طائرة دون طيار، هي استراتيجية تبدو فعالة في مواجهة السعودية”.
كما أوضح الفلاحي أن الحوثي نجح في نقل المعركة من الداخل اليمني إلى الداخل السعودي، من خلال استهدافه بنكاً من الأهداف داخل المملكة خلال المرحلة الماضية، وهناك فشل ذريع في مواجهة تطورات الأحداث في اليمن، خصوصاً في الحصار البحري عليها حيث تمكن الحوثي من تطوير أسلحة استخدمها في حربه عليها.
وذكر أيضاً أن هناك فشلاً في المنظومة الدفاعية السعودية في مواجهة الطائرات المسيرة أو صواريخ الكروز، وهذا يعزى لعدة أسباب؛ أبرزها “إما أن التسليح السعودي يركز على جلب أسلحة قديمة وغير قادرة على مواجهة تطورات الأحداث في جبهة اليمن، أو عدم وجود كادر قادر على استخدام هذه المنظومة بصورة جيدة، وهو ما يرجح سبب فشل السعودية في التصدي لهجمات الحوثي”.
وتعتمد السعودية على منظومة صواريخ “هوك” و”باتريوت” الأمريكيتين لحماية أجوائها وتعمل على تطويرهما باستمرار.
وفي نوفمبر 2018 أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن السعودية ستشتري نظام “ثاد” للدفاع الصاروخي من صنع شركة “لوكهيد مارتن” بقيمة 15 مليار دولار لاعتراض الصواريخ الباليستية بمختلف أحجامها ومداها.
كما سبق أن أقرت قوات الدفاع السعودية، في مارس 2018، بأنها تصدت لـ 104 صواريخ باليستية أطلقتها المليشيات الحوثية، منذ فجر 6 يونيو 2015.
القتال دون أفق واضح
ولا تزال السعودية غارقة في حرب اليمن المشتعلة منذ 4 سنوات، مستنزفةً سمعتها وأموالها، وسط تعثر جهود السلام الدولية التي تقودها الأمم المتحدة، وعدم وجود رغبة حقيقية لدى أطراف الصراع للجلوس على مائدة الحوار.
ويصور الحوثيون أنفسهم على أنهم المدافعون عن الحقوق الوطنية اليمنية، ضد تدخل السعودية التي باتت تعاني هناك.
وبموجب اتفاق “استوكهولم” الذي أبرم في ديسمبر 2018 كان من المفترض أن يصاحب وقف إطلاق النار في “الحديدة” انسحاب الحوثيين من الميناء، لكن ظلت هوية من سيتولى المسؤولية هناك بعد انسحاب الحوثيين غامضة، ولا تزال الأمم المتحدة تضغط من أجل الانسحاب.
لكن الحوثيين لم يتزحزحوا وتقول قيادتهم إنهم لن يسلموا الموانئ لسيطرة السعودية، ثم عادوا لاحقاً لمهاجمة الرياض وأبوظبي بالصواريخ، وباتت الحالة السائدة الآن هي “القتال دون أفق واضح”.
وفي هذا الصدد يقول الخبير العسكري حاتم الفلاحي إن السعودية باتت في مأزق حقيقي بعد الحسم، خاصة بعد التصعيد على أراضيها، وتهديدات الحوثي باستهدافه بنك أهداف يحتوي على 300 هدف.
وتابع قائلاً: “لذلك إطالة أمد الصراع مثَّل إشكالية كبيرة للرياض وأبوظبي بسبب عدم وجود استراتيجية واضحة متكاملة لتحديد أهدافهما هناك، وخير دليل ترك ميناء الحديدة لسنوات تمكن خلالها الحوثي من استخدامه في الاتصال بالعالم الخارجي وجعله مورداً اقتصادياً ولتهريب السلاح”، مشيراً إلى أن “الأمن القومي السعودي بات في خطر مع استخدام الحوثي للطائرات المسيرة وصواريخ الكروز”.
واعتبر الفلاحي أن “السعودية ليست قادرة على الانسحاب حالياً فهذا يعني سيطرة إيران على البلاد، لذلك فموقف المملكة اليوم صعب للغاية”.